عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 30-11-2009, 04:57 PM   #9
إيناس
مشرفة بوح الخاطر
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2008
المشاركات: 3,262
إفتراضي

وشوشات
(9)





الكلمات هي الكلمات الأماكن هي الأماكن ... الطعام بمكوناته هو نفسه ... الأغاني بتوزيعها وكلماتها وألحانها وأصوات مغنيها نفسها... الطرقات الخطيرة بانحدارها والتوائها واحتمالية الموت فيها هي نفسها ...يحلو الطعام مع أناس ... وتعافه النفس مع غيرهم... تحلو الأماكن مع أناس ... وتصبح باهتة خاوية مع غيرهم ...

من يسلك طريق (خربة الوهادنة) قادما من عجلون ومتوجها الى الأغوار .. سيحس أنه هبط من نقطة عالية جدا، الى نقطة قريبة من أخفض نقطة بالعالم .. ولو كان يعلم عن طبيعة الطريق، لما اختار أن يسلكها، حتى لو اقتضى الأمر أن يتأخر عدة ساعات في الطريق ..

عندما أدار مفتاح سيارته، وأدار زر المسجلة، صدحت فيروز بصوتها المخملي (ع هدير البوسطة ..) كان قد سمع تلك الأغنية مئات المرات قبل هذا التاريخ، وأولها وهو مسافر الى لندن من الكويت عام 1980، أعجب باحتفالية الأغنية وتراكض كلماتها ولحنها، ولكن لم تكن في نفس التأثير الذي سمعه وهو ينحدر بطريق (خربة الوهادنة) .. لم يفكر وهو يرى الطريق من الأعلى وكأنه أفعى سوداء تتلوى على ضفاف جبل عمودي تقريبا، فكانت يدٌ تعبث بشعره من الخلف تعمل عمل الترياق لسم الأفعى .. وكان اللحن الفيروزي كأنه ينطلق من حركة رؤوس الأنامل التي تداعب شعره .. كان يسترق نظرة من خلال المرآة ليرى لمعانا في عينيها ..كان بريق العينين وتقاسيم الوجه تعزف لحنا صامتا أعطى لأغنية فيروز توزيعا موسيقيا لم يخطر على بال أي ملحن.. كان مستعدا أن يقود سيارته وهو مغمض العينين ليحبس سحر تلك العينين في مخياله الحالم .. ولو كان الثمن حياته .. ولكنه كان ينتبه مع كل التواء في الطريق وانحدار أكثر، ليطيل عمر السحر ..

كم مرة زار جرش وآثارها؟ كم مرة زار قلعة (الربض) حيث كان صلاح الدين، لم تكن تلك المرات بطعم تلك المرة، كم مرة رأى شجرة (الجميلة) بأزهارها الحمراء الصارخة في الأغوار عندما كان يمر من هناك، لم تكن تلك الأزهار لها نفس الروعة، كانت تنتصب في تلك المرة وكأن أياد خفية تحملها لتقدمها لمن عبثت في شعره تكريما لقدومها ..

سأله من كان بجانبه : أين سرحت؟
فأجاب بعد أن التفت في المرآة ليجد فراغا يجلس خلفه، لاشيء .. لا شيء..


ابن حوران
__________________

Just me

إيناس غير متصل   الرد مع إقتباس