عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 05-05-2009, 01:12 PM   #5
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

من ركائز الأعراف العشائرية

رغم اقتراب العادات والأعراف العشائرية من الاندثار، فإن ركائز تلك العادات والأعراف لا تزال تسكن في خبايا مولدات التقييم الخلقي والسلوكي عند قطاعات واسعة من الناس، فالجبن والشجاعة والنذالة والكرم والخساسة والمروءة لها مبررات في أصل موروث العرف. وهي في نفس الوقت تشكل الى جانب القوانين المدنية الحديثة وما آل إليه وضع المجتمعات الحالية أحد ركائز القاعدة الخلقية السائدة أو التي يُفترض أن تسود.

الالتزام بالأعراف دون وازع خارجي

قبل نشوء الدولة الحديثة، كانت ضوابط سلوك الناس تعتمد على التصرف المماثل. فالمسافر في الأزمنة القديمة كان يعتمد الجمل أو الفرس أو السير على الأقدام، حتى يصل الى وجهته، فكان لا بد له من أن يقابل بترحاب من يصادفهم في الطريق لندرة أو لغياب المطاعم والفنادق وغيرها من مستلزمات السفر في زمننا الحاضر. وعليه كان لا بد أن يكون كريما لضيفه لأنه سيكون ذات يوم في نفس موقف ذلك الضيف، وكان المسافرون يحطون رحالهم عند أناس سبق لهم أن استضافوهم أو سمعوا عن كرمهم.

كما أن تأمين الحماية للأفراد المقيمين أو المتنقلين كانت من مهمة العشيرة أو المجتمع المحلي البدائي الذي يقطنه أو يمر به الفرد، وذلك لغياب أشكال الإدارات الأمنية التي تخص الدولة. وأثناء تطور الدولة ومؤسساتها بقيت بعض الأطراف من قرى وبوادي لم تحظ بتغطية الأمن الحكومي، فكانت المهام الأمنية تُناط تلقائيا بإدارة المجتمع البدوي أو الريفي.

ضوابط أخلاقية تم ابتكارها على مر العصور

من هي القبيلة النبيلة ومن هي القبيلة المحتقرة؟

كانت القبائل تأخذ مجدها من خلال عدد الغزوات التي تقوم فيها، وكان هذا يعتمد على كثرة رجالها وبسالتهم في القتال وحسن إدارتهم، بصرامة قياداتهم، وكانت القبيلة التي يكون لديها 400 مقاتل، تسمى (جمرة) وهي القبيلة التي لا تحتاج الى معونة أحد من القبائل الأخرى، وقد عرفنا ثلاث جمرات قبل الإسلام هن: (عبس وذبيان و ضمرة). أما القبائل التي ليس لها تلك الإمكانات من المقاتلين فأمامها خياران: إما أن تدخل في حلف مكون من عدة قبائل، ويعتمد ذلك الحلف (طوطما) يكون عنوانا لذلك الحلف، فكان بني ثور وبني أسد وبني جحش الخ، أي أولئك الذين يرفعون طوطم (الثور والأسد والجحش)*1، وإما أن لا تلجأ للتسلح وترضى أن تعيش تحت حماية غيرها من القبائل، وعندها تكون قبيلة (محتقرة).

القبيلة المحتقرة، لا تغزوها أي قبيلة، ولا يتزوج أبناء القبائل النبيلة منها، وإن غزتها إحدى القبائل، أصبحت القبيلة الغازية محتقرة، وتنادت عليها القبائل لتردعها وتعيد حق القبيلة المحتقرة لها.

ويأتي ذلك من كونها لا تحمل السلاح ولا تغزو، والفرد الذي لا يحمل السلاح، أو سقط سلاحه أثناء القتال، يمتنع المقاتل النبيل عن قتله، لأنه اعترف ضمنا بهزيمته.

من هنا، وبعد الإسلام وتشكيل الدولة والحرس والأمن، بقيت تلك الأسس سائدة في المجتمعات العربية غير المتمدنة.

وهناك من القبائل التي اعتبرت محتقرة لأسباب مختلفة: منها ما عُرف عنهم أنهم كان أجدادهم يتعاملون مع أعداء الجيوش الإسلامية في الفتوحات، أو أن غيرتهم على نسائهم معدومة، أو أنهم يتصفون بالغدر، وقد ذكرت كتب التاريخ مثل تلك القبائل، فلذلك لا يتم مصاهرتهم ولا يتم التعامل معهم فهم محتقرون لأسباب غير التي تتعلق بقدرتهم على حمل السلاح.

حق الجار

حماية الجار والحرص عليه، أمر يتعلق بالكرامة والشرف، وهو بنفس الوقت له ضرورة أمنية واجتماعية، كون بيوت العرب (الرحل) غير محصنة وليس لها أسوار وموانع، فكان كل جار مسئولا ضمنيا عن جيرانه، وإذا حدث أن تعرض جار للأذى من جاره، فعقوبة ذلك هي أربعة أضعاف ما على الغريب من حق. فإن كانت عقوبة الغريب في مسألة ما عشرة (جمال) فإنها في حالة أذى الجار ستكون أربعين جملا.

المرأة في الأعراف العشائرية

المرأة (عِرض) وحمايتها أكثر أهمية من حماية الأرض التي ارتبطت معها كمحركين لمسألة الشرف. وإن كان هناك خصومة بين قبيلتين وتعرضت إحدى النساء الى المساس بشرفها، فإن أي فرد حتى لو كان من أبناء القبيلة الخصم سيقوم بالدفاع عن شرفها، رغم خصومته مع قبيلتها، سنذكر مثلا:

في عام 1910 (أي في أواخر أيام الحكم العثماني) تعرضت فتاة من عشيرة (القرضة) وهي تملأ الماء من عين صويلح (12كم غرب عمان ـ الأردن)، تعرضت لاعتداء من شاب من الشيشان (هاجر قسم من الشيشان في نهاية القرن التاسع عشر الى الأردن) حيث وخزها في مؤخرتها برأس عصاه، فصرخت طالبة النجدة، ومن حسن طالعها أن كان شاب من عشيرة (البقور ـ عباد) يدعى (هزاع الكايد) قريبا من المكان يرعى في أغنامه، فاستجاب فورا للاستغاثة فأطلق النار على المعتدي فأرداه قتيلا، دفاعا عن الفتاة، رغم أن عشيرته وعشيرة الفتاة على عداء مستمر. فلحقه الشيشان وأطلقوا عليه النار فأصابوه إلا أنه استطاع امتطاء جواده ووصل لمضارب عشيرته الذين انتقموا فورا، بمهاجمة الشيشان وقتل الكثير منهم، ثم جاء جنود الأتراك وأوقفوا الهجوم، لكن في النهاية أقر الجميع بما فيهم شيوخ الشيشان والأتراك بسلامة تصرف الشاب. *1

هذا يبين لنا الكيفية التي تربط بها السلطات الحكومية القوانين مع الأعراف وإقرار العقلاء من الخصوم لجواز العمل المنسجم مع تلك الأعراف.

هوامش
*1ـ من المفصل لتاريخ العرب قبل الإسلام/ جواد علي/ بيروت: دار العلم للملايين.
*2ـ القضاء عند العشائر الأردنية/احمد عويدي العبادي/ سلسلة من هم البدو؟/ وادي السير/الأردن دار العباديللنشر1988 ص 174
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس