عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 23-06-2023, 07:15 AM   #1
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 5,992
إفتراضي نقد كتاب وقفات مع رسالة الحلبي

نقد كتاب وقفات مع رسالة الحلبي المسماة القول المأمون في تخريج ما ورد عن ابن عباس في تفسير{ ومن لم يحكم بغير ما أنزل الله فأولئك هم الكافرون }
المؤلف أبو مروان السوداني والكتاب يدور حول اختلاف الروايات في تفسير ابن عباس لقوله تعالى"ومن لم يحكم بغير ما أنزل الله فأولئك هم الكافرون"
وتحدث السودانى عن أن بعض من الناس نقضوا كون الله هو المشرع فقط فقال :
"فإن من المحن التي توالت على المسلمين ظهور قوم من أذناب المرجئة وقيامهم على إبطال كلية من كليات الشريعة؛ ألا وهي: أن الحاكم والمشرع هو الله فلا حكم إلا حكمه ولا تشريع إلا تشريعه وان من نازع الله في شي من ذلك كان كافرا طاغوتا من الطواغيت. فجعلوا هذه الكلية منتقضة بقولهم: إن الحاكم والمشرع لا يكون كافرا كفرا أكبر بل هو كفر دون كفر.. وكفر لا ينقل عن الملة... مستدلين بما نسب إلى حبر الأمة عبد الله بن عباس في ذلك. وقد كنا بحثنا أسانيد هذا الأثر فلم نجد له إسنادا صحيحا تقوم به الحجة."
وتحدث الرجل عن أن صديق أخبره بوجود رسالة في الموضوع فاطلع عليه فقرأها فوجدها مليئة بالثغرات التى عمل على سدها فقال:
" ثم أخبرنا بعض الاخوة أن هناك جزءا حديثيا يسمي(القول المأمون) لعلي بن عبدالحميد الحلبي؛ جمع فيه طرق هذا الأثر ثم رجح تصحيحه وإثباته عن ابن عباس.
فبعد أن اطلعنا عليه وصوبنا النظر في محتواه لم نجد فيه كبير فائدة وإنما هو تراجم لرواة الأسانيد ومقدمة وفهرست؛ وكان خاويا من علم العلل فلا تكاد تجد فيه شيئا من ذلك؛ فمعرفة مراتب الرجال سهل مدون مفهرس يستطيع الناشئ أن يستخرج ذلك.
ولكن النظر في العلل واستخراجها ومعرفتها هو صفة جهابذة هذا الفن. وهذا واضح لمن نظر في الجزء بتجرد ولا يخفى إلا على العميان الذين قلدوا دينهم الرجال سواء جاءوا بالحق أو بالباطل، فقط ينظرون إلى اسم الكتاب واسم مؤلفه والترجيح الذي رجحه ثم لا يلتفتون إلى باقي الكتاب. فهذا هو حال كثير من المنتسبين إلى طلب العلم والله المستعان. فنقول إلى هؤلاء :
إنا نرى التقليد داء قاتلا حجب العقول عن الطريق الأرشد
جعل الطريق على المقلد حالكا فترى المقلد تائها لايهتدي
لذا بدأنا في اجتثاث جذوره من كل قلب خائف متردد
ولسوف ندمل داءه وجراحه بمراهم الوحي الشريف المرشد"
وهذا الكتاب هو رد على تلك الرسالة كما قال السودانى:
"لذلك عقدنا العزم على كتابة هذا الجزء ردا على هذه الرسالة ونصحا للامة وإشفاقا عليها أن ترتكس في مستنقع الإرجاء والتجهم الآسن.
وليس المقصد من كتابة هذا الجزء بسط مسألة- حجية الموقوفات من الآثار- أو ما شابهها من المسائل. وانما هو جزء حديثي يختص بالبحث عن هذا الأثر من الناحية الإسنادية. وأما الرد على هذه المقولة التي لم يفهم هؤلاء القوم مراد قائلها- إن صحت- والتي طاروا بها كل مطار فله مقام آخر.
وستعلم إذا انجلى الغبار أفرس تحتك أم حمار
فالله تعالى أسأل أن أكون قد وفقت في بيان هذه المسألة والإحاطة بجوانبها "
ومؤلف الرسالة التى ينتقدها السودانى هو الحلبى وقد استهل رسالته بذكر طرق المرويات فقال :
"ذكر الطرق التي جمعها علي الحلبي في رسالته والكلام عليها .
الطريق الأولى والثانية :
قال ابن جرير الطبري: حدثنا هناد حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبى عن سفيان عن معمر بن راشد عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس في قوله تعالى: ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون. قال هي به كفر، وليس كفرا بالله وملائكته وكتبه ورسله .
قلت: هذا إسناد صحيح. والظاهر من هذه الطريق أن الكلام كله من قول ابن عباس. وقد اغتر بها الكثير لصحة الإسناد، وخفي عليهم الإدراج الذي بينته رواية عبد الرزاق الآتية:
قال الإمام عبد الرزاق: اخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال: سئل ابن عباس عن قوله (..فأولئك هم الكافرون) قال: هي به كفر.
قال ابن طاوس: وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله.
فثبت من هذه الرواية الصحيحة التصريح بأن قوله: وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله مدرجة من قول ابن طاوس لا من كلام ابن عباس كما قد يفهم من ظاهر رواية - سفيان عن معمر -
قال الحافظ الذهبي: المدرج هو ألفاظ تقع من بعض الرواة متصلة بالمتن لا يبين للسامع إلا أنها من صلب الحديث ويدل دليل علي أنها من لفظ راوي ، يأتي الحديث من بعض الطرق بعبارة تفصل هذا من هذا.
وما قرره الذهبي في هذه القاعدة واضح في أثرنا هذا وهو خير مثال لها. فطريق سفيان عن معمر توهم السامع أن الكلام كله لعبد الله بن عباس ولكن دل دليل آخر وهو طريق عبد الرزاق عن معمر أن هناك ألفاظ مدرجة وهي قوله قال ابن طاوس: وليس كمن كفر بالله وملائكته و... فجاءت هذه العبارة تفصل هذا من هذا .
أضف إلى ذلك أن عبد الرزاق أثبت وأتقن الناس في معمر، بل القول قوله عند الاختلاف.
قال يعقوب بن شيبة: (عبد الرزاق أثبت في معمر جيد الإتقان).
وقال ابن عسكر: سمعت أحمد بن حنبل يقول: (إذا اختلف أصحاب معمر فالحديث لعبد الرزاق)."
وانتقاد السودانى للحلبى بأن العبارة الأخيرة هى زيادة من طاووس وليس هى قول ابن عباس حسب الكتب صحيح
وتحدث عن أقوال أهل الحديث في الموضوع:
"فكان على علي الحلبي أن يتنبه لذلك فإنه واضح لا يخفى على طلبة هذا الفن. فإن صحة الخبر لا تتوقف على عدالة الرواة وضبطهم، إنما تعرف بجمع الطرق والروايات ثم النظر في العلل مثل الاختلاف في الوصل والقطع والرفع والوقف أو دخول حديث في حديث إلي غير ذلك.
يقول الحافظ العراقي: وتدرك العلة بتفرد الراوي ومخالفته غيره مع قرائن تنضم إلي ذلك يهتدي الجهبذ- أي الناقد- بذلك إلي اطلاعه على إرسال في الموصول أو وقف في المرفوع أو دخول حديث في حديث أو وهم واهم أو غير ذلك.
قال الإمام السخاوي- عن أسباب العلل: تدرك بعد جمع طرق الحديث والفحص عنها بالخلاف من راوي الحديث لغيره ممن هو أحفظ وأضبط وأكثر عددا عليه والتفرد بذلك وعدم المتابعة عليه مع قرائن قد يقصر التعبير عنها تضم لذلك يهتدي بمجموعها جهبذها أي الحاذق في النقل في النقد من أهل هذه الصناعة- لا كل محدث- إلى إطلاعه على : تصويب إرسال- يعني خفي- ونحوه لما قد وصل أو تصويب وقف مما كان يرفع أو تصويب فصل متن أو بعض متن دخل درجا في متن غيره وكذا بإدراج لفظة أو جملة ليست من الحديث فيه ...
فهذه هي طرائق المحدثين ومنهجهم وقواعدهم لمعرفة صحة الحديث وسقمه، ليس الاكتفاء بترجمة رجال الإسناد ومعرفة مراتبهم فإن هذا معرفته هينة لأن الثقاة والضعفاء قد دونوا في كثير من التصانيف وقد اشتهرت بشرح أحوالهم التواليف.
قال أبو مروان: فالأمر في هذا الأثر ليس كما قال علي الحلبي: (وقد وردت هذه الجملة من كلام ابن عباس نفسه في السند الآتي).
بل قد ثبت أن قول ابن عباس هو: هي به كفر أما باقي الألفاظ فهي من كلام عبد الله بن طاوس كما ثبت ذلك باتباع طرق أئمتنا ومحدثينا، وهذا لا يخفى على من له أدنى علم بهذا الفن. والله تعالى أعلم بالصواب."
وأما الطريقة الثالثة فهى:
"قال الحافظ ابن نصر: حدثنا محمد بن يحي حدثنا عبد الرزاق عن سفيان عن رجل عن طاوس عن ابن عباس في قوله ( .. فأولئك هم الكافرون ) قال : كفر لا ينقل عن الملة.
والإسناد ضعيف لإبهام الرجل .
أما قول علي الحلبي: (لكنه حسن في الشواهد) ليس بحسن منه لأنه حاد عن قواعد المحدثين في ذلك وكما قدمنا أن البحث لا يقتصر على تراجم الرجال ولكنه البحث عن العلل وهذا هو عمل أهل هذا الفن. فقد ورد هذا الأثر من رواية أخرى مخالفة لهذه الطريق:
قال ابن جرير الطبري حدثنا الحسن بن يحي قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا الثوري عن رجل عن طاوس في قوله تعالى (... فأولئك هم الكافرون) قال كفر لا ينقل عن الملة.
فجعلها من كلام طاوس لا من كلام ابن عباس؛ فكان على علي الحلبي أن يأتي بهذه الرواية في رسالته فإنه لم يشر إليها ثم عليه الترجيح فيما هو الثابت من هذا الاختلاف، مع أننا نعلم انه قد وقف على هذه الرواية لأنه ذكر في رسالته رواية قبلها ورواية بعدها من تفسير ابن جرير الطبري، فمن الأمانة العلمية أن يثبتها في رسالته لأنها ترد على قوله (لكنه حسن في الشواهد) أو نعتذر له بأنها خفيت عليه لاستعجاله في النشر."
إذا الطريقة الثالثة لم يذكرها الحلبى في رسالته وتحدث السودانى عن اختلاف الطرق فقال :
"قال أبو مروان: والاختلاف الحاصل في الطريقين إما أن يكون من عبد الرزاق رواه مرة من كلام ابن عباس ومرة من كلام طاوس وإما أن يكون من الذين سمعوا الأثر من عبد الرزاق على كل فكلا الإسنادين ضعيف لنفس العلة. ولعل الصواب ترجيح الطريق التي فيها أن الأثر من كلام طاوس لا من كلام ابن عباس، وقد ثبت ذلك مبينا بإسناد صحيح.
قال ابن جرير الطبري: حدثنا هناد قال ثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ثنا أبي عن سفيان عن سعيد المكي عن طاوس في قوله تعالى ( .. فأولئك هم الكافرون ) قال: ليس بكفر ينقل عن الملة .
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس