الموضوع: ساعة عمل
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 26-07-2006, 02:08 PM   #31
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

معالي الوزير علي

هل تحسن القول بأن قوة علاقات الدولة و مكانتها العالمية تعود لحكمة وحنكة فخامة رئيس الجمهورية ؟

هل تحسن القول بأن اقتصادنا ينمو باطراد و صعود ، وأن بلادنا من أقل بلاد العالم فقرا ؟

هل تحسن القول بأن بلادنا تشكل واحة أمن فريدة ، وأن أعين أجهزتنا الأمنية بالمرصاد لكل من تسول له نفسه العبث بأمن الوطن والمواطن ؟

إن كنت تحسن ذلك أو مثله ، وإذا كنت على قدر من التفاني في تقديم جواب ، عن أخبار أهلك و محيطك بما يرضي رجلا (مهما عند الدولة) من جواب ، و إن كنت ممن يتواجد في الاحتفالات التي يخطط لها مليا ، لتكون احتفالات ، وإن كنت ممن كان لهم ماض معارض ، فصرت تعلن توبتك بمناسبة و دون مناسبة ، وإن كنت ممن يرفع البرقيات على صفحات الجرائد ، وإن كنت صاحب أثر في محيطك أو توهم الآخرين بأنك كذلك .. فتوقع أن تكون أحد أعضاء وزارة في يوم ما .

في البلاد العربية ، لا تحل مشاكل الوزارات بوزراء قديرين ، بل تحل مشاكل الوزراء غير القديرين بوزارات .. وطبعا لن يكون اسم أحدهم وزير قبل توليه الوزارة ، بل كان رجلا ولكن ليس ككل الرجال !

تكاد أنظمة الحكم أن تكون بحكم المتأكدة أو المتيقنة ، بأن الوزراء الذين يتم اختيارهم ، سيكونون أكثر طاعة وهم داخل الحكومة منهم وهم خارجها ، وهو أسلوب قديم ظهر منذ عهد العباسيين في استرضاء الخصوم لاتقاء شرورهم . وقد اكتشف المستوزرون هذا الأسلوب ، فيكونوا نارا على الحكم وهم خارجه ، وبردا وسلاما على الحكم وهم في داخله ونارا على خصوم الحكم ..

يكفي أن يكتب أحدهم عدة مقالات ينتقد فيها الحكم ، ويضحي بجلسات للمسائلة من قبل أشخاص رفيعي المستوى من أجهزة الأمن ، ويكون يستند على قوة مضللة للحكم ، قد تلقى الحكومات فيها كتلة شعبية أو حزبية مقلقة ، فما أن يتم تعديل آراء المعارض العتيد ، حتى يستسهل حضور سهرات الصالونات السياسية ، وتصبح معظم مساهماته داخل تلك السهرات ، عبارة عن تندر بماضيه السياسي ، وقد يتعمد لذكر قصة أو أكثر في كل سهرة ، تبين إعجابه بفطنة الحاكم ومن حوله ، ويسردها بطريقة ذكية حتى لا يوصف بالابتذال ، ويكون هناك من يرقب هذا التحول النوعي عند تلك الشخصية ( المحيرة) .. ولا يطول الوقت حتى يعتبر من في الحكم أن تكليف هذا الشخص بحقيبة وزارية لا يخلو من حكمة مليئة بالمكاسب !

كان الناس ينظرون الى الأستاذ علي نظرة مليئة بالإعجاب و الحيرة في آن واحد ، وكان هو يتعمد أن يجعلهم في حيرة مستمرة ، فكان يوحي لهم بأنه على علم بأدق التفاصيل لدى الدولة ، ولكنه لا يسهب في ذكر أي منها ، بل ينتقل الى مواضيع عدة ، فيلاطف هذا و ينتقل بأسلوب رشيق الى ما قبل ثلاثين عاما مستشهدا بأحد كبار السن الجالسين ، فيضحك ذلك المسن للحظوة التي نالها ، ويبتسم أبناؤه فرحا بأن أباهم على صلة بالأستاذ ، ثم يتذكر أحد الجالسين أنه أهمل من قبل الأستاذ علي ، فيبادر بصوت قوي يدعوه للغداء هو ومن يحب في أقرب فرصة ، فيجد الأستاذ بهذا الاهتمام والتنوع ممن حوله ، ملاذا للإبقاء على غموض شخصيته ..

عندما تم إعلان التشكيل الوزاري ، وظهر اسم الأستاذ علي بين الأسماء ، هب محبوه بالتحرك الى العاصمة لتقديم التهاني و التبريكات ، ومع ذلك كان الأستاذ يحسس المهنئين بأنه قد فضل عليهم في استقبالهم ببيته ، وكان أهل بلدته يحسون بحرج شديد ، إذا دخل البيت رجال لم يشاهدوهم إلا في التلفزيون أو يسمعوا عنهم بالإذاعة و يقرءوا عنهم بالصحف .. فكانوا يهمون بالرحيل لتخفيف الحرج عنه ، لكنه كان يومئ لهم بالبقاء ، لقد كان ماكرا بما فيه الكفاية ، يريد أن يبلغ رجال الدولة بأنه رجل مؤثر جماهيريا ، ويريد أن يبلغ أهله أنه رجل مهم على صعيد الدولة ، وها هم رجالها يتقاطرون لمجاملته ..

لم تطل متعة الأستاذ علي كثيرا ، رغم أنه بقي في الوزارة عدة سنوات ، فلم يسمع أحد ببلدته أنه قدم خدمة لأحد منهم سوى حالتين ، فقد كان يغزوه في الشهور الأولى يوميا رجال ذو أهمية اجتماعية يطلبون تعيين أحد أو ترقية مدير أو إخراج أحد من ( الحبس ) .. ثم أغلق الأبواب أمام الزوار ، ولم يرد أن تهتز صورته أمام الحكومة بزهده في طلب الخصوصيات ..

كان المواطنون يتساءلون : كيف إذا أردنا أن نقابل مديرا عاما ، نقضي شهورا ولن نفلح ، وفي نفس الوقت ، كان من السهل أن يتجمع ثمانية وزراء أو أكثر على ( عزومة ) في قرية نائية ؟

قلت مشاركات الأستاذ علي في المناسبات الاجتماعية في بلدته ، واقتصرت على وقوفه القليل من الوقت في مآتم ذويه ، ولم يعد استخدامه لبعض المفردات الإنجليزية في حديثه ، أو رش نفسه بعطر كان يشتهر به سابقا .. لم يعد ذلك مؤثرا في نفوس المواطنين الذين تكونت لدى معظمهم قصص لا تترك أثرا للود بينهم و بين الأستاذ ..

عندما تم تغيير الوزارة ، ولم يكن هو ضمن التشكيل ، اكتشف أن تصنيفه بين الناس أصبح من الصعوبة بمكان ، فلا هو ممن اكتفى ماليا حتى يكون لكراهية الناس له ثمنا ما ، فاضطر لبيع بيته ، ولا هو ممن أبقى على علاقاته القديمة التي كانت توفر له بعض قرارة النفس !
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس