عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 16-02-2008, 02:13 PM   #2
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

[FRAME="11 70"]وهكذا تحققت وحدة الشهود بين السيمرغ والطيور التي بلغت الحضرة الإلهية.


ب ـ ملامح المعراج النبوي في منطق الطير

بعد أن استعرضنا قضية معراج الطيور في منظومته «منطق الطير»، يتضح لنا أن الشاعر الصوفي الكبير العطّار كان مطلعاً بالثقافة الإسلامية حيث استمد اسم المنظومة من القرآن الكريم من سورة النمل.

كما يبدو أيضاً أن العطّار قد أيقن جيداً المفهوم الحقيقي للمعراج النبوي وعده أرقى سمو روحي للنفس البشرية، وقد لمسنا هذا من خلال المعاني الصوفية التي برزت من خلال منظومته «منطق الطير» وذلك يبدو فيما يلي:

1 ـ استلهم الصوفية من عروج الرسول عليه السلام إلى السماوات السبع برفقة جبريل كمرشد له في الطريق، يجيبه عما يقابله في الطريق من غموض ومعضلات وهو ما تحدثنا عنه عند الحديث عن المعراج النبوي بأنه لابدّ لكل مريد أو سالك من مرشد، ليرشده في الطريق الصوفي، ويحل له معضلات الطريق.

2 ـ استلهم الصوفية من عروج الرسول الكريم السماوات السبع من الأدنى إلى الأعلى حتى بلوغه الى سدرة المنتهى بل وتجاوزه إلى الحضرة الإلهية، الطريق الصوفي الذي يقسم إلى مراحل من مقامات وأحوال ـ وهي التي عرفت عند العطّار بالوديان ـ لابدّ لكل سالك أن يسلكها كي تتطهر نفسه من العلائق الدنيوية حتى يحظى بوحدة الشهود فيفنى في اللّه‏ ويبقى به بعد فنائه.

3 ـ لعلّ وديان الطريق السبعة التي تحدّث عنها العطّار في منظومته وهي تمثل مقامات الطريق عند الصوفية رمزاً للسماوات السبع التي عرجها الرسول الكريم (ص) الذي اتسم بخلقه القويم، فلابدّ لكل سالك يريد المثول أمام الحضرة الإلهية أن يقطعها وقلبه يغمره العشق الإلهي حتى يتطهر من علائق النفس البشرية.

4 ـ كان المعراج النبوي بالروح والجسد، وقد تأثر العطّار بذلك عند وصفه لمعراج الطيور في منظومته، فعندما وصل الثلاثون طائراً إلى السيمرغ، جاءهم الخطاب من الحضرة قائلاً بلا لفظ إن صاحب الحضرة مرآة ساطعة كالشمس، فكل من يقبل عليه يرى نفسه فيها، ومن يقبل بالروح والجسد يرى الروح والجسد فيها.

5 ـ أكد يقين العطّار من خلال حديثه عن وحدة الشهود التي هي أمل كل سالك وهو الغناء باللّه‏ والاتحاد بذاته الإلهية، أن اللّه‏ لا يُرى، وذلك عند حديثه عن بلوغ الثلاثين طائراً الحضرة الإلهية، فلما نظروا إلى السيمرغ، كانوا يروا أنفسهم، فغلبتهم الدهشة والحيرة، حتى جاءهم الخطاب من الحضرة يبلغهم بأنه ليس لأى كائن تدركنا عينه مثلما لا تدرك عين النملة نور الثريا.

هذا وبعد العرض لمنظومة منطق الطير يتضح لنا مدى تأثر الصوفي الرمزي بالمعراج النبوي الشريف الحقيقي، فاتخذه رمزاً بغية الوصول إلى مقام الشهود.


ثالثاً : منظومة جاويد نامه (رسالة الخلود)

أ ـ التعريف بها :

صاحب هذه المنظومة الشعرية الرائعة هو الشاعر الإنساني الشهير والمفكر الإسلامي الكبير (محمد إقبال) (7) وقد نظمها في ألف وتسعمائة وتسعة وخمسين بيتاً من الشعر، وتعد منظومة رسالة الخلود أروع أعمال الشاعر محمد إقبال، بل وتعد كوميديا إلهية شرقية، حيث استطاع إقبال من خلالها أن يعبّر عن آرائه المختلفة المتعلقة بالمجتمع الإسلامي الذي يعيش فيه.

وهذه المنظومة عبارة عن عمل متكامل مستقل يتناول قصة معراج روحي عبر الأفلاك يتناول من خلاله الشاعر محمد إقبال ماهية حقيقة الخلود للنفس البشرية بابداع رائع اكسبها الخلود مثل إسمها.

وقد حظيت هذه المنظومة منذ أن نشرت بالفارسية عام 1932 م بمكانة عالية على مستوى الشرق والغرب.

فبدأ الغرب بالاهتمام بترجمتها إلى اللغات الأوروبية المختلفة منذ الخمسينات من القرن الماضي فترجمت إلى اللغات الإيطالية، والألمانية، والإنجليزية، والفرنسية.

كما ترجمت في الشرق أيضاً إلى عدة لغات شرقية مختلفة، فترجمت إلى السندية عام 1965 م، وإلى البشتونية عام 1967 م، وإلى الأُردية عام 1970 م.

وكان الدافع للشاعر محمد إقبال إلى نظم منظومته جاويد نامه هو أنه طاف بلدان العالم الإسلامي، ورآه قد سقط في براثن الاستعمار والشيوعية، وفتنه بريق الغرب، فأصبح أسير المادة ونسى خالقه، مما أدى إلى فقدان التآخي والتضامن بين أفراد المجتمع الإسلامي، فسيطر عليه الشعور بالغربة وسط مجتمعه والأسر في هذا الزمان، فتاقت نفسه إلى الدعوة من أجل إنقاذ الإسلام والمسلمين في هذا العالم الصاخب.

لذا قام بنظم منظومته الرائعة جاويد نامه ـ أي رسالة الخلود ـ وذلك من خلال قصة معراج للروح الإنسانية إلى اللّه‏ تعالى بعد أن اقتنع أن على المؤمن أن يرضى بالذات الإلهية دون هذا العالم، وأن يتخذ الرسول محمداً صلّى اللّه‏ عليه وسلّم قدوة، الذي غادر الكون وما وراؤه متجهاً إلى اللّه‏ عزّ وجلّ، وذلك ليتلقى من الحق تعالى تعاليمه، فيعود إلى الأرض وينظم حديثاً إلى شباب الأمة الإسلامية ممثلاً في ابنه جاويد ـ أي الخالد ـ حيث أن الشباب هو الذي يعقد عليه الأمل والمستقبل من أجل تصحيح مسار الأمة الإسلامية.

وكان ذلك نابعاً من إيمان إقبال العميق بأن الروح المسلمة وأمة الإسلام لابد لهما من الخلود رغم كل فساد العالم.

من هنا كان سبب تسمية الشاعر إقبال لمنظومته باسم رسالة الخلود.

وإذا استعرضنا موضوع قصة معراج رسالة الخلود، نجد أن الشاعر الكبير محمد إقبال قد استهل منظومته بدعاء اللّه‏ ينطوي على احساس عميق بالغربة في هذا العالم، فهو يفتقد الخلّ والصديق، مكبل بقيود الزمان والمكان، فيتضرع إلى اللّه‏ أن يحرره من أسرهما حتى ينطلق إليه قائلاً ما ترجمته: «وجهك إيماني أنا ـ قرآني أنا، فوجهك هو هدفي الأسمى ومطمحي الأعلى، فلا تبخل عليَّ يا ربّ بالتجلي، إنني ألفيت نفسي غريباً تحت السماء، فهيّا يا ربّ وقل لي: آني قريب».

ثم يواصل هدفه في الخلود فيقول ما ترجمته: «أنا فانٍ فاجعلني يا إلهي خالداً، حررني من هذا التراب واجعلني سماوياً».

فإذا بروح الشاعر الصوفي الكبير جلال الدين الرومي تخترق الحجب وتقبل إليه، ويدور حوار بينهما حول معنى المعراج، فيصفه الرومي بأن ثورة في الشعور، ويقول أن المؤمن لا يقنع بهذا العالم الذي تتجلى فيه صفات الرحمن ولا يرضى ـ كالمصطفى (ص) ـ إلاّ بالذات الإلهية نفسها، فلقد ترك الرسول (ص) الكون كلّه وما وراء الكون واتجه إلى اللّه‏ وحده.

فتتوق نفس إقبال إلى العروج بعد هذا الحديث، حينئذ تظهر روح الزمان والمكان في صورة ملك، ينظر إلى إقبال نظرة تجعل جسمه خفاقاً، لينطلق في رحلة معراجية بصحبة الشاعر الصوفي جلال الدين الرومي مرشداً له ليجوبا بعض الأفلاك.

وكان أول فلك هبط عليه إقبال وبصحبته الرومي القمر، فشاهد جبال القمر، ثم مضى به الرومي إلى غار في بطن جبل من الجبال، فالتقيا بعارف هندي، ودار حوار بينهم عن صلة العبد بربّه وبعالمه، ثم انتقلا إلى وادٍ من أودية القمر يطلق عليه الملائكة اسم (وادي الطواسين) كان يوجد به أربع صخرات كبيرات كتبت على كل واحدة منها الملامح الرئيسية للجانب الأخلاقي تعاليم بوذا وزردشت والمسيح ومحمد (ص).

وقد صور في طاسين محمد عليه الصلاة والسلام على لسان أبي جهل ـ ألد أعداء الرسول عليه الصلاة والسلام ـ من ثنايا شكواه من النبي (ص) بسبب قضائه على الجاهلية، الدور الذي لعبته الرسالة المحمدية في تطور التاريخ البشري.

ثم انتقالا إلى الفلك الثاني وهو عطارد فالتقيا بالمصلحين السيد جمال الدين الأسدآبادي المشهور بالأفغاني ورفيقه في هذا الفلك سعيد حليم باشا السياسي التركي فسأل السيد جمال الدين إقبال عن أحوال العالم الإسلامي، فاشتكى له إقبال سوء أحوال المسلمين وضعفهم بسبب ما لحق بهم وبالعالم من جراء الاستعمار والشيوعية.

كما اشتكى إقبال عدم دراية المسلمين بالعالم القرآني، فشرح له السيد جمال الدين محكمات العالم القرآني التي يقوم عليها العالم، ثم أخذ يشكو بعد ذلك حالة الموت التي ألمت بالعالم الإسلامي وتطهيرها من علائق الدنيا، أما في منظومة جاويد نامه فكان هدف المعراج هو توثيق الدعوة الاصلاحية الإسلامية وإكسابها قوة وعمق تأثير في نفس متلقيها.

وفي ختام بحثنا نوجز القول بأن معجزة المعراج النبوي الكبرى قد ألهبت أخيلة الشاعرين الكبيرين العطّار وإقبال فنجحا من خلال إبداع أدبي متميز في توظيف المعراج بما يخدم هدفين رائعين من روائع الشعر الفارسي، الهدف الأول صوفي في منظومة منطق الطير والآخر اصلاحي في منظومة جاويد نامه.

ومما لا شك فيه أن هاتين المنظومتين تؤكد حقيقة أكيدة وهي أن الصلات اللغوية والأدبية بين العربية والفارسية تغوص بجذورها إلى ما قبل الإسلام، وقد قويت دعائمها وتوثّقت بعد الإسلام، وقد تجسدت هذه الدعائم في مدى تأثر هاتين الرائعتين الفارسيتين بالمعراج النبوي صاحب المعجزة الإلهية الكبرى.

والسلام عليكم ورحمة اللّه‏ وبركاته.


أهم المصادر والمراجع

أولاً: المصادر والمراجع العربية :


ابن عربي:

1 ـ رؤية اللّه‏القاهرة


أ.د. بديع جمعة :

2 ـ دراسات في الأدب المقارن (الطبعة الثانية) بيروت 1980

3 ـ من روائع الأدب الفارسي (الطبعة الثانية) بيروت 1980

4 ـ منطق الطير القاهرة


متولي الشعراوي:

5 ـ معجزة القرآن (الجزء الثاني) القاهرة

6 ـ المعجزة الكبرى القاهرة


أ.د. محمد السعيد جمال الدين :

7 ـ الأدب المقارن القاهرة

8 ـ رسالة الخلود القاهرة 1974


أ.د. ملكة على التركي:

9 ـ مدخل إلى الأدب الصوفي الفارسي القاهرة 1998


ثانياً : المصادر والمراجع الفارسية :


فريد الدين العطّار:

10 ـ منطق الطير تهران

11 ـ جاويد نامهطبع 1945 م


الهوامش





--------------------------------------------------------------------------------

1. دانتي الياري = Dant Alighieri (1265 ـ 1321 م)، أعظم شعراء إيطاليا ومن رجالات الأدب العالمي، خلد اسمه بملحمته الشعرية «الكوميديا الإلهيّة».

2. هو دابّة بيضاء فوق الحمار ودون البغل.

3. سورة الإسراء، الآية 1.

4. سورة النجم، الآية 18.

5. فريد العطّار: أحد مشاهير الصوفيّة العظام، ولد سنة 545 ه بمدينة نيسابور وعاش بها وتوفي بمسقط رأسه وقبره فيها. ألمّ بأنواع العلوم والمعارف السائدة في عصره وترك العطّار أعمالاً كثيرة في مقدمتها رائعة أعماله «منطق الطير»، وأهمّها تذكرة الأولياء، بندنامه، اسرارنامه، خسرونامه، الهى‏نامه، مصيبت‏نامه.

6. السيمرغ: كلمة فارسيّة مركبة من «سي» أي الثلاثين، و «مرغ» بمعنى الطائر، أي بمعنى الثلاثين طائراً، ويطلق هذا اللفظ على العنقاء، وهو طائر خُرافي كان ذا مكانة في إيران قبل الإسلام.

7. ولد محمد إقبال بالهند سنة 1877 م، وتربّى منذ صغره تربية إسلاميّة، وقد حصل على ليسانس الآداب من كلّية الحكومة في لاهور، وعمل معيداً في نفس الكلّية ونال درجة الماجستير في الفلسفة منها أيضاً، ثم سافر إلى لندن حيث درس هناك ثلاث سنوات، ثم رحل إلى ألمانيا ونال درجة الدكتورا سنة 1970 م. وبعد ذلك عاد إلى وطنه حيث شرع دعوته الإسلامية. وله دواوين شعرية بالفارسية والأورديّة
[/FRAME]
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس