عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 30-07-2009, 03:18 AM   #1
د. تيسير الناشف
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2009
المشاركات: 32
إفتراضي استعمال النهج التحليلي في فهم مشاكل الواقع العربي

استعمال النهج التحليلي في فهم مشاكل الواقع العربي


د. تيسير الناشف


يعاني العرب - شأنهم شأن الشعوب الأخرى في العالم النامي والعالم المتقدم النمو - من مشاكل كثيرة عويصة على شتى الصعد، وهي مشاكل تشكل حقا مأزقا عربيا. ومن أعراض وأسباب هذا المأزق في آن واحد تزايد التدهور الاجتماعي والاقتصادي القيمي والتبعية العربية الإقتصادية والمالية والصناعية للغرب والعجز عن المواجهة الفعالة لمشاريع السيطرة الأجنبية والضعف الذي يعتور حركات التوحيد القومي العربي والتحرر الوطني العربي وانتهاك حقوق الإنسان العربي وضعف شرعية عدد من الأنظمة السياسية وغيرها من الأعراض والأسباب. وفي هذا المقال سنتناول تناولا موجزا عددا قليلا من الظواهر السلبية في حياتنا.

الخلط بين الحقائق والإفتراضات

من العيوب القائمة في الفكر البشري أنه يوجد أحيانا غير قليلة قدر كبير من الخلط بين الحقائق والإفتراضات. ويتجلى هذا الخلط في العلاقات بين الناس وفي الكلام والمواد المكتوبة. ويضعف هذا الخلط نسيج العلاقات الإجتماعية بجوانبها السياسية والإقتصادية والنفسية لأن هذا الخلط يحول دون إتاحة إمكانية التنبؤ من جانب شخص باتجاه تفكير وسلوك الأشخاص في المجتمع. وانعدام إمكانية التنبؤ هذا يؤدي إلى التنافر الفكري والسلوكي والعاطفي وإلى إيجاد صعوبة أكبر - ونقول صعوبة أكبر بالنظر إلى وجود الصعوبة دون وجود هذا العامل - في الاتصال الفكري بين أفراد المجتمع.

عدم الإتساق الفكري

ومما تسهم في إيجاد الإختلاف الفكري عند أفراد المجتمع الصعوبة البالغة في المحافظة على الإتساق بين التجريد الفكري وتفصيلاته. لنأخذ على سبيل المثال الديمقراطية. هذا مفهوم مجرد. يقل الناس الذين يخالفون الرأي في استصواب الأخذ بالنظام الديمقراطي. ولكن ينشأ الإختلاف بين عدد أكبر من الناس عند الهبوط بالمفهوم من مستواه التجريدي إلى مستواه الأخفض أو المفصل أو الجزئي. من الأسهل على الناس أن يتفقوا على الفكرة المجردة التي تندرج الجزيئات والتفاصيل فيها. وذلك لأنه كلما قل تجريد مفهوم من المفاهيم أو كلما ازداد المفهوم تفصيلا وتجزيئا كبر حجم العنصر المقصود الذي يفهم به الفرد ذلك المفهوم. وزيادة حجم ذلك العنصر المقصود هي مكمن الإختلاف بالنظر إلى أن عملية تفصيل المفهوم التي يقوم بها الناس الذين يختلفون بعضهم عن بعض طبعا تنطوي على أن كل فرد يرى أن للمفهوم مقصدا يختلف عن المقاصد التي يراها الآخرون لذلك المفهوم. وذلك يعني أن الانتقال أو التغيير الفكري يحدث باختلاف المقاصد التي يراها الناس في المفهوم المجرد. لقد تكررت مفاهيم مجردة كثيرة عبر القرون الكثيرة مثل العدالة والمساواة والإنصاف والفضيلة والعفة، غير أن تحديد هذه المفاهيم جاء متمثلا في أن رأى الناس المختلفون فيها مقاصد مختلفة.

الخلط بين الهدف والوسيلة

من الحقائق غير السليمة في الحياة الفكرية والعملية للبشر الخلط بين الهدف والوسيلة في الحياة. وفي حالات غير قليلة تتخذ الوسيلة قيمة الهدف. ومن الجلي أن هذا الخلط وأن تنزيل الوسيلة منزلة الهدف يمسان بمصلحة المجتمع لأنه إذا كان الهدف خدمة المجتمع فإن من الضروري والطبيعي أن تطوع الوسيلة لتحقيق هذا الهدف لأن هذه - بحكم تعريفها - وظيفتها. فاذا أمست أهمية الوسيلة مثل أهمية الهدف تغيرت طبيعتها ولم تعد تؤدي وظيفتها الأصلية.

الإنفصام في الشخصية

يقوم أيضا الإنفصام في تفكير وسلوك عدد لا يستهان به من البشر في كل أجزاء العالم. ويتمثل هذا الإنفصام في أن الشخص يغرق تفكيره وسلوكه في أحيان وحالات كثيرة في النزعة الفردية في أهدافه وطرق تحديدها بدون المراعاة أو دون المراعاة الكافية لأهداف ومصالح الآخرين. وفي أحيان وحالات اخرى كثيرة يجعل الشخص من الآخرين المسيرين له في حياته الإجتماعية والإقتصادية والسياسية، فتراه يتبع الآخرين، أينما تحركوا تحرك هو بدون أن يتأمل بما فيه الكفاية، والسلوك وفقا لهذا التأمل بغض النظر عن تفكير الآخرين وسلوكهم. هنا نرى نقيضين: طغيان الفردية وتضخمها من ناحية وانعدام الفردية من ناحية أخرى.

الكثرة والجودة

وتنتشر في صفوف كثيرين من الناس فكرة أن الكثرة طيبة، بدون إيلاء الإهتمام الكافي للجودة. قد تكون الكثرة أو الكمية طيبة شريطة ضمان الجودة لتلك الكمية. كثرة أفراد العائلة والمجتمع بدون إيلاء الإهتمام لنوعية معيشتهم وبدون تحقيق النوعية العالية لمعيشة الفرد وشخصيته وأفكاره ونظرته، والنوعية العالية لعلمه، ليست ضامنة للتقدم. ومن المعروف اأ الشعوب تتفوق بعضها على بعض، في هذه الأيام على وجه الخصوص التي حققت فيها التكنولوجيا المتطورة، بنوعية مدارك أفرادها.

الأخذ بمنبع فكري واحد

إن مفهوم وجوب الأخذ بمنبع فكري واحد أو مفهوم وجوب الإرتكاز على منبع فكري واحد في النظرة إلى الحياة وفي كيفية تصريف الشؤون الحياتية مفهوم قمعي لأنه يزيل إمكانية نشوء منابع فكرية أخرى. هذا المفهوم يتفق مع إرادة السلطة الفوقية المستبدة القائمة - على تفاوت - في كثير من الدول، حتى الدول في الغرب والشرق التي تتشدق إما كذبا أو غباء أو كليهما بأنها مرتع الديمقراطية. لهذا المفهوم والسلطة سمات مشتركة من أهمها عدم إتاحة إمكانية نشوء منابع فكرية أخرى أو الثني عن التشجيع على هذه الإتاحة أو محاربة المنابع الفكرية الأخرى في حالة نشوئها. وإحدى نتائج الإقتصار على منبع فكري واحد في النظرة إلى الحياة وفي كيفية تصريف الشؤون الحياتية هي إفقاد أفراد المجتمع إمكانية تحقيق الوعي الذاتي والوعي الإجتماعي اللازمين للمضي قدما صوب اعتماد الطرق الفكرية والعقلانية السليمة لتحسين ظروف الحياة المختلفة ولتحقيق ولإثراء القيم الفردية والجماعية والوطنية والقومية والإنسانية الطيبة التي نعتز بها.

الكلمة والعمل

وينتشر - على تفاوت - بين الناس في جميع أصقاع العالم إنفصال تختلف حدته من مكان إلى آخر بين الكلمة والعمل أو عدم التوافق أو التوازي الكامل بين الكلمة والعمل. أحيانا القول في واد والعمل في واد آخر. لا يسري في الحياة الفعلية العملية إلا قدر محدود مما يقول الأناس به ويقولون إنهم يعونه ويلتزمون به. الأفكار التي يقول القائلون إنهم يلتزمون أو ياخذون بها أو يعتقدونها لا تتجلى أحيانا في أفعالهم.
ويتوقف مدى الإنفصال هذا على عوامل من أهمها طبيعة الظروف الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والنفسية التي يعيشها الأفراد والجماعات البشرية وأيضا على نوع التربية التي يربى الناس بها. في سياقات منها السياق العربي هذه الصفة - صفة عدم الإقتران الكافي للكلمة بالعمل - نتيجة عن عوامل منها الفقر المدقع والاستبداد السياسي الداخلي والسيطرة الأجنبية القامعة والمستغلة والباطشة والنظام الإقطاعي الذي كان ولا يزال قائما في أجزاء من الوطن العربي والذي كانت الدول الأجنبية تحابيه وتسانده خدمة لأغراضها ومطامعها الإستراتيجية والإقتصادية.
ومن الصحيح القول إن هذه الصفة المقيتة التي ابتلينا بها ستبقى قائمة ما دام الاستبداد الحكومي قائما والفقر مستفحلا والبطالة عن العمل مستشرية والسيطرة الأجنبية تحكم قبضتها على حياتنا وشؤوننا ومقدراتنا والحرية الفردية والجماعية مفقودة والفكر الحر خائفا وقلم المفكر الحر الإبداعي مرتجفا رهبة من غائلة السلطة والفكر الخاطئ.
وقد تمكن إزالة هذه الصفة - صفة التباعد بين الكلمة والعمل بها - باللجوء إلى طرق من أهمها تطبيق نظام تعليمي تهدف مضامينه إلى إزالة هذه الصفة وإحلال صفة أخرى محلها. غير أن من الصعب تحقيق هذا الهدف ما دامت تلك العوامل قائمة، فهذه العوامل تثني المرء عن قرن الكلمة التي يؤمن بمضامينها بالعمل على تحقيق مضامين هذه الكلمة.

المثقف العربي

ولدى المثقفين العرب - شأنهم شأن المثقفين في العالم قاطبة - مستويات مختلفة من فهم خصائص الحقائق والوقائع السياسية والإقتصادية والتاريخية ومن إدراك تعقد الظواهر السياسية والإقتصادية والتاريخية والنفسية. أحيانا لا يبلغ المثقف المحلل لمسألة من المسائل بالاستنتاج المنطقي الرشيد الذي يتوصل هو إليه إلى مداه الكامل الذي ينبغي أن يوصله إليه تحليله المتسم بالقدر الممكن من الموضوعية. في هذه الأحيان ياتي الاستنتاج ناقصا لأسباب منها التشكيلة القيمية السياسية والإقتصادية والنفسية والتاريخية التي تحدد للمحلل خفية وعلانية الحد الذي يتوقف عنده استنتاجه فيما يتعلق بالمسألة قيد التحليل. وهناك أسباب أخرى لذلك التحديد منها القيود والمصالح السياسية والإقتصادية والإجتماعية والخوف من التبيان التام لنتائج التحليل للمسألة قيد الدرس.
وتكثر الأمثلة في المجتمعات على عدم بلوغ المحلل باستنتاجه إلى مداه الأتم. ولنأخذ مثالا على ذلك السيطرة الأجنبية. لدى الشعوب رغبة في إزالة السيطرة الأجنبية عن بلادها. هذه السيطرة تتعزز بالتقاء مصالح أصحاب هذه السيطرة بمصالح الذين يتولون السلطة. هؤلاء المتولون للسلطة تستند سلطتهم جزئيا إلى امتلاكهم لأراض واسعة. وامتلاك ذوي السلطة لأراض شاسعة يزيل أو يضيق فرص النهوض الإجتماعي والإقتصادي لأفراد الشعب. هذا التضييق يسهم إسهاما كبيرا في الاستقطاب الاجتماعي. على هذا النحو التحليلي يمكننا أن نضيف مزيدا من الحلقات إلى هذا المسلسل المنطقي. ومن قبيل الإستنتاج الناقص، الإستنتاج الذي لم يبلغ مداه الكامل، الإكتفاء، في سياق التحليل الإجتماعي الهادف إلى تحري العوامل في العملية الإجتماعية الديناميكية، بإيراد قسم من الحلقات في المسلسل.
ولدى قسم من المثقفين دعوة إلى التغيير الإجتماعي والإقتصادي والسياسي والبنيوي. غير أن عدم بلوغ الدارس المحلل بالإستنتاج إلى مداه الكامل يحد من قوة الدعوة هذه، لأن التغيير قد يحتاج أساسا فكريا لم يتناوله الاستنتاج الذي توقف به المستنتج عند حد معين ناقص. وعدم بلوغ الاستنتاج الكامل يوجد اختلالا داخل المحلل المستنتج بين هذه الصفة - صفة عدم بلوغ الاستنتاج إلى مداه الكامل - وهذه الدعوة، مما يعرقل الأخذ بالإجراءات العملية اللازمة لتحقيق التغيير الذي ينادي به المنادون من المثقفين وغيرهم.
د. تيسير الناشف غير متصل   الرد مع إقتباس