عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 17-03-2024, 07:37 AM   #3
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 5,992
إفتراضي

نعم ... إنّه مكر الليل والنهار، والتخطيط الدؤوب بترتيب الخطوات - خطوات الشيطان - ليتمّ الانزلاق، {فلا تلوموني ولوموا أنفسكم}: إذاً كان ممّا صرخوا في وجهه أنّهم لاموه على ما زيّن لهم، ولكنّه يردّ لومهم.
لكن السؤال الذي يوجّه له: لماذا لا يلوموه؟ أليس هو الذي دعاهم، وقد اعترف بذلك؟! أم أنّه يعتبر أنّ هذه ليست بالجريمة التي تستحقّ العقاب ولا حتّى اللوم، نعم ... ليس لهم عذر عند الله بأنّهم اتّبعوا الشيطان وصدّقوا وعوده، بل سيعاقبون على كلّ ما فعلوا واقترفوا وبيّتوا، لكن أصحيح أنّه لا لوم على الشيطان؟ إنّها نصف الحقيقة، وكما أنّها الكلمة البريئة: دعوتكم فاستجبتم، وهي اعتراف بالحق مع المجاهدة القصوى لإمرارها سريعاً دون تفصيل يؤدّي إلى إثبات الجرم،"
وتحدث الشيطان عن كون كل إنسان مسئول عن عمله ومن ثم لا يجب مطالبته بشىء فقال :
"فكذلك هنا: {فلا تلوموني ولوموا أنفسكم} إنّها نصف الحقيقة تتكرّر، لكن كما قال الله عن الأسياد والأتباع: {لكلٍّ ضعفٌ} أي من العذاب، وذلك بعد قولهم: {ربّنا هؤلاء أضلّونا فآتِهم عذاباً ضعفاً من النار قال: لكلٍّ ضعفٌ ولكن لا تعلمون}."
وتحدث عن كونه لا يقدر على انقاذهم من النار كما لا يقدرون هم على انقاذه من النار لأن القوة لله جميعا فقال :
"{ما أن بمصرخكم وما أنتم بمصرِخِيّ} وهكذا تدرّج في حديثه حتّى وصل إلى هذه الحقيقة، لن أستطيع إنقاذكم ولا نجدتكم، كما أنّكم لا تستطيعون إنقاذي ولا نجدتي، والعرب تقول للنجدة والمغيث والمعين: الصارخ، والصراخ هو الصياح، لأن طلب الغوث وكذا المغيث لا يخلو منه غالباً قال أميّة بن أبي الصلت:
ولا تجزعوا إنّي لكم غير مصرخ وليس لكم عندي غناءٌ ولا نصر
أي؛ لست لكم بمغيث.وهكذا لم يجدوا عنده إلا السراب الخادع، والأماني الكاذبة، والوعود الباطلة، وقوله سبحانه وتعالى على لسان الشيطان {ما أنا بمصرخكم} دليل على أنّ حديث أهل النار هو الصراخ - وهم يصطرخون فيها - ولا شكّ أنّ حالهم يدعوا لذلك، نعوذ بالله من عذابه وناره والمرء لا يقدّم إلا ما يقدر عليه، وههنا لا يقدر الشيطان على إنقاذ نفسه، فكيف يقدر على إنقاذ غيره؟! ثمّ متى استطاع الشيطان أن يقدّم لعباده وأتباعه شيئاً؟! ومتى صدق في وعد قطعه على نفسه لهم؟ ألا ما أشقى من يتّبع الشيطان ويثق به ويصدّق وعوده."
ثم أعلن كفره بطاعتهم له فقال :
" {إنّي كفرت بما أشركتموني من قبل} ...
وها هو يردّ عبادتهم له في وجوههم، ويرميها خلقة بالية، فقد كفر بعبادتهم، وتبرّأ من إشراكهم إياه مع الله تعالى، فقد كفر بشركهم، وهو اعتراف منه أنّ تألّهه على أتباعه هو تألّه باطل، وأنّ عبادتهم إيّاه عبادة باطلة، وأنّ كل طاعة قدّموها له رجاءَ خيرٍ منه أو جزاء ذهبت سراباً ولم تك شيئاً وهكذا تبيَّن للأتباع من عباده الذين نراهم يملؤون السهل والواد، ويأخذون عنه شريعتهم، ويدمّرون فطرتهم بالانقياد له، ويعرضون عن أمر ربّهم وشريعته، وسنّة النبيّ صلى الله عليه وسلم وهديه، تبيّن لهم؛ أنّ وعوده كاذبة، وأنّ نهاية العلاقة بينهما هي التبريّ والقطيعة، وأنّه لن ينصرهم في أيّ مقام من مقاماتهم التي يحتاجون فيها إلى النصرة والتأييد."
وبين أبو قتادة أن الله هو من صدق وعده للمؤمنين حيث أطاعوه مستجيبين لأحكامه فقال :
"والله قوله الحقّ، ووعده الحقّ، وما أخبرنا بهذا إلا رحمة بنا، وإخباراً لما سيقع يقيناً من أجل الاتّعاظ قبل فوات الوقت، فيومها: إنّ الظالمين لهم عذاب أليم، فليعجّل الناس بوصل حبالهم مع الله تعالى، وليقطعوا حبالهم مع الشيطان وجنده، وليسمعوا قوله سبحانه {ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألاّ تعبدوا الشيطان إنّه لكم عدوٌّ مبين * وأن اعبدوني هذا صراطٌ مستقيم}.
أمّا المؤمنون فقد قال الله تعالى عقب ذلك: {وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها بإذن ربّهم تحيّتهم فيها سلام}.
وهي كلمات فيها كلّ الجواب على من سأل: فماذا فعل الله بعبيده، وبأتباع الأنبياء، نعم هذه خطبة إبليس في عبيده وأتباعه، وأما قول الله لعبيده وأحبابه في الجنان يقول لهم: اليوم أُحلّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبداً، ثمّ يتجلّى لهم فيرونه وهم جلوس على منابر النور واللؤلؤ والذهب وكثبان المسك"
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس