عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 08-01-2008, 10:43 PM   #9
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

[FRAME="13 70"] الكتابة الصوفية واحتجاب المعنى

قراءة نقدية في ديوان مجمع الأهواء للشاعر أحمد العمراوي

بقلم الأستاذ علي أيت أوشان

" أما العالم في نفسه فليس إلا خيالا وحلما يجب تأويله لفهم حقيقته "

ابن عربي، فصوص الحكم , ص 27

الشعر والمعنى

في الشعر سر لا يدركه إلا الشعراء لذ اعتبر الصوفية الشاعر مصنوعا على عين الله.....جسمه في الأرض وقلبه في السماء يتسقط أخبار العالم العلوي الذي يمده بوضمات إلهية بها يكون شعره نارا تهجم على الأفئدة بغير حجاب .

والشاعر مؤتلف مع ذاته، بعيد عن تعقيدات الحياة .." وفطرة ...وجوهرة قبل الصياغة ..وهو طفل كبير، أمه الحقيقية, وكعبته آمل خضر يشده إليها حنين روحاني غامض .. وهو مكبل بتناقضات المادة والروح ..همه التعبير عما يحس به، وغايته إرضاء نزعة النفس فيه ..وهو معيار الحقيقة، ونجم يضيء ويهدي السائرين إلى الاتجاه الصحيح، والصراط الذي مده الله لعباده الذين اصطفى

وما علم الشعر الذي يدعون إليه إلا صفات لن تنال من الشعر إلا ما يظهره، أما سره فلن يستجيب للعلم لأنه لا يستقر على حال، وبذلك فإن العلوم تنتهي عند عتبة الشعر لأنها علوم لا تدرك أن الشعر مجالسة، وذكر وتذكر،حيث الجليس لا يستأذن ولا يستجير وإنما يرى كيف يعيد الشاعر تشكيل الكلمات والأشياء : نارا ونورا، هما ووهما، ائتلافا واختلافا .فمن دخل حضرة الشعر بالعلم عاد من حيث أتى، ومن قصده للمجالسة خرج الشعر إليه وأدخله حضرته التي يمحي فيها العلم ويحترق العلماء بنار الشعر، وهي نار محرقة ولكنها في الوقت نفسه نور، يقول هيدجر :" إن الإنارة لا تقتصر على إضاءة الكائن، وإنما هي قبل ذلك تجمعه وتؤمنه في الكينونة ...إن الآلهة والبشر لا يستضيئون فحسب بنور معين ..إن النور يغمر ماهيتهم لأنهم مستنيرون أي مجموعون في حدث الإنارة . ولهذا السبب فهم لا يحجبون أبدا بل يكشفون " وبذلك فإن في الشعر سرا لا تراه ولو كان هذا السر مكشوفا ما طلب الشعر إلى الآن وما كان له عباد يستعظمونه

بهذا الفهم للشعر تندرج تجربة الشاعر المغربي أحمد العمراوي في ديوانه " مجمع الأهواء " خاصة في النصوص الشعرية الآتية : شطحة - ريح الضوء - مجمع الأهواء - أنا الآخر....وغيرها من النصوص؟ وهي نصوص تمتح في جزء كبير منها من المتخيل الصوفي الإسلامي خاصة عند ابن عربي والنفري والبوني وجلال الدين الرومي والقشيري وغيرهم جاعلا بذلك من الشعر مقام إشارة حيث لا يدرك المعنى إلا بالتماهي والمجاهدة والمكاشفة والمحو والتقلب، فهو لا يأتيك وإنما ترحل إليه، وعندما أقول إنه يمتح من التجربة الصوفية فهذا لا يعني أنه يشحن النصوص الشعرية بالمعتقدات الدينية بل إننا ننظر إلى هذه التجربة على مستوى الكتابة الشعرية بوصفها تعكس رؤية غنية وتولد أسئلة تكشف عن العالم الخفي للإنسان واللغة والوجود دون أن تتقيد بمعايير محددة أو تخضع لنظرية جمالية ما .

ونسعى من خلال هذه المقاربة النقدية إلى الوقوف على الحضور الصوفي في العديد من نصوص ديوان "مجمع الأهواء " ليس بمعناه الديني التقليدي، وإنما باعتباره تجربة جمالية في الكتابة تسعى إليه توسيع حدود الشعر دون أن تقيده لأن هذه النصوص تجليات تتعذر الإحاطة بها واستنفاذها لذا فما نقدمه من قراءة نعتبره إضاءة نحاول من خلالها الإنصات إلي هذه النصوص عبر البحث والكشف والسفر في الحب والرؤيا الشطح والمعمار النصي

الحب والمكان

في الحب لذة لا لذة قبلها ولا بعدها لذلك اقترن الحب بالقلب لأنه يتقلب مع أحوال المحبيين ولا يسمى الحب حبا إلا إذا أسكر صاحبه عن كل شيء إلا عن محبوبه، والمحبة كما يقول ابن عربي مقامها شريف، وهي أصل الوجود،(3) وترتبط بالقبول والرضى ورفع الكلفة، قال ابن عربي ( ترجمان الأشواق وذخائره الأعلاق)

أدين بدبن الحب أنى توجهت ركائبه فالدين ديني وإيماني.

والمحبة عند العلماء بها والمتكلمين فيها من الأمور التي لا تحد، فيعرفها من قامت به ومن كانت صفته، ولا يعرف ما هي، ولا يفكر وجودها، ومن حد الحب ما عرفه، ومن لم يذقه شربا ما عرفه، ومن قال رويت منه ما عرفه، والحب درجات ومراتب : إلهي وروحاني وطبيعي، ولمقام المحبة أربعة ألقاب : الهوى والحب والود والعشق. وقد ارتبط ديوان الشاعر أحمد العمراوي بالأهواء بدءا بعنوان الديوان : " مجمع الأهواء " حيث يحيل لفظ المجمع على المكان والملتقى أي مكان التقاء الأهواء والجمع بينهما حتى لا تتفرق وفي ذلك رغبة للقبض على هذا المقام خاصة وأنه مقام عظيم فهو يشكل أول خطوة للوصول إلى اليقين أي حضرة الجمال المطلق ومنه مجمع البحرين، أي ملتقاهما في قوله تعالى " إذ قال موسى لفتاة لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين " أي ملتقاهما، ويكون المجمع اسما للناس وللموضع الذي يجتمعون فيه ( 4) وقد ربطه الشاعر بالأهواء أي بالميل والعشق والقلب جاعلا منه مأوى الجمع وفي ذلك دعوة إلى المجاهدة والمكاشفة وإشارة إلى ما يقذف في القلب من حب وعشق ومعرفة ( 5 ) ، فإذا أحب العبد جعل قلبه لا عقله مجمع أهواء، فيكون بذلك جامعا لأول مرتبة من مراتب الحب (الهوى ) حيث لا تتفرق أهواؤه، وإنما يجمعها لتصبح معبرة عن حاله، فالهوى هو سقوط الحب في المحب، ويختلف الناس في هذا المقام بحسب تباين أحوالهم ودرجة هواهم، فقد رأى بعضهم مجنون بني عامر في هذا المقام، فقال ما فعل الله تعالى بك ؟ فقال : غفر لي وجعلني حجة المحبين .

ويستهل الشاعر أحمد العمراوي نص « مجمع الأهواء» (ص 52 - 58 ) ببيتين شعريين للشاعر محمد الكتاني :

تفردت بي عيني بمهمه مهمه فما تم غيري ظاهـر في أنيتي

أنا كل كل الكل طلسم طلسم بذاتي خلت ذاتي بكاسات خمرتي

وكأن هذا النص يهيئنا لدخول مغامرة القراءة والتأويل من باب التخيل والحب والسكر : فالقلب سراديب / والجسد يحترق / والغموض يلف / والتاريخ الشخصي يلغى / والظل يتناسل / والطريق أعوزها السير....

ولا يجد إلا التساؤل: ( ص 54 )

هل افتراش الأرض بحدآت تتصايح

أم أترك الريح تهد أشلاء العالم ؟

هل أرتمي حجرا مدرعا بد موع أم أرفع شهقة العراف ؟

والركون إلى الظل، وهو: ظل يتناسل ويأخذ شكل النبوة والحب يقول الشاعر : (ص55)

ظل يتناسل في ظلال

يأخذ شكل النبوة والحب

أواه حبي

دخولي تناثر على موج مقوس

طريقي أعوزها السير

كما أنه ظل يتداخل مع الحرية والجسد والمكان (ص56)

ظل يأخذ شكل الحرية،

جسد كنود أحرقه اشتهاؤه.

هل بالإذلال يحب الحب ؟

ظل سانح يهئ المراكب

يقد مها قربانا للسان الدين

فاس ،

ظل يبتعد عن موضوعه

ولود تطل من نافدتها على الله

إنه سقوط في حب المكان ( فاس ) فهي: " مجمع الأهواء "، حب يحير ويتلف ويعمي عن كل شئ إلا عن حبها، فالأهواء هنا تعلو بعلو " فاس " وتتلد بها لأنها مكان الابتلاء إن اختيار الشاعر نص " مجمع الأهواء " عنوانا للديوان غرضه الارتباط بالحب الأسمى الذي لا يتغير أي حب المكان. والذي أوقد نار الشعر في قلب الشاعر ولزمه حتى أصبح صفة من صفاته، ومتى ارتبط الشعر بالحب فإنه لا يتعلق بأي شيء إلا بالحيرة والدهشة والتجلي، لذا فإن لحظة كتابة الشعر هي لحظة انخطاف . والمكان الذي يرتبط به الشاعر هو المكان الذي يمارس فيه - على حد تعبير باشلار - أحلام اليقظة لأنه يشكل خياله، لذا فهو لا يستخدم في بعده الهندسي وإنما كحلم لا يتنهي، إنه مكان الألفة الذي يبعث في الشاعر إحساسا ذاتيا لذا يقدمه بصور متفرقة ومختلفة وفي الحالتين معا فإنه ينجذب إليه، لذا فإن المكان في هذا النص - فاس - ليس شيئا عاديا أو صورة مقحمة في النص، وإنما المكان كما يقول الشاعر، ص 56

ظل يبتعد عن موضوعه

الرؤيا ورمزية الحرف

[/FRAME]
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس