عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 03-05-2009, 12:18 PM   #32
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي


22 ـ إمبراطوريات الاستياء، وإمبراطوريات التوقير

قد لا يُكتب النصر للاقتصاد الحديث في كل موقعة، فإن توقف مسار التجانس الاقتصادي، فستواجه عملية الأخذ بالديمقراطية هي أيضا مستقبلا يشوبه الغموض. ومع كثرة الشعوب في عالمنا التي تعتقد على المستوى النظري، أنها تريد الرخاء الرأسمالي والديمقراطية الليبرالية، فلن يكون من المتاح للجميع تحقيق هذه الأهداف (!)

هناك باستمرار مشهدان يرافقان أداء الديمقراطية الليبرالية بأداءها السياسي والاقتصادي، مشهد المعاداة التي تظهر عندما تكبو الليبرالية الغربية أو تفشل في أدائها، وهذا المشهد يظهر في العالم الإسلامي وغيره من المناطق كالشيوعية مثلا. والمشهد الآخر هو محاكاة الليبرالية الغربية وتقليدها في كل شيء ـ إلا في بعض النواحي ـ كما في اليابان وسنغافورة وبعض الدول الأخرى.

(1)
حركة الإحياء الأصولية الإسلامية التي نلمسها في كل دول العالم تقريبا ذات التعداد الكبير من المسلمين، يمكن اعتبارها رد فعل لفشل المجتمعات الإسلامية بوجه عام في الحفاظ على كرامتها في مواجهة الغرب غير المسلم.

وقد استجاب عدد من الدول الإسلامية في القرن التاسع عشر ومستهل القرن العشرين لضغط المنافسة من قبل أوروبا المتفوقة عسكريا، بأن بذلت جهودا من أجل التحديث السريع حتى تتمثل الممارسات الغربية الضرورية في رأيها لبقائها في حلبة المنافسة.

لقد حاولت الكثير من الدول الإسلامية أن تدخل في برامج تحديثها كل المجالات تتبنى فيها (العقلانية!) الغربية، وذلك في ميادين التعليم والجيش والأداء السياسي والاقتصاد وحتى البيروقراطية نفسها.

وكانت المحاولات التركية أول المحاولات في الدول الإسلامية، من وضع (دستور) الى تشكيل مجلس (مبعوثان: البرلمان)، حتى انتهت تلك المحاولات الى (العلمانية) في عهد (كمال أتاتورك).

كما أدخلت القومية العلمانية، الى بعض الأقطار العربية، مثل مصر في عهد عبد الناصر وسوريا والعراق في ظل حكم حزب البعث، وكذلك لبنان.

(2)

إذا كانت اليابان في عهد (ميجي) قد استعانت بالتكنولوجيا الغربية وطرائقها السياسية في إدارة الدولة، لدحر (روسيا) في حربها عام 1905، ولتحدي الولايات المتحدة الأمريكية عام 1941، فإن الدول العربية والإسلامية لم تستورد الطرائق الغربية باقتناع كامل، ولم يكن لها ماضٍ قريب يوحي بأنها مستعدة لذلك النقل.

إذا استثنينا طفرة النفط التي سببت الثراء لبعض الدول العربية والإسلامية، فإننا لا نكاد نرى أي نجاح لتلك الدول في أي مجال، ولم تتشكل أي ذاكرة حديثة منذ عدة قرون تبين تحدي الدول العربية والإسلامية للغرب، ولم تسجل أي انتصار في أي مجال.

بالمقابل، فإن الكثير من المجتمعات الإسلامية ظل تابعا للاستعمار الغربي حتى الحرب العالمية الثانية وما بعدها.

كما تحطم مشروع الوحدة العربية العلمانية، بعد الهزيمة المخزية التي تلقتها الدول التي رفعت شعارها، (مصر وسوريا والعراق) على يد دولة صغيرة (إسرائيل).

لذلك، سيطل المشروع الأصولي الإسلامي (المعوق ثقافيا) من بين ركام تلك الإخفاقات ليبشر الآخرين بأنه هو المنقذ. ويمكن اعتبار ما حدث في إيران هو من نفس نمط ردات الفعل المتخلفة.

(3)

يعود (فوكوياما)، ليركز على شروط التحول، فيقول: أن اليابانيين ينكرون فضل الغرب عليهم، ويقولون أن التقدم الذي هم فيه، قد جاء بفضل خصائصهم القومية وتاريخهم العريق، وهذا منافٍ للحقيقة(!)

ثم يحاول أن يسخر من كل النماذج التي تدعي أنها تسير على النهج الديمقراطي الليبرالي، بأن ديمقراطيتهم وليبراليتهم لم تكتمل شروطها بعد. فنظام (الأبوة) الموجود في اليابان والصين وسنغافورة وتركيا، غير موجود في الولايات المتحدة والدول الأوروبية الغربية.

لا يستطيع الابن الياباني أو الصيني أو التركي، أن يناقش والده ويعارضه، ولن تستطيع الفتاة هناك أن تنام خارج منزلها دون موافقة ذويها، ولن يستطيع الشاب أن يختار زوجته دون تدخل أسرته. في حين أن كل ذلك يحدث في الولايات المتحدة الأمريكية، ودول غرب أوروبا، وهذا بفضل الحرية الفردية (!)

إن السياسيين في اليابان هم من أصول عائلات تتمتع بقدر من (التراتب) الاجتماعي، تستطيع فيه أن تستحوذ على (كراسي الحكم) مدى الحياة، وهو ما يفسر بقاء الحزب الحاكم في الحكم أكثر من عشرين عاما، ولن يستطيع أحد من أفراد الشعب أن يتسلل الى مواقع الحكم المقتصرة على تلك العينات من الأسر.

لو قُدِرَ لفوكوياما أن يكتب ما كتبه بعد فوز (باراك أوباما) لأفرد له عشرة مقالات للتدليل عما أراد أن يرسخه في نفس القارئ.

تعليق:

سنعلق على ما أشرنا على علامات التعجب فيه باللون الأحمر:
1ـ صدق فوكوياما، بقوله: أنه لا يمكن تحقيق الرخاء والتقدم لكل شعوب العالم، إذا ما أرادت أن تطبق مناهج السير في طريقها حسب وصفته. فلو تحول كل العالم الى صهاينة وإمبرياليين (فاعلين)، فمن أين للعالم أن يجد (مفعول به أو مفعولين بهم)؟ هذه النقطة حاول بعض المفكرين الليبراليين العرب في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين الدعوة لها عندما رفعوا شعار: (لا يصلح أمر هذه الأمة إلا بما صلح أمر أعداءها) أمثال (سلامة موسى وبطرس البستاني).

2ـ أي عقلانية؟ فالعقلانية أن تضع الحل بما يلائم المشكلة، لقد أخطأ من حاول نقل التجربة الغربية كخطأ من يتبرع بدم من زمرة معينة لمريض لا يحمل نفس الزمرة.

3ـ لماذا يستكثر (فوكوياما) على اليابانيين أنهم حققوا نهضتهم بجهودهم وخصائصهم القومية، ألم تستفد الحضارة الغربية من جهود علماء المسلمين والعرب والصينيين، هل لنا أن نرد كل الاختراعات التي تحصل في الطب الى الرازي وابن النفيس والتي تحصل في علوم الفضاء للخوارزمي؟

4ـ إذا كان اليابانيون يحكمهم حزب واحد منذ أكثر من عشرين عاما فإن الولايات المتحدة، يحكمها حزبان منذ نشأتها وبلون يكاد يكون متطابقا.

5ـ لو استعمل فوكوياما موضوع (باراك أوباما) للتدليل على الفردية، فإننا سنقول له: هي إرادة الحزب الذي يمثل النظام الأبوي والجماعي والممثل للكارتيلات والترستات الواقفة خلف تسمية المرشحين.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس