عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 23-06-2009, 11:17 PM   #1
البدوي الشارد
عضو مشارك
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2009
الإقامة: حزيرة العرب
المشاركات: 760
إفتراضي انتخابات جهوية في المغرب: تحدي العزوف

انتخابات جهوية في المغرب: تحدي العزوف


حميد بحكاك

بعد أقل من أسبوع على مرور موعد الانتخابات الجهوية (المحلية) في المغرب وخروج نتائجها التي شكلت ربما مفاجأة لبعض المراقبين المهتمين بالمشهد السياسي المغربي، تعالج هذه الدراسة الرهانات المحيطة بالعملية الانتخابية في المغرب بمجملها، من خلال التأكيد على أهمية ظاهرة العزوف عن التصويت التي ميزت الانتخابات التشريعية في سنة 2007 والتي لم تتعد 37 في المئة، مما يشير إلى بروز أزمة ثقة بالعملية السياسية برمتها كما بالقوى السياسية المرتبطة بها أو المنبثقة عنها.
وتحضيراً للانتخابات المحلية، كانت وزارة الداخلية قد وضعت «ميثاق شرف» يدعو الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني للقيام بدورها في تشجيع المواطنين على المشاركة لمعالجة أزمة العزوف عن التصويت، محاولة بالتالي تحفيز المواطنين عموما والشباب منهم خصوصا بأهمية فعل المشاركة السياسية عبر الاقتراع، وذلك من خلال خفض سن الاقتراع من 23 إلى 21 عاما ورفع نسبة تمثيل المرأة في الجماعات المحلية. وقد شارك في هذه الانتخابات ما يقارب 33 حزبا تتنوع انتماءاتها بين اليسارية والليبرالية والإسلامية. وقاطعتها جماعة العدل والإحـسان الإسلامية كما جزء من اليسار الراديكالي وبعض الجمعيات الأمازيغية.
لقد حملت هذه الانتخابات الى الواجهة حزب «الأصالة والمعاصرة» الذي يعتبر بروزه بحد ذاته حدثا سياسيا وإعلاميا هاما من حيث تأسيسه من قبل أحد المقربين من الملك محمد السادس، الذي وصفته الصحافة المغربية بالرجل الثاني في النظام السياسي المغربي. وقد بدأ هذا التجمع السياسي، الذي يضم شخصيات من مشارب سياسية مختلفة، نشاطه الإعلامي بالتصدي والهجوم على حزب العدالة والتنمية، مفتتحا تراشقا إعلاميا لم يتوقف بين الطرفين. وقد تبنى مؤسس الحزب، فؤاد عالي الهمة، الدفاع عن الإصلاحات التي يقودها الملك محمد السادس في إطار «المجتمع الديموقراطي الحداثي»، وذلك من خلال تأسيسه لحركة «لكل الديموقراطيين».
ويعلن الحزب الجديد أنه يسعى الى ترشيد العمل الحزبي وعقلنة المشهد السياسي المحلي، مساهما في إبراز أقطاب تتنافس على أساس برامج سياسية نوعية وتخفف من حالة التشرذم السياسي القائمة. ويحاول الحزب أن يضم اليه أحزابا أخرى سعيا لتشكيل هذه القطبية السياسية المنشودة. ويعتبر أن من مهامه التصدي ميدانيا لحزب العدالة والتنمية الذي شكل صعوده الانتخابي منذ 1997 مصدر قلق لدوائر صنع القرار الداخلي كما لبعض القوى المؤثرة خارجيا.
من جهتها، تعتبر الأحزاب اليسارية، وعلى رأسها «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية»، أن حزب «الأصالة والمعاصرة» هو حزب موال للسلطة من خلال وصفه بالحزب «الإداري الجديد»، وتعتبره امتدادا لمناورات سياسية تسعى لخلق «حزب الدولة» كما في مصر وفي تونس. وهذا ليس بالشيء الجديد في المغرب، فقد سبق أن أسس أحد مستشاري الملك الراحل الحسن الثاني «جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية» في 1963، وكذلك تأسس «حزب التجمع للأحرار» تحضيرا لانتخابات 1977، و«حزب الاتحاد الدستوري» في 1984. ويدعو اليسار المغربي إلى تجمع سياسي مقابل يوحّد اليسار، ولا يستبعد بعض أقطاب اليسار التحالف مع حزب العدالة والتنمية لحماية الديموقراطية ومحاربة الفساد. وتبقى دعوتهم من دون صدى فعلي على أرض الواقع.
أما القوى الإسلامية، فهي موجودة انتــخابيا من خلال حزب «العدالة والتنمية» وحزب «النهضة والفضيلة». وتعتبر انتخابات 1997 هي الأولى التي شارك بها الحزب الأول تحت تسمية «اللامنتمون». ومن ثم غطت مشاركته 18 في المئة من الدوائر في انتخابات 2003. وقد طرح ما يقارب من 10 آلاف مرشح في الانتخابات الجهوية الأخيرة، أي 40 في المئة من الدوائر. ويعتبر هذا التدرج مؤشرا يسعى لبعث الاطمئنان لدى النخبة السياسية المتحفظة على دخول الإسلاميين حلبة الانتخابات. وتسود حالة من الشك والتشكيك في العلاقة بين الحزب والسلطة، فعلى الرغم من حصوله على المرتبة الثانية في الانتخابات التشريعية سنة 2007 وبلوغ عدد نوابه 46، فإنه استبعد عن المشاورات المرتبطة بتشكيل الحكومة، وذلك في سعي إلى تهميشه. واستند الحزب في تحضيره للانتخابات الجهوية الى نجاحاته في إدارة بعض البلديات من خلال الممارسة السياسية البعيدة عن الجوانب الدعوية التي برزت في مدن كمكناس وتمارة والقصر الكبير. ونشط أيضا في التظاهرات المنددة بجرائم الإسرائيليين في غزة بالتعاون مع أطراف يسارية وإسلامية ومستقلة أخرى معارضة ومؤيدة للحكومة.
ولكن الحزب تعرض لهزات عديدة في الآونة الأخيرة، تم استغلالها وتضخيمها للتخفيف من بروزه السياسي وحضوره الانتخابي، ومن هذه الأمور عزل رئيس مجلس مدينة مكناس وتحويله الى القضاء بتــهم متعلقة بخروقات مالية وإدارية جسيمة. كما تم التركيز على انسحاب 71 عضواً من الحزب وانتقال بعض الأعضاء النقابيين الى نقابات يسارية. وأخيراً، فقــد ندد الوزير الأول بالأمين العام للحزب واتهمه باستغلال القضية الفلسطينية التي هي قضية كل المغاربة على مختلف مشاربهم السياسية. ولقد شكك حزب «العدالة والتنمية» بتعاقب هذه الهجمات والانتكاسات، معتبرا أنها تأتي في سياق حملة منظمة للحد من تأثيـره في أية انتخابات مقبلة.
وتعبر القوى اليسارية مرحلة صعبة بعدما سجلت أكبر خسارة لها في الانتخابات التشريعية لعام 2007، حيث انتقلت إلى المركز الخامس بين القوى الســياسية، ولقد تأتى ذلك بسبب تشرذمها وتشتت جهود قياداتها التي تنافست في بعض الدوائر الانتخابية بعضها ضد بعض. أضف إلى ذلك، العزوف الانتخابي الكبير الذي اعتبرت هذه القوى أنها ضحيته الأولى. ولقد استعدت للانتخابات الجهوية من خلال عقد الندوات التي سعت الى معرفة أسباب الخلل ومواقع الضعف، وأقامت أحزاب «الاشتراكي الموحد» و«المؤتمر الوطني الاتحادي» و«الطليعة الديموقراطي الاشتراكي» تحالفا أطلقت عليه «تحالف اليسار الديموقراطي». أما القوة اليسارية التي كانت الأبرز، أي «الاتحاد الاشتراكي»، فلم يقرر بعد دخول هذا التحالف أو الاقتراب من حزب «العدالة والتنمية» أم أنه سيبقى في «الكتلة الديموقراطية» التي تشكل الائتلاف الحاكم. وهذا يعكس بصورة جلية أزمته العميقة والصراعات الداخلية التي تخترقه.
إن رهان القوى السياسية يتحدد حسب تناقضاتها الآنية وطموحاتها الانتخابية بانتظار الانتخابات التشريعية لعام 2012. فاليسار اعتبرها محطة تجميع قوى بغية الاستعداد لاستعادة بعض من مواقعه وفعاليته. أما الإسلاميون، فكانوا يسعون لتطبيع وجودهم السياسي والحفاظ على قاعدتهم الانتخابية. وما دام كل حزب عاجزاً عن تغطية كل الدوائر بمفرده، إضافة إلى القانون الانتخابي الذي يحول دون حصول أي حزب على أكثر من 50 في المائة من الأصوات، يبقى خيار التحالفات هو المطروح بين العائلات السياسية ما دام تسيير الشأن المحلي لا يخضع للاصطفاف الأيديولوجي، كما حدث في انتخابات 2003 الجماعية (الجهوية) حيث اختفت التمايزات بين اليمين واليسار، وبين المعارضة والأغلبية.
([) باحث في مركز الدراسات والأبحاث الاجتماعية في الرباط
البدوي الشارد غير متصل   الرد مع إقتباس