عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 03-04-2009, 03:10 PM   #1
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي جرائدنا والحول الفكري

بسم الله الرحمن الرحيم

لكل مجتمع من المجتمعات منظومة من القيم والأفكار والعقائد تحكمه ، وفي ضوء هذه المنظومة يتحدد السلوك السوي والسلوك المنحرف . السلوك السوي هو ذلك السلوك الذي تتوافق عليه الجماعة على اعتباره يخدم المصلحة الجمعية والعكس بالعكس .
وفي كل مجتمع تتعدد الطرق التي من خلالها يتم التعامل مع الشخص الخارج عن الجماعة ، ففي غير الأحكام والقوانين السماوي منها والوضعي تظهر مجموعة من أشكال وطرق التأديب للخارج عن القيم السوية .
من هذه الأساليب العقاب المادي ، والذي يتضمن مجموعة من الأساليب كالضرب ، السجن ، التعذيب ، التخريب ، أو التحريض وغير ذلك من الأساليب التي تعكس رصيد التراكمات الفكرية والحضارية لهذا المجتمع .
وفي مقابل العقاب المادي ، فهناك العقاب المعنوي الذي يتسم بالبعد عن الإيذاء البدني ، ولكنه يكون له أثر أوسع ، ويضمن تحقيق قدر أكبر من الضبط الاجتماعي ، كما أنه قد يمتد فتتعدى إصابته الفرد القائم بالخطأ لتشمل المحيطين به( بعضهم) كالأسرة أو العائلة أو القبيلة أو الدولة حسب طبيعة المكان والزمان .
***
وإذا كانت كثير من التصرفات المرذولة مثار اشمئزاز وإنكار جماعي (بل وإجماع المجتمع) كالرذيلة والممارسات الشائنة وأساليب الإشباع غير المشروع للغرائز ،فإن كيفية إنكارها والتعبير عن استهجانها لابد أن تأتي أيضًا في إطار الأسلوب الأخلاقي المتفق عليه بين الجماعة .
فالفرد الذي يأتي هذه المخالفات الشائنة لابد أن ينال العقاب الذي يناسب فعله.
ومن هنا يبدأ خيط الموضوع .
إذا كان العقاب المعنوي المتمثل في فضح هذا الفاعل وذكر اسمه وصورته في الجرائد أو التليفزيون أو الوسيلة المرئية أو المرئية المسموعة في نفس الوقت (وليست المسموعة مندرجة تحت هذا الإطار) فإن من غير المنطقي أن يكون العقاب بإظهار صورته وحالة العري التي كان\كانت فيها ، لأن العقاب بهذه الطريقة قد تعدى تحقيق الغاية التأديبية وتجاوزه إلى الإيحاء -بشكل غير مباشر- بفعل غير مشروع أخلاقيًا .
***
لا أقول هذا من فراغ . كلا ، فعند وقوفي وقفة عابرة أمام محال الجرائد ودكاكينها تقع عيناي بدون القصد على بعض الجرائد التي تدعي محاربةالرذيلة والانحراف ، وتتصدرها صفحات ساخنة على صعيد المكتوب والمرئي . وهذه الإثارة اللفظية تتبعها إثارة مشهدية ، والغريب أن المشهد يكون مكونًا من جانبين :
* الصورة العارية أو شبهها للقائمين بالرذيلة .
*تغطية الوجه أو تلوينه بحيث لا يكون مرئيًا .
ومن هنا يكون التساؤل حول مصداقية وأخلاقية هذه الجريدة التي تدعي محاربة الانحراف ، فإذا كان المجرم أو الشخص القائم بالسلوك المرفوض مدانًا فعلاً ، فلماذا لا يعاقب العقاب الاجتماعي المتمثل في فضح صورته واسمه ؟؟ أليس هذا العقاب يتناسب مع فعلته ؟ أليس في ذلك عبرة لغيره وتأديبًا له ، ولكل من يحاول التجرؤ على ذلك ؟ وهل -على افتراض الحفاظ على حقوقه وخصوصيته- هذا هو الطريق الأمثل والأصح .
وبالمقابل : فما الفائدة من إبراز الحالة التي مورست فيها الرذيلة ؟ ما الرسالة الممثلة في إظهار الثياب الأولية وأعضاء الجسم لاسيما عند النساء ؟ أليس في ذلك إثارة للغرائز واعتداءً على حقوق القارئ والمشاهد في قراءة موضوع لا يمس منظومة قيمه الأخلاقية ؟
***
إن هذا المنظور الأحول الذي تتبناه الجرائد (ولن أقول الهابطة لأن كلمة جرائد أغنت عن النعت هابطة)لابد أن يتغير بحيث يكون المقروء والمكتوب متماشيًا مع الأعراف الاجتماعية والأخلاقية للمجتمع .
هذه الجرائد تمارس دورًا لا يقل سوءًا عن الأشخاص القائمين بهذه الأفعال ، غير أن القائمين بها استتروا بينما أهل الصحافة جاهروا بالسوء .
وما زلت حتى الآن لا أعرف ما هي الرؤية التي تنبثق منها هذه الجرائد والمجلات غير تحقيق الإثارة للإثارة ، وهو ما يدل على أننا أمام أشخاص يتسمون بالحول ، ولا يكون الشفاء إلا من خلال التحول عن هذه الأنماط السيئة .
ومن هنا أقول إن الحول الفكري هو مشكلة القرن الحادي والعشرين وليس غيره !
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس