عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 25-05-2009, 11:12 PM   #3
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

في ديوانها( الليل والفرسان ) والذي يبدو أن قصائده كُتبت بعد الاحتلال الاسرائيلي لبقية فلسطين عام 1967م ,نلمس بداية تغيُّر في تعاطي الشاعرة مع المأساة الفلسطينية .وهذا واضح أولا من تسمية الديوان وتداعيات وارها صات تلك التسمية . كما هو واضح في لُغتها الخطابية فقد انتقلت للحديث عن المأساة الفلسطينية بضمير(نحن)بعد أن طغى ضمير (هو, وهي) على المرحلة السابقة.

وفي أولى قصائد الديوان (مدينتي الحزينة) تتحدّث عن يوم الاحتلال الأول، حيث تقول:

-يوم رأينا الموت والخيانة

تراجع المدّ

وأغلقت نوافذ السماء

وأمسكت أنفاسها المدينة .

وهي لهول الصدمة ترى أن ما حدث من احتلال لمدينتها كان نهاية المطاف:

أواه يا مدينتي الصامتة الحزينة

أهكذا في موسم القطاف

تحترق الظلال والثمار

أواه يا نهاية المطاف.


الا أن تصويرها للواقع ما زال سطحياً, يصف ظاهر الأشياء ،ويكاد لا يخدش حتى غشاوتها الرقيقة

يوم اندحار الموت ..يوم أسلمت

بشاعة القيعان للضياع وجهها

ترمَّد الرّجاء

واختنقت بغصّة البلاء

مدينتي الحزينة.

وما أشرنا اليه من تطور شعوري وتفاعل أعمق مع الهم الوطني قبل قليل تبدأ معالمه بالاتضاح في قصيدة (الطاعون ) ,فهي تتحدّث هنا بضمير الأنا فتقول :

يوم مشى الطاعون في مدينتي

خرجت للعراء

مفتوحة الصدر الى السماء.

أهتف من قرارة الأحزان بالرياح

هُبّي وسوقي نحونا السحاب يا رياح وانزلي الأمطار تطهِّر الهواء في مدينتي .


لقد بدأ الاحتلال ي}ثر في حياتها الشخصية وعلاقاتها الاجتماعية ،ويتدخل في أجندة يومها ،فيُعيق سفرها وتحرُّكها :-

صديقي الغريب

لو أن طريقي اليك كأمس

لو أن الأفاعي الهوالك ليست ـُعربد في كل درب

وتحفر قبراً لأهلي وشعبي

وتزرع موتا ونارا

:

:

لكنت الى جنبك الآن ،

عند شواطئ حبّك أرسي سفينة عُمري

لكنّا كفرخي حمام.

لذلك لا بدّ لمشاعرها أن تتعمّق ولأحاسيسها أن تتجّذر لتواكب الحدث ، بل لتُبشِّر بغد سيبزغ فيه النور ، ولتدحض مفهوم الانهيار الذي حاول المُغرضون والضِعاف ترويجه بعد هزيمة عام 1967:

ستقوم الشجرة

ستقوم الشجرة والأغصان

ستنمو في الِمس وتخضر

وستورق ضحكات الشجرة في وجه الشمس

وسيأتي الطير.لابُدّ سيأتي الطير..سيأتي الطير.

* * * * *

لقد شكل الاحتلال صدمة شعورية لفدوى طوقان ،أخرجها من عالمها الذاتي الوجداني البعيد عن الواقع الاجتماعي والسياسي لشعبها،واثر ذلك واضح فيما سبق تناوله من قصائد ديوانها (الليل والفرسان).الا أن المُلاحظ كذلك أن كثيراً من قصائد فدوى طوقان التالية كانت تعبيرا عن تجارب شخصية عايشتها بنفسها وانفعلت بها وسجّلتها في شعرها . كما في قصيدة (رسالة الى طفلين في الضفة الشّرقية )و(لن أبكي)و(آهات أمام شباك التصاريح)و(حمزة) ..فلو لم تمر هي ذاتها بتجربة الحرمان من السفر الى الضفّة الشرقية ،أو زيارة يافا بعد الاحتلال /أو الوقوف لساعات انتظاراً لتصريح زيارة ،أو مُعايشة هدم منزل ابن عمها حمزة .لما كتبت هذه القصائد ، مع أن مئات القصص المُشابهة كانت تحدث يومياً في طول الوطن وعرضه دون أن يرد لها ذكر في قصائد الشاعرة .وملاحظة أخرى في مُجمل هذه القصائد هي المُباشرةالمُفرطة في تصوير الفكرة وتناولها :الوقوف أمام شباك التصاريح، إغلاق أو هدم الجسور ،تفجير البيوت ، ..الخ .كل هذه الموضوعات كان تناولها لها أقرب ما يكون الوصف الصحفي والتغطية الاعلامية المباشرة.

في قصيدة( لن أبكي) تقف الشاعرة على أطلال مدينة يافا اثر تمكنها من زيارتها بعد الاحتلال الاسرائيلي لبقية فلسطين ، مُستحضرة وقوف الجاهليين على أطلالهم (لغةً ومضموناً) وشتان بين الوقوفين ، فقد وقف الجاهليون على أطلال أحبة رحلوا طلبا للكلأ والماء ، أو سعيا للرفعة والمجد ، وقلما كان رحيلهم هروبا من عدو أو نتيجة لمعركة هزموا فيها ، كما حدث للفلسطينيين. كما أن لُغة الشاعرةكانت مُستقاة من قصائد الجاهليين :

-قفا نبك

على أطلال من رحلوا وفاتوها

تُنادي من بناها الدار وتنعى من بناها الدار

وأن القلب مُنسحقا

وقال القلب :ما فعلت بك الأيام يا دار .

وكلها أشارات تستدعي الى الذاكرة مقاطع من قصائد الجاهليين بسهولة .
ثمّ هناك ملاحظة أخرى في قصائد الشاعرة هذه خاصة ،وهي سعيها لتلمس وتكريس علاقة عضوية بين ضفتي نهر الأردن (الشرقية والغربية ). لقد شعرت أثناء قراءتي لها أنها تميل لأردنة الضفة أكثر من ميلها لربطها بعمقها الجغرافي والتاريخي بما استلب من أرض فلسطين عام 1948م .وفي ذلك تعزيز لما ذهبنا اليه من رأي في قصيدة (أردنية –فلسطينية في انجلترا ) و(رسالة الى طفلين في الضفة الشرقية (وليس في الأردن)،ثم أننا نقرأ لها :

- ويردد النهر المقدّس والجسور :حريتي

والضفتان ترددان:حريتي .

- ورفرف مريولها راية في صفوف المدارس.

رفرف وامتد ،ظل في الضفة المُشرئبة
.
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس