عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 05-04-2008, 01:57 PM   #9
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

ماذا نريد من الدولة وماذا تريد الدولة منا؟

حتمية العلاقة تحدد شكلها

في المطاعم تجد العلاقة بين (الزبون) وصاحب المطعم لصالح الزبون باستمرار، فعبارات التفخيم والانحناءة والابتسامة تقدم للزبون لإرضائه. وعندما يجد الزبون تقصيرا معينا من أصحاب المطعم، فإنه سرعان ما يبدي عدم رضاه بشكل واضح. لكن في الولائم ومن يُدعى إليها، فإن التفخيم سيأتي من المدعوين لصاحب الدعوة، وإن حس المدعو بتقصير فإنه يبلعه ويبقي حالة الامتعاض محبوسة في صدره، أو أنه يكذب ويقلب التقصير الى كرم..

في مدرجات ملاعب كرة القدم، يدفع المتفرج ثمن البطاقة، ويدخل وِفق نظام تفرضه إدارة الملعب (الإستاد) ويعبر عن فرحه أو غضبه بصيحات لا تتجاوز بأحسن حالاتها مستوى (الضجيج)، ولن تؤثر تلك الصيحات كثيرا على سير المباراة، حتى لو كانت ضد رغبة من يتفرج ..

في مسألة المواطنة، يولد و ينمو الطفل وهيئات الدولة ومؤسساتها موجودة منذ اللحظة الأولى التي وُلِد فيها، فهي بذلك قد سبقت وعيه بها، ولكنه سيكون في كل الحالات، ليس كالحالة في مثالنا الأول حتى لو كبر وبلغ أشده، أو حتى لو أصبحت له ثقافة واسعة تسمح له بمعرفة جوانب التقصير في الدولة، فإنه سيبقى كالمدعو في الوليمة في مثالنا الثاني أو كالمتفرج في مثالنا الثالث.

في المقابل، لو أن هذا البالغ الراشد الواعي المثقف، قد انتقل في سكناه من دولته التي ولد بها الى دولة أخرى ك (بريطانيا) أو (فرنسا) أو دولة شقيقة (في الحالة العربية التي نحن بصددها)، فإن اعتراضه أو عدم رضاه سيكون قاصرا وخافتا وباهتا، كونه ينتمي (أصلا) لدولة غير الدولة المضيفة (الجديدة). يعني أن إحساسه بالحق كونه شريكا ( لا ضيفا ) قد اختفى بالحالة الجديدة.

من هنا، نستطيع القول، أن أس الخلاف بين المواطن ودولته (حكومته) يتركز في توصيف تلك العلاقة، هل هو شريك فاعل في مواطنته مع أعلى رأس في الدولة في مواطنته؟ أم هو (رقم مفعول به) ليس له الحق بالاعتراض والتذمر أو إبداء الرأي؟

تباين في قبول العلاقة

لو نظرنا لحالات رسوخ الدول وهيئاتها وتقاليدها، لوجدنا أن الدول التي تكون فيها الأنهار حاضرة في حياة المواطنين ك (مصر مثلا)، تكون أكثر رسوخا من تلك التي تنشأ في المناطق التي لا يكون للأنهار حضورا. وسبب ذلك ـ بالأساس ـ هو حاجة من يستغل مياه الأنهر لتنظيم أدوار المياه. بعكس الحالات الرعوية، التي يتضايق فيها الرعاة من وجود أي رقيب عليهم في حركتهم وتنقلهم.

وإن كان المجتمع الزراعي متقدما على المجتمع الرعوي وحاجته الى من ينظم العلاقات بين أفراده أكثر، فإن المجتمع الأكثر تطورا (الصناعي والتجاري) سيكون أكثر حاجة لمن ينظم العلاقات بين أفراده. وعليه فإن فقه القوانين يتأتى من فهم تلك العلاقات بين مكونات المجتمع واحتياجاتهم للضوابط التي تنظم تلك الحركة بما يضمن الشعور بالأمان وتحقيق الرفاه وديمومة العطاء بين تلك المكونات ..

النقل أم التجريب؟

عندما ينبري المثقفون للحالة العربية في إدارة الدولة بمكوناتها (الأرض والشعب و الحكومة والإمكانات)، سنجد أن آراءهم قد استخلصت من أنماط إما تاريخية (الحالة العربية بتراثها) أو جغرافية راهنة (الانبهار بتجارب دول أخرى) وإسقاطها على الحالة العربية الراهنة.

فالنقل سواء كان تاريخيا، أو جغرافيا، سيكون محفوفا بمخاطر ولا يؤدي دوره بالشكل الدقيق. وهذه الحالة تشبه من يوظف منقذ سباحة في منطقة صحراوية لا ماء فيها ولا مسابح .. والقوانين والتعليمات هي تماما كإشارات المرور على الطرقات، يفترض أن تكون على مسافة مدروسة بين الإشارة وما تشير إليه، فعندما نرى قطعة مكتوب عليها (أمامك منعطف!) أو (انحدار شديد) فإننا سنتهيأ لذلك ونستعد له بحواسنا، ولكن لو وضعت القطعة بعد المنعطف أو المنحدر ستفقد أهميتها بكل تأكيد.

تعليم الناس، له أصول وتقاليد، تتعلق بالعمر والقدرة على الفهم، ومعرفة ما كان يعرف (المتعلم أو التلميذ) حتى تكون المادة المعطاة له تتعلق بسابق معرفته عن المادة، لترتبط بها وتزيد تلك المعرفة استعدادا لتوظيفها في أكثر من شأن.

تشترك أجهزة الدولة والمنظمات الأهلية والوعاظ والأدباء والشعراء والمثقفون في تهيئة الشعب للاستعداد بالانتقال من حالة الى حالة، من حالة الترهل والفساد والتخلف الى حالة قبول فكرة التعلم واستثمار التعلم وِفق مشاريع جادة .. لكن، لا بد من ثقة كل تلك الأطراف بعضها ببعض.

مصادر الثقة تنبع من وصف العلاقة

إن جاز لنا أن نصف المجتمع الكلي بأعضاء شركة مساهمة، فإن مجلس إدارته (الحكومة) أو المجتمع السياسي هو من سيتولى أمور تلك الشركة برسم سياساتها والتصرف بإنتاجها وتوزيع أرباحها على الأعضاء وفق نظام يرضى به الأعضاء.

لكن، إذا أحس المواطن أن مجلس إدارته قد فُرض عليه دون أن يكون للمواطن أي دور في اختياره، أو أن أعضاء مجلس إدارته لم يكن له فرصة في التعرف عليهم وفحص مدى أهليتهم ونزاهتهم، فإن أي تجريب في وضع وصفات لهذا الاختيار سيبقى موضع جدل لفترات طويلة.

إن المواطن الذي يرفض الذهاب الى صناديق الاقتراع، لديه مبرراته، ولو أحصينا نسب عدم المقترعين في أي انتخابات (عربية وغير عربية) لوجدنا أن تلك النسبة تفوق ما يحصل عليه أي (ناجح) في انتخابات، لكن هؤلاء من يرفضون الذهاب للاقتراع لا يربط بينهم أي رابط، ولا يعتبرون بأي حال من الأحوال (جماعة) لها ثقلها ووزنها في العمليات السياسية. إنما لا يمنع ذلك من اعتبار أن تلك الظاهرة تؤشر على انعدام الثقة بمشروعية الأنظمة القائمة!

وتبقى الدولة

في كل تلك الأوصاف وغيرها، تبقى الدولة والدول بكل أشكالها الديكتاتورية والديمقراطية والخليط فيما بين الشكلين، قائمة وتؤدي دورها وتصيب وتخيب، ويبقى التفاوت بين شعوب الأرض، هذا شعب متحضر (بغض النظر عن نوعية نظامه) وهذا شعب متخلف (بغض النظر عن نوعية نظامه). لكن، ستبقى الدول والشعوب الأكثر تحضرا، هي تلك الشعوب التي اقتربت من وصفة مثالية في تناقل السلطة بين أبنائها.

ماذا نريد من الدولة وماذا تريد منا؟

إذا كانت الدولة (في الحالة العربية) هي صاحبة اليد العليا أو صاحبة الدعوة، كما في مثالنا الثاني، فإننا سنقدم احتياجاتها على احتياجاتنا وسنلخصها بأنها تريد منا الانضباط وعدم إثارة المشاكل فيما يخص استحقاقها المقدس في حكمنا دون تدخل منا في تسمية من سيحكمنا أو كيف يتصرفون في خيرات البلاد أو مع من يقيمون علاقات مع دول نحبها أو نكرهها.

وبالمقابل، فإن المواطن يريد من الدولة الأمن والأمان وما يتعلق بهما، فأمنه مرهون بإشباع احتياجاته الغذائية والصحية والتعليمية وتأمين السكن والعمل، وحفظ كرامته الدينية والوطنية..

فهل يا ترى ممكن تحقيق الاتفاق بين مطالب الطرفين؟
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس