عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 30-01-2014, 01:45 PM   #6
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الوطنية والحلم القومي المستتر


خلافاً، لكل الأشكال القومية في العالم، فإن القوميين العرب أو العروبيبن السياسيين، واجهوا من المعضلات ما لم يواجهه أي متغني بالقومية في بلاد العالم.

فالغالبية العظمى للدول العربية الحالية هي دول إسلامية بالدرجة الأولى، باستثناء فريد لحالة لبنان. والمناخ الثقافي واللغوي والمزاجي في كل أقطارها يكاد أن يكون مناخاً متماثلاً، فالمثقفون والمفكرون والإعلاميون وخطباء المساجد يتكلمون لغة مفهومة لمن يستمع إليهم في كل الأقطار، وهم يستخدمون نفس الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة وأبيات شعر من معلقات جاهلية للأفوه الأودي وزهير بن أبي سلمى، ثم يمرون على شعراء ومؤرخي وفلاسفة العصور الإسلامية ويستشهدون بما قالوا وينتهون الى العصر الحاضر فيحفظون لأحمد شوقي ومعروف الرصافي وأبو القاسم الشابي وغيرهم من كل الأقطار العربية، وكأن العروبة مسرحية لا فصول زمنية ولا فصول مكانية فأبطالها من كل الأمكنة وكل العصور.

ما الذي جعل المشاعر القومية تتقزم في العصر الحالي؟


كثيرة هي الأسباب التي جعلت المشاعر القومية تتنحى عن طريق التفكير في التحول الإجرائي، ولعل أهمها هو ما حدث في مراحل الاستقلال.

لو أخذنا من باب المقارنة دولة إندونيسيا الإسلامية، ومجموعة الدول العربية، التي تساويها في عدد السكان أو تزيد قليلاً، لرأينا أن إندونيسيا المكونة من 17508 جزيرة والتي تبلغ مساحتها أقل من مليوني كيلومتر مربع قليلاً، وبها من الإثنيات (الأعراق القومية) حوالي 300 عرق، ومن اللغات واللهجات حوالي 742 لغة ولهجة، ومن الديانات المتنوعة (مسلمون: سنة وشيعة 86%؛ مسيحيون: بروتستانت وكاثوليك 9%؛ هندوس؛ وكونفشيوس؛ وبوذيين الباقي).*1

في حين أن البلدان العربية، لا يوجد فيها من الإثنيات العرقية إلا أزيد من عشرين إثنية أساسية( أهمها العربية، والأمازيغية، والكردية، والقبطية والنوبية، والتركمانية، والبلوشية، والفارسية وهي أثنيات قديمة انصهرت وتلاقحت مع العربية) وبعضها وفد منذ أكثر من قرنين مثل الأرمن والشركس، والهنود والأقليات التي رافقت المستعمرين الأوروبيين وبقي منها ما بقي)، وحوالي 8 لغات مستعملة (العربية، والأمازيغية، والكردية، والقمرية، والصومالية، والإنجليزية والفرنسية والإسبانية). أما اللهجات فهي تُعد بالعشرين أو أكثر قليلاً يتفاهم بها السكان المحليون، وهي ليست بعيدة كثيراً عن اللغات المستعملة.

وفي خصوص الديانات، فإن البلدان العربية تعتبر من أقل بلدان العالم في تعدد الديانات والطوائف، إذا ما قورنت مع الهند أو روسيا مثلاً أو الولايات المتحدة. وقد أسهم اليهود والمسيحيون والصابئة ببناء الحضارة العربية الإسلامية جنباً الى جنب مع المسلمين، دون تكلف أو ضغط، في الترجمات والفلك والطب وغيره، وذلك عندما كانت الدولة تشكل حاضنة تفجر إبداع الجميع، بل كان يأتي من العلماء من هم خارج حدود الدولة ليستفيدوا من المناخ الإبداعي*2.

إذن ماذا حدث؟

نستطيع أن ننحاز ـ برضا كامل ـ للتفسير الذي تبناه ساطع الحصري*3، بأن التشرذم القومي قد حدث في أوقات الاستقلال الحديث. فإندونيسيا ذات الجزر الكثيرة والنوعيات العرقية المتعددة ناضلت لنيل استقلالها ضد مستعمر واحد هو المستعمر الهولندي فحافظت على وحدتها بعد استقلالها وطورت من طرق تناقل السلطة حتى وصلت الى ما وصلت إليه، وهذا ما يمكن أن يقال عن الهند وتركيا (إثر سقوط دولة الخلافة)، وما يمكن أن يقال عن جنوب إفريقيا والصين.

أما في البلدان العربية، فقد ناضل كل شعب من الشعوب العربية ضد دولة مستعمرة قد تختلف عن الدولة المستعمرة لبلد عربي آخر، أو تكون نفس الدولة المستعمرة، لكن في ظروف وتواريخ مختلفة، (فرنسا: لبنان، سوريا، الجزائر، تونس، المغرب، موريتانيا، جزر القمر)؛ (بريطانيا: مصر والسودان، الأردن وفلسطين، العراق، مشايخ الخليج العربي، وجنوب اليمن)؛ (إيطاليا: ليبيا، وبعض أجزاء من القرن الإفريقي).

عندما استقلت الدول العربية، بتواريخ استقلال مختلفة، انكفأت كل دولة بمجتمعها لترسخ قطريتها وانفصالها، كما خُطط لذلك بالاتفاقيات الاستعمارية، وأصبحت النخب الحاكمة والنخب المعارضة تلتزم بتلك الروح الانفصالية.

إن كان التعدد العرقي ينطبق على السودان والعراق وبعض الدول المغاربية، فما تفسير أن تكون هناك ثمانية دول في الجزيرة العربية؟ وأربع دول في بلاد الشام؟

إن هذه الشرذمة، تجعل التفكير بأن يكون للدولة القطرية طموح إقليمي، هو ضرب من الخيال أو حتى الجنون، فلذلك تتطاول دول مثل إيران وتركيا والكيان الصهيوني المسخ ليكون لها دور إقليمي على حساب تلك الشرذمة.


هوامش
*1موسوعة السياسة / أسسها عبد الوهاب الكيالي/ الجزء الأول/ط3/ 1990/ المؤسسة العربية للدراسات والنشر/ صفحة355
*2ـ الوحدة العربية/ المشكلات والعوائق/ناجي علوش/منشورات المجلس القومي للثقافة العربية/الرباط/المغرب ط1/1991/ ص 22
*3ـ الإقليمية: جذورها وبذورها/ساطع الحصري/ بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية/طبعة خاصة 1985 (نُشر الكتاب لأول مرة عام 1963)
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس