عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 19-06-2014, 01:09 PM   #12
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

القيادة والشباب



في وقتٍ لم يعد فيه مكانٌ للضعفاء حتى لو علت أصواتهم، في الدعاء، أو البكاء أو الشتيمة، يتطلع فيه أبناء أمتنا الى القادة الموجودين بنظرة يمتزج فيها الكره والاحتقار والتخوين، متطلعين الى وعاء أمتهم ومتسائلين: هل نضب هذا الوعاء من مَنحنا قادة أمثال ابن الخطاب وصلاح الدين ويوسف ابن تاشفين ومئات بل آلاف أمثالهم؟

من الطبيعي، أن نرى في السجون مساجين، ومن الطبيعي أن نرى في المدارس تلاميذ، ومن الطبيعي أن نرى في البساتين أشجارا، لكن أين هو المكان أو الظرف الذي نرى فيه قادةً عظاما؟

(1)

قديماً، قسم حكماء الفُرس الناس الى أربعة أقسام، الأول: الأساورة من أبناء الملوك، والثاني: سدنة المعابد وخدّام النار، والثالث: الأطباء والكُتّاب والمنجمون، والرابع: الزرّاع والمهنيون وما شابههم. ويقول أردشير: ما شيء أسرع من خراب المملكة وانهيارها، من انتقال هذه الطبقات عن مراتبها، فيرفع الوضيع الى مرتبة الشريف، ويحط الشريف الى مرتبة الوضيع.*1

لم تخرج تلك الطريقة التي آمن بها الفرس، من دائرة المعقولية أو دائرة الاعتبار حتى عند أرقى الأمم في العصر الحديث، فلو تطلعنا بمعرفة بسيطة على أحوال من تقلد مناصب رئاسة الوزراء أو الوزراء في بلادنا العربية لوجدناها محصورة في الغالب بعائلات أو أوساط تحيط بالدائرة المركزية لرأس الدولة، مع اعتبارات أمنية تخص النظام، وتغييرات تزين الوضع لكسر هذا الانطباع، بتعيين وزير للثقافة أو الرياضة أو رئيسا لمؤسسة هامشية لإبعاد هذه النظرة.

وفي الولايات المتحدة الأمريكية، انحصرت مهام المخابرات والخارجية والأمن القومي والدفاع في أسرٍ بعينها منذ عام 1899 وحتى عام 1973، وهذه الأسر ترتبط بالنسب والقرابة وغيرها. وتولى رئاسة الجمهورية أكثر من رئيس له علاقة برئيس سابق بالنسب حتى لو بعدت المسافة (روزفلت، كندي، بوش)*2

وهذا يحدث، حتى في البلدان ذات الأنظمة الشمولية، كوريا الشمالية، كوبا، وغيرها، رغم الزعم بتطبيق الديمقراطية المركزية.

(2)


إذا كان التقليد الفارسي القديم، لا يزال ماثلاً عند كل الشعوب، فهل المنطق يتوافق مع هذا التقليد، أم يعارضه ويثبت عدم صحته علمياً؟

في علم البرمجة اللغوية العصبية هناك افتراض مهم وهو: إذا حقق أحدهم شيئاً ما، فإن أي شخص يمكن أن يحقق الشيء نفسه، إذا ما التزم بالأفعال الصحيحة التي تقود لتحقيق ذلك الشيء.

فالقائد الناجح المبدع، ممكن أن يكون أي شخص، دون اعتبار لعائلته، وماضي أسرته، كما هو لاعب كرة القدم، فلا تعتبر العائلة أو الوساطة أو التوصية هي من يشهر ذلك اللاعب، لكن ما يشهره هو أداؤه المبدع الذي تعرف عليه من رآه في ملاعب شعبية أو مدرسية وأقر له بقدراته، فيصعد بدوره حتى يصبح نجما عالمياً.

سيسأل سائلٌ: وكيف سيتم التعرف على القائد السياسي؟ هل سيتم التعرف عليه في الحارات والملاعب المدرسية؟ والإجابة: هي مواضعة الأمكنة والأداء، فخصائص القائد تبرز في المدرسة والحارة وتصقل في النقابات والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب وغيرها، فهو لا ينبت كالفطر بفعل رعد وبرق وجرثومة الفطر، بل ينمو بظروف حاضنة من خلال انخراطه في نشاطات تطور من إمكاناته القيادية، أي باختصار القائد لا يولد بل يُصنع، ويكون لجهده هو الدور الأكبر في تلك الصناعة قبل من يقوموا برعايته.

(3)

يختلف القائد عن المدير، بأن المدير يقوم بالعمل المكلف به وفق لوائح ودستور وإمكانيات المؤسسة التي يديرها، في حين يقوم القائد بابتكار الطرق التي تقفز بالمؤسسة الى الأمام، معتمداً على خصائصه القيادية، والقائد يمضي 80% من وقته في التفكير و20% للتنفيذ، حتى لا يخطئ أو حتى يقلل أخطاؤه.*3

لو نظرنا لما يجري حولنا، لرأينا أن معظم حكوماتنا العربية، تقوم بدور إدارة الأزمات (أزمة المياه، أزمة المرور، أزمة الوقود، أزمة البطالة، أزمة الموازنة الخ)، فتقوم بتوزيع دَوْر المياه: هذا الحي يوم في الأسبوع، وتضع برامج لتوزيع الخبز والوقود الخ، وإذا فشلت تلك الحكومة، فتقوم أجهزة صنع القرار بتسريب معلومات عن تغيير وزاري وشيك، وتبقى الأنظار مشدودة عدة شهور حتى يحدث التغيير، فيأتي رئيس الوزراء الجديد وتقوم أجهزة إعلام النظام بالطلب لإعطائه مهلة و (صبر شعبي) عدة شهور، وهكذا حتى يتغير مرة ثانية.

في حين، تقوم القيادات الواعية، بالعمل على حل الأزمات من جذورها، فالقائد الجدير بالقيادة لا يسوّف ولا يعد بما لا يمكن تنفيذه، وهو الذي يعمل طويلاً وبانضباط ويختار معاونيه بدقة ويبث الحماسة في شعبه ويخلق أجواء خلاقة مبدعة لكل جماهيره، لا يُشترط بالقائد أن يكون عبقرياً بل يكفيه أن يكون بذكاء فوق المتوسط، ولكنه ينتبه بدقة لما لديه من عناصر قوة ويخاف الله ويتمتع بالنزاهة ويحفز من حوله سواء بالمال أو بالمديح أو التوقير، اعترافا بجهودهم، فهذا يصنع الولاء للوطن.

(4)

يئس الشباب من طول انتظارهم لقيادات جديرة بالطاعة، فمعظم القيادات التي تبرز ترتبط بالماضي ارتباطاً عضوياً (مادياً ومعنويا)، فهي بالتالي غير قادرة على التواصل مع عنصر الشباب.

في حكومة (محلب الجديدة: بعد انتخاب السيسي رئيساً)، كان متوسط أعمار الوزراء (59 سنة)، ودعنا نضرب مثلاً طريفاً في كار (السباكة: إسالة المياه)، فإذا أردنا أن نوصل الماء من أنبوب قطره (12 إنش) حتى يصل للمشترك الفردي من الموطنين والذي يصله بقطر نصف إنش، فإن من سيقوم بتلك المهمة عليه أن يستخدم (النقّاصات) لتروي المواطنين، فكيف إذا علمنا أن نسبة عدد السكان في مصر الذين تقل أعمارهم عن (59 سنة متوسط أعمار الوزراء) هي فوق 94%، فهل هذا عدل؟

لذلك فإن الشباب هم الآن في وضع قطيعة مع الأمة ويصارعونها في آن واحد.

سنبقى ننتظر.

انتهى







هوامش

*1ـ التاج في أخبار الملوك/الجاحظ
*2ـ الطبقة الحاكمة في أمريكا/ ستيف فرايزر و غاري غريستل/ ترجمة: حسان البستاني/ بيروت: الدار العربية للعلوم 2006
*3ـ سحر القيادة/إبراهيم فقي/ مصر: المنصورة: دار أجيال 2008.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس