عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 08-02-2010, 01:45 PM   #3
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

ثالثاً: أوروبا

ـ الاتجاه العالمي: الكساد العالمي في أوروبا

نمو أوروبا في الربع الثاني من عام 2009 فاجأنا، لكن ليس بمقدار ما فاجأ الحكومتين الفرنسية والألمانية. وفي ظننا أن الجزء الأكبر من النمو جاء من سلسلة خطط تحفيز يتيمة، مثل الخطة الألمانية لتحويل سيارات الى (خُردة) بما بلغت قيمته 7.4 مليار دولار (وهي الخطة التي ألهمت البرنامج الأمريكي المسمى (مبالغ نقدية في مقابل سيارات قديمة Cash for Clunkers). وقد انتهى أمد تلك البرامج خلال الربع الثالث من عام 2009، وما من سبب يُعتد به لتوقع استئناف نمو مستقر بسببها.

إن مشكلة أوروبا الأساسية هي أزمة مصرفية، وجهود التشخيص الحقيقية الأولى ـ ناهيك عن جهود المعالجة ـ لم يجرِ إتمامها حتى نهاية أيلول/ سبتمبر. والمصارف تُظهر من الميل الى الإقراض في أوروبا ما هو حتى أقل من الميل الى الإقراض في الولايات المتحدة، وبالنظر الى أن الشركات الأوروبية تحصل من المصارف على نسبة أموال دعم عملياتها واستثماراتها تفوق ما تحصل عليه نظيراتها الأمريكية بمعدل الضعف، فإن إمكان التكهن بمآل كل شيء، من النمو الى إنفاق المستهلك فإلى العمالة، ضعيف جداً حقاً. وفوق ذلك كله، قد يبدو (يورو) قوي إيذاء القطاع الوحيد الذي يبدي بصيصاً من الحياة، ألا وهو قطاع الصادرات.

إن الدَيْن هو التحدي الأكبر الذي يواجهه الأوروبيون في ما تبقى من العام الجاري (2009 في حين وضع التقرير) وحتى فيما بعد عام 2010ربما. وقد اختار معظم الدول الأوروبية تأخير اتخاذ أي قرارات صعبة بشأن الإنفاق أو بشأن الإصلاحات، ولهذا السبب تقع ميزانيات العديد منها الآن في حالات من العجز الكبير.

ولدى الكثير من الدول الأوروبية مشكلات جمع أموال في أي حال؛ فمع أنها تصدر سندات دين مقطوعة ومتعددة، فإنه ليس هناك ببساطة عددٌ كافٍ من المهتمين بشراء سندات. وسوف تواجه دول أوروبا الشرقية ودول البلقان معظم التعقيدات. من هنا، فإن هاتين المنطقتين بالذات ـ وبصورة مضاعفة في منطقة البلقان ـ نتوقع أن نرى معظم الاضطراب الاجتماعي.

ـ الاتجاه العالمي: انبعاث روسيا في أوروبا

بعد أعوام من قيام روسيا بتحفيز أوروبا وحثها بمجموعة متنوعة من الوسائل، تتركز جهود روسيا لتعميق نفوذها في ثلاثة مواقع محددة، نقدمها بترتيب تصاعدي، بناءً على النجاح الذي ستصيبه روسيا بتأثيرها في هذه المواقع.

الموقع الأول (بولندا)، الدولة المناهضة لروسيا بأشد ما يكون من الحماسة والثبات في الاتحاد الأوروبي ـ وهي من الضعف بما يكفي ألا يكون لها خيار في المسألة، ومن الكبر بما يكفي لأن تكون قادرة على فعل شيء ما بشأنها. ولقد كانت سياسة البولنديين للأمن القومي منذ نهاية الحرب الباردة بسيطة جداً: مصادقة الأمريكيين لضمان وضع بولندا الدفاعي، لأنهم يشعرون بأن الألمان والفرنسيين والبريطانيين غير جديرين بالثقة، وبأن الناتو غير كافٍ.

فاجأ الأمريكيون البولنديين بالتخلي عن منشأة قيد الإعداد من أجل الدفاع الصاروخي (البالستي) في بولندا، فزعزعوا ثقة البولنديين بالتزام الولايات المتحدة بأمن بولندا.

إن بولندا تكابد الآن ألم الإحساس بعدم الأمان وبالحيرة. فمن منظور البولنديين، أدت إزاحة نقاب الأمن الأمريكي، وهو نقاب رقيق بالأصل، الى انكشاف الانقسام التام للطيف السياسي البولندي. ومعظم البولنديين هم معادون للروس الى درجة وجوب أن تكون أي تحركات تأتي بها روسيا أن تكون ماكرة، لكن روسيا لم تلق منذ قرون أرضاً خصبة لنفوذها كما في بولندا.

الموقع الثاني هو (فرنسا). يمكن القول أن فرنسا هي الدولة التي لروسيا فيها أقل تأثير. فبعد الحظر النفطي العربي عام 1973، أطلقت باريس برنامجاً وطنياً للفاعلية وإيجاد بدائل للوقود كان من شأنه أن حَدَ كثيراً من ضعف البلد أمام الصدمات الناجمة عن أزمات الطاقة. ويعني هذا، الى جانب قرب مواقع دول كانت مستعمرات فرنسية ومنتجة للطاقة أيضاً، أن روسيا لا تستطيع استخدام أدواتها للتأثير في فرنسا كاستطاعتها استخدامها مع ألمانيا مثلاً. ولأن باريس حذرة من برلين بما يكفي لتسعى الى عقد شراكة متينة مع الولايات المتحدة، فإن فرنسا ـ دولة عنيدة وحاسمة ـ يصعب على روسيا التعامل معها.

لذا فإن الروس يجربون مقاربة تقوم على المنطق والرشوة؛ إذ أوضحت روسيا لفرنسا أن فرض عقوبات على إيران ليس له ببساطة حظ من النجاح دون التأييد الروسي، وروجت لبعض الأفكار حول كيف يمكن فرنسا أن تُعرض عن موقفها السياسي المتشدد والمناوئ لإيران في مقابل تحقيق أرباح. وتشير روسيا الى أنه إذا كان مصير العقوبات ـ التي قد تستهدف شركات طاقة كبرى مثل (توتال) ـ هو الفشل في أي حال. ومن قبيل الإغراء، تعرض روسيا على شركات فرنسية صفقات في قطاع الطاقة الروسية.

أخيراً هناك (ألمانيا). الروس كانوا قد أحرزوا من قبل نجاحاً كبيراً في حث حكومة المستشارة (أنجيلا ميركل) على سلوك دربٍ أقل تأييداً صريحاً للأمريكيين، حيث إنهم استخدموا مزيجاً من إجراءات لإنقاذ شركات ألمانية خلال فترة الركود الاقتصادي ووعود بزيادة عمليات تسليم موارد الطاقة ـ التي تعتمد ألمانيا عليها كثيراً.

طبعاً، لم يكن رفض واشنطن الاستجابة لما طلبته ألمانيا من مساعدات اقتصادية لينقذ علاقتها المتدهورة مع برلين. ولا ريب في أن موسكو ستحاول تعزيز هذا الوضع في المستقبل القريب، غير أن التقدم في هذا الصدد سيكون طفيفاً.

ـ الاتجاه الإقليمي: صراع قيادة الاتحاد الأوروبي

إن الشراكة الفرنسية ـ الألمانية التي تحكم الاتحاد الأوروبي ليست مستساغة في سائر أوروبا، الشراكة نفسها غدت أكثر حرجاً. فرنسا تدرك أن ألمانيا هي المركز المسيطر اقتصاداً وسكاناً، وحيث أن ألمانيا تستيقظ من سباتها أيام الحرب الباردة فإنها تشرع في تمثيل الدور. أما فرنسا، فقد سعت بغرض التعويض الى تقوية موقفها بالاصطفاف مع الأمريكيين بشأن مجموعة كبيرة من القضايا الدولية، ليس الموقف المتشدد من إيران إلا أبرزها. لكن باريس حصلت على مهلة لفترة قصيرة.

تعاني ألمانيا من عدم انسجام الفريق الحاكم في كل القضايا، فالحزب الديمقراطي الحر، لا يحبذ تقوية العلاقات مع موسكو، وهذا سيعقد الأمور بعض الشيء.

بينما يرتب الألمان بيتهم، سيكون لدى الفرنسيين بعض الوقت للتقرب من دول أوروبا ـ الأقل قوة ـ وأكثرها حرجاً هي السويد، التي تتولى حالياً رئاسة الاتحاد الأوروبي، وبولندا، التي تتطلع بعد تعامل واشنطن معها بازدراء الى تنويع الجهات الضامنة لأمنها. وبالنسبة للأمريكيين، فإنها تعني على الأقل أن أي مساعٍ ألمانية لتقييد السياسة الأمريكية ستُكبح بعض الشيء ولأسابيع قليلة قادمة.

يتبع
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس