عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 23-01-2010, 12:48 AM   #4
ياسمين
مشرفة Non-Arabic Forum واستراحة الخيمة
 
الصورة الرمزية لـ ياسمين
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2008
الإقامة: المغرب
المشاركات: 2,102
Lightbulb

لقد أدى تقدم تقنياتنا المذهل والطواعية والدقة اللتان توصلت

إليهما، بالإضافة إلى العادات والأفكار التي أوجدتها وقوع

تغييرات عميقة في حياة الإنسان، إذ يستحيل اليوم أن نرى إلى

المادة والمكان والزمان كما كان يحدث في الماضي.

لقد انفلت العالم إلى أشكال ممزقة من المعاني التي تتكلم أصواتا

متعددة تتفق مع تبايناتها التي أفقدتها الكثير من تناغمها

وعمقها، مما أدى إلى فقدان قابليتها لتنظيم حياة الناس

وإعطائها معنى.

ولعل كتاب نيتشه وراء الخير والشر (1882)، يصور بدقة

عالما معاصرا يحبل كل شيىْ فيه بنقيضه:<< في لحظات

الانعطاف التاريخية هذه تتجلى متجاورة ومتداخلة ببعضها غالبا

حركات نمو وصراع رائعة متعددة الوجوه أشبه بالغابة، نوع

من الإيقاع الاستوائي في عملية التطور مع حركة هائلة للتدمير

والتدمير الذاتي بفضل الأنانيات المتعارضة تعارضا عنيفا

والمتفجرة والمتصارعة فيما بينها من أجل الشمس والنور، غير

قادرة على الاهتداء إلى أية حدود أو قيود وأي احترام أو اعتبار

في إطار الأخلاق الموجودة تحت تصرفها... لاشيىْ غير"

الأسئلة" الجديدة والصيغ الجماعية لم تعد موجودة، هناك "لاء"

جديدة تستند إلى سوء التفاهم وانعدام الاحترام وثمة انحطاط

وشر مستطير مع أسمى الرغبات المجتمعة مع بعضها بشكل

مخيف، ثمة عبقرية الجنس تفيض فوق أطر الخير والشر

وتزامن مصيري بين الربيع والخريف... مرة أخرى هناك خطر،

وهو أم الأخلاق - خطر هائل-. لكنه الآن موضوع خطر على

الفرد، على الأقرب والأغر، على الشارع، على الابن بالذات،

على القلب بالذات، على أعمق الملاذات السرية للتمني

والإرادة>>. وهذا ما يفسر الصرخة المدوية التي أطلقها نيتشه

وما زالت تصدح في الآفاق:<< احذروا من التقدم التكنولوجي

الذي لا غاية له إلا ذاته، احذروا من حركته الجهنمية التي لا

تتوقف عند حد، سوف يولد في المستقبل أفرادا طيعين، خانعين،

مستعبدين، يعيشون كالآلات، احذروا من هذه الدورة الطاحنة

للمال ورأس المال والانتاج الذي يستهلك نفسه بنفسه، احذروا

من عصر العدمية الذي سيجيئ لا محالة. إذ لا يكفي أن تسقطوا

الآلهة القديمة لكي تُحِلُّوا محلها أصناما جديدة، لا يكفي أن

تنهار الأديان التقليدية لكي تحل محلها الأديان العلمية، فالتقدم

ليس غاية بحد ذاته>>.

يتم ذلك وفق ما نعت به عالم الاجتماع الألماني ماكس فـيبر

(1920-1864) تقنية هذا العصر في الأخلاق البروتستانتية

وروح الرأسمالية بالـ" قفص الحديدي"، إذ أن نظامها التقني

والبيروقراطي:<< يُجدد حياة كل الأفراد الذين ولدوا داخل هذه

الآلية بقوة لا تقاوم>> وببأس شديد. فالبنسبة لفيـبر مثلا، ليس

معاصروه إلاّ:<< اختصاصيين بلا أرواح، شهوانيين بلا قلوب.

وبهذه اللاّشيئية وهذا الانعدام، نجدهم غارقين في الوهم القائم

أنهما حققا مستوى من التطور لم يسبق للبشرية أن حققت

مثله>>. إن جميع الناس فيه إنما تمت صياغتهم وفقا لشباكه

وقضبانه، فنحن كائنات بلا أرواح وبلا قلوب وبلا هويات

جنسية أو شخصية.

__________________



" كان بودي أن آتيكم ,, ولكن شوارعكم حمراء ,,

وأنا لا أملك إلا ثوبي الأبيض ",,

* * *

دعــهــم يتــقــاولــون

فـلــن يـخــرج الـبحــر

عــن صمته!!!

ياسمين غير متصل   الرد مع إقتباس