عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 25-07-2009, 03:28 AM   #7
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

الزمن المضارع :

يشكل الزمن المضارع جزءًا كبيرًا من بنية القصيدة ، ويبدأ بعد خمسة سطور يستغرقها الزمن المطلق من البداية . والبدء بالحديث عن الحاضرة دلالة على أهميته بالنسبة للشاعر ، وبالتالي لجمهوره المتلقي الذي يريد أن يصدر إليه موقفه .
بيد أن الشاعر حين يشرع في تصوير الزمن الحالي للخيل لا يقدمه بشكل مباشر وإنما عن طريق فعل ماض-جامد -ناقص - منفي فيقول :
صيرى تماثيل من حجرٍ فى الميادين
صيرى أراجيح من خشبٍ للصغار – الرياحين
صيرى فوارس حلوى بموسمك النبوى
وللصبية الفقراء حصاناً من الطينِ
صيرى رسوماً ... ووشماً
تجف الخطوط به
مثلما حفَّ – فى رئتيك – الصهيل !


يلاحظ في هذه الفقرة تكرار النفي لتثبيت دلالته بالنسبة لحاضر لا تحارب فيه الخيول وإنما تركض كالسلاحف نحو زوايا المتاحف والشاعر يقدم هذه الصورة الساخرة عبر فعل آخر ناقص جاء على صورة الفعل الأمر . وقد استخدمه في فقرة واحدة أربع مرات تأكيدًا صورة مبكية باكية والذي يعد من جماليات القصيدة المعاصرة .

ماذا تبقى لكِ الآن ؟ ماذا ؟
سوى عرقٍ يتصببُ من تعبٍ
يستحيل دنانير من ذهبٍ
فى جيوب هواةِ سلالاتك العربية
فى حلبات المراهنةِ الدائرية
فى نزهة المركبات السياحية المشتهاة
وفى المتعة المشتراة
وفى المرأة الأجنبية تعلوكِ فى ظلالِ أبى الهول
( هذا الذى كسرت أنفه لعنة الإنتظار الطويل )


هكذا تتحول الخيول الغازية الفاتحة (على مستوى الرمز والمرموز أي الشعوب) إلى تماثيل ورسول ودمى من الحلوى أو الطين .
وتبلغ المأساة أعمق أشكالها حينما يصورها في المقطع الأخير بمن تعلوه المرأة الأجنبية.كذلك يأخذ الشارع حقيقة واضحة ليقدمها على سبيل الاستعارة المكنية -إمعانًا في السخرية والتشاؤم-ولكن الشاعر يقدم الفكرة على أساس أنها صورة مجازية (كسرت أنفه لعنة الانتظار الطويل ) وليس عوامل التعرية .


غياب زمن المستقبل :


ذكر المؤلف أن عنصر الزمن بشكل المحور العام للقصيدة ،وأهم مرحلتين يحرص الشاعر على تصويرهما :الماضي والحاضر ويقدمهما بدرجة من التداخل والامتزاج توحي بما بينهما من تقابل وتضاد : سواء على مستوى المعنى أو الصورة أو التركيب اللغوي ، حيث يستخدم الشاعر أحيانًا الفعل المضارع للدلالة على الماضي من ذلك على سبيل المثال :
"تنحدر الشمس
ينحدر الأمس
تنحدر الطرق الجبلية للهوة اللانهائية
"
كما يوظف الفعل الماضي للدلالة على المضارع مثل قوله
"استدارت -إلى الغرب- مزولة الوقت
صارت الخيل ناسًا تسير إلى هوة الصمت
."
ملاحظات :
الأولى : العبارات الدالة على الحاضر تبلغ نسبتها ضعف العبارات الدالة على الماضي 13: 26 ، 100:50وربما كان سر ذلك هو أن هموم الشارع كلها مرتبطة بحاضر متخاذل يريد تغييره ، في حين أن الماضي مجرد مثير يبرز حدة التناقض بين ماض عظيم وحاضر عقيم
الثانية : الاقتباس أو التضمين الذي لا يظهر في القصيدة إلا في أثناء التعبير عن الماضي حين يقول :
"أيتها الخيل .. لست المغيرات صبحًا
ولا العاديات -على الأرض ضبحًا"

الثالثة : إن درجة التعادل في التعبير بين الماضي والحاضر غير متكافئة في بنية القصيدة غير أن الحديث عن زمن المستقبل مفتقد دائمًا وغائب كليًا مما يشي بقدر من التشاؤم المتخيل عند الشاعر . إن ضعف الخيول -التي هي رمز للأمة - جعل الشاعر لا يرى المستقبل مشرقًا قويًا لذلك حجب الحديث عن الزمن كلية في القصيدة .
***
الزمن المطلق :

هناك بعض عبارات ترد في مطلع القصيدة وبُعيد المنتصف خالية من الارتباط بالزمن وهي قوله :
أ-"الفتوحات في الأرض مكتوبة بدماء الخيو
وحدود الممالك ..رسمتها السنابك
والركابان ميزان عدل يميل مع السيف حيث يميل"
ب-"الخيول بساط على الريح ..
سار على متنه الناس للناس عبر المكان
والخيول جدار به انقسم الناس صنفين
صاروا مشاة وركبان
هاتان الفقرتان تتكونان من جملتين طويلتين نسبيً اوكلتاهما تتركب من :
1- جملة اسمية +جملة اسمية أو أكثر(معطوفة)
2-الاسمية في الجملة تغلب على ركني الجملة : المبتدأ والخبر سواء أ:انت الجملة ابتدائية أم معطوفة .
3-شيوع الاسمية في التركيب هو الذي يبعدها عن الارتباط بالزمن من حيث الدلالة .
كما يلاحظ من هذه الجمل- من حيث المعنى- تقدم حِكَمًا أو أقوالاً مأثورة ، تأخذ طابع (الإخبار ) ، والخبر في كلتا الفقرتين كما يقول البلاغيون القدماء لازم الفائدة ، فالشاعر في غمرة يأسه من حاضر الخيول ،يتصور أن الناس قد نسيت الأمور البدهية في الحياة لذلك يقدم لهم هذه الحكم والأقوال - في نسق لغوي - وكأنه يقدم لهم حقائق لم يكونوا يعلمونها .
والشارع إذ يقدم تلك الحكم في هذا السياق الدلالي غير المرتبط بزمن يخبر بحقائق مؤكدة لعل أهمها
-الفتوحات لا تكتب بغير الدماء.
-العدل لا يتحقق بغير السيف .
-الخيول هي المعبر الوحيد من مكان إلى مكان أو من حالة الذل إلى النصر
الخيول جدار فارق بنقسم به الناس صنفين مشاة وركبان ،جبناء وشجعان ،مهزومين ومنتصرين.
أمر آخر لابد الالتفات إلهي لإظهار الأهمية لهذه العبارات فالفقرة (أ) تمثل مطلع القصيدة أو افتتاحيتها ، وقد تحدث النقاد العرب كثيرًا عن أهمية المطلع . ورأوا أنه يؤذن بجودة القصيدة أو قبحها

***


علاقة الزمن الشعربالزمن الواقعي :لعله قد اتضح من خلال هذا التحليل الأسلوبي لعنصر الزمن الذي يشكل المحور الأساسي لبنية القصيدة عدة أمور :
1- الزمن الحالي يمثل العنصر الأكبر الذي اهتم به الشاعر .
2-الزمن الماضي موجود بدرجة أكبر تصل إلى50% بالنسبة لصورة الزمن الحالي
3-الزمن المستقبل مغيب تمامًا في القصيدة.
4- الزمن المطلق موجود بدرجة أقل من الماضي وينوب عن المستقبل في القصيدة
على هذا فإن الزمن الشعري في قصيدة الخيول التي يلتحم فيها الرمز بالمرموز معادل موضوعي للزمن الواقي أو التاريخي المعاصر يعكس حركته الحقيقية ويعبر عن كل آلامه وبعض آماله .
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس