عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 16-04-2009, 01:17 PM   #31
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

21ـ الجذور الثيموسية للعمل

(( كان هيجل يعتقد أن العمل هو الجوهر الحقيقي للإنسان))
........... كارل ماركس

على ضوء الارتباط القوي بين الديمقراطية والتصنيع المتقدم، تبدو قدرة الدول على النمو الاقتصادي على مدى فترات زمنية طويلة. ورغم أن أنجح الاقتصاديات الحديثة قد تكون هي الرأسمالية، فليست كل الاقتصاديات الرأسمالية ناجحة.

وقد كان من رأي (آدم سميث) أن المصدر الرئيسي للاختلاف بين ثروات الأمم هو حكمة أو غباء السياسات الحكومية، وأن السلوك الاقتصادي الإنساني عندما يتحرر من قيود السياسة الخرقاء، سيكون شائع وعام بين الجميع.

العمل، برأي هيجل، هو جوهر الإنسان، والعبد العامل هو الذي يخلق تاريخ البشرية بفضل تحويله لعالم الطبيعة الى عالم صالح لسكنى الإنسان. وكل البشر يعملون عدا فئة صغيرة من السادة الكسالى. ومع ذلك فإن ثمة اختلافات ضخمة في السلوك والدرجة في عمل الناس. وهي اختلافات طالما نوقشت في إطار ما يسمى بأخلاقيات العمل.

تعليق (مُبكر)

حاول الكاتب بذكاء مناقشة أخلاقيات العمل، حتى يردها في النهاية إلى الإرادة الليبرالية، فهو يرى اختلافات في السلوك العملي لدى القوميات، لكن تلك الخلافات ليست نهائية، وهو يرى أن الرغبة في جمع المال والوصول للرفاهية لدى الفرد عاملا حاسما، ولكنه ليس نهائي، وهو يرى أن العامل الديني والثقافي له أثر كبير ولكنه ليس نهائي، وهو يرى أن حب العمل من أجل العمل هو من يخلق الفوارق بين أداء المجتمعات ولكنه ليس نهائي! لنرى.

(1)

يقول (فوكوياما): إن أي شخص قضى زمنا في السفر أو الإقامة خارج وطنه، لا يسعه إلا أن يلاحظ كيف تؤثر الثقافة القومية تأثيرا حاسما في موقف الشعب من العمل. فمثلا، بالشرق الأوسط نجد أن (الأرمن) يتفوقون على أبناء المجتمعات التي يعيشون فيها، من حيث إبداعهم وجديتهم وإتقانهم لعملهم. كذلك هي الحال عند الصينيين في جنوب شرق آسيا، فهم في ماليزيا أو إندونيسيا يتفوقون على السكان المحليين. واليهود في المجتمعات الغربية يتقنون أعمالا تجارية ومصرفية لا يضاهيهم فيها أبناء تلك الدول.

ويضرب الكاتب مثلا على اختلاف الخصائص الثقافية القومية، وهو أنه عندما تمكن البريطانيون من الاستيلاء على بعض أجهزة الرادار الألمانية في الحرب العالمية الثانية، وهم (أي البريطانيون) من اخترع الرادار، وجدوا أن تلك الأجهزة مدهشة ومتفوقة على البريطانية، ويرجع المؤلف ذلك الى أسباب تعود للعرق الألماني وطبيعة تثقفه الوطني.

لكنه يعود، في مكان آخر، ليناقش كيف أن سور برلين الذي فصل بين الأشقاء الألمان قد أوجد فوارق واضحة بين تفوق الألمان الغربيين عن أولئك الذين يعيشون في ظل الأجواء الشيوعية!

(2)

في حديثه عن تفوق البعض على الآخرين من نفس صنفهم القومي والمهني، مثال ذلك نجد أن طلبة الحقوق والذين سيتخرج منهم المحامون فيما بعد، أن أجر أحدهم تفوق عشرات المرات أجر زميله وربما أخيه الذي تخرج معه، كذلك الحال مع المهندسين أو الأطباء، رغم مساواتهم في الجنس والعرق والمهنة والعلم الذي تلقوه.

فيرجع ذلك الى الرغبة (الثيموسية) في العمل والإبداع به، وليس لجمع المال، ومن هؤلاء النوعية من المبدعين، قد يؤدي تفانيهم بالعمل الى فقدانهم المتعة بالحياة (بمفهومها المعروف عند الجميع) فلا يوالوا عائلاتهم اهتماما كافيا ولا يوالوا صحتهم اهتماما كافيا، فيعيشون في زهد في الحياة ولكنهم يقدمون لعملهم جل وقتهم. إنه (الثيموس).

(3)

هل للديانة أو الطائفة أثر في صنع ذلك (الثيموس)؟ يجيب (فوكوياما) : نعم إن لذلك الأثر الكبير، فالبروتستانتية تجعل من أتباعها وكأنهم نذروا أنفسهم لخدمة الآخرين وتحقيق إرادة الرب في الأرض. وقد تحدث (ماكس فيبر) في كتاباته (أخلاقيات البروتستانتية وروح الرأسمالية في عامي 1904ـ 1905) مما دفع الكثير من مفكري أمريكا للتحول الى البروتستانتية.

وهذا يتجلى أيضا في الفرقة اليابانية المسماة (الجودو شينشو: أي الأرض الطاهرة) حيث نذرت نفسها للارتقاء باليابان لتقديس العمل الجاد، وتقليل الاستهلاك، والامتناع عن شراء منتجات غير يابانية، وهو يفسر لماذا دائما يميل الميزان التجاري بين اليابان والولايات المتحدة (وهما حليفان ولهما نفس طبيعة النظام الليبرالي) لصالح اليابان.

أما الهند، وهي أكبر ديمقراطية في العالم، فإن الديانة التي فيها تختلف عن كل الديانات فيما يخص عدم المناداة بالمساواة بين الناس، وأن الناس المسحوقين عليهم القبول بوضعهم والتفاني في خدمة من هم أعلى منهم مرتبة، وإنهم إن التزموا بذلك فإنهم سيعودون بعد الموت الى حالة أفضل مما هم عليها في الحياة الدنيا، وإن رفضوا ذلك فسيحرمون من العودة المرضية، وعليهم الاكتفاء بأنهم ينتمون لتلك الطبقات البائسة.

(4)

يعود الكاتب الى موضوع سور برلين، وهو الذي يفصل بين قسمين من شعب واحد يتساوى في كل شيء عدا النظام السياسي، ليرد مرة واحدة على من يقول: إن العلمانية قد أسقطت الفوارق الدينية والفوارق القومية، فيقول أن النظام السياسي الذي يراعي كل بواطن الإبداع ويرعاها بعدم تدخله هو من يضمن السلوك العملي لأبناء البلد.

ولهذا لم تنجح تطبيقات الرأسمالية في أمريكا اللاتينية، رغم ارتباطها السابق بالسياسة الأمريكية، فقد تغلبت العوامل الأخرى على عامل (النقل أو التقليد) وأجهضت نهضة تلك البلدان.

(5)

يرد في مقالة (فوكوياما) التي بين أيدينا، مسألة تتعلق بالشعور بالطمأنينة، وأثرها السيئ على تواصل الإبداع. فيقول: إذا أحس الأستاذ الجامعي أن راتبه يأخذه في نهاية الشهر، فإنه سيتوقف عن الاختراع والتأليف. وهذا الإحساس هو ما جعل الكتلة الشيوعية تنهار لنمطية الحياة عند مستخدميها، فالتطلع للأمام يجب أن يرافقه توترٌ يجعل من الفرد يعمل بجد تخوفا من مصير لا يعلمه.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس