عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 22-11-2009, 05:50 PM   #52
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

مسألة خاصة قريبة من الحدائق

إذا كنا قد تحدثنا عن الحدائق المنزلية، فإننا الآن في مجال الحديث عن منزل الحديقة. والذي دفعني للحديث في هذا المجال هو ما انتشر في البلدان العربية خلال ثلاثة أو أربعة عقود مضت من مظاهر كان يصعب تفسيرها كما صَعُب علي وضع العنوان الفرعي لحديثي هذا.


والظاهرة التي نتحدث عنها في هذا الصدد هي بروز أشكال من المزارع الخاصة التي تنتشر في ضواحي المدن والأرياف، تدل عليها بواباتها الجميلة ومداخلها المنظمة، وبروز بناء متواضع ولكن صاحبه أراد إظهاره ليعلن عن فخامة ذوقه أو سعته المالية.

والسبب في إلحاقي لهذا الموضوع مع (الحدائق المنزلية) هو الصلة العضوية في متطلبات الزراعة من ضوء وتربة وماء وحرارة وغيرها، وحتى لا يتكرر الحديث في هذا المجال، حاولنا حشر هذا الموضوع مع ما سبقه. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، فحتى لا تذهب الأموال والجهود التي خُصصت لمثل تلك المشاريع سُدى، سنمر على الكيفية التي تجعل من تلك المشاريع شيئاً مفيداً اقتصادياً، ويحقق في نفس الوقت الأغراض التي أرادها من أنشأ مثل تلك المشاريع منها، وهي الجانب الترفيهي والاجتماعي إضافة الى الجانب الاقتصادي.

كيف يُفكر أصحاب مثل تلك المشاريع بتأسيسها؟

يختلف أصحاب مثل تلك المشاريع، من حيث دوافعهم وأهدافهم من تأسيسها فهم:

1ـ إما وزراء أو مدراء أو نواباً في البرلمان أو رجال أعمالٍ موسرين، يحاولون إيجاد أمكنة لاستراحاتهم الخاصة مع زوارهم أو أهلهم، وهم بذلك لا يهتمون بالمبالغ التي سَتُدفع لقاء إنجاز مثل تلك المشاريع، ولا يهتمون بعوائدها الاقتصادية، بل يكتفون بفخامة التصميم وجعل زوارهم يشعرون بالاندهاش والإعجاب.

2ـ وإما أن يكون أصحاب مثل تلك المشاريع، من أبناءٍ استأذنوا آباءهم لينفصلوا عنهم بعد تخصيص قطعة أرض من أملاك الأب، ليعيشوا فيها مع عائلتهم، واضعين المسألة الاقتصادية بالصدارة.

3 ـ وإما أن يكون أصحاب تلك المشاريع من المتقاعدين أو ممن قضوا فترة طويلة في غربتهم، أرادوا أن ينهوا مشوار حياتهم في بيت وبستان أو مزرعة على مشارف المدن، لينعموا بقسط من الراحة والتحرر من رتابة العمل الشاق الذي أمضوه في حياتهم السابقة، وهم بهذا لا يريدون أرباحاً كبيرة، ولا يريدون مزيداً من بذل الأموال لتحقيق الفخامة كما في الصنف الأول.

وأياً كان صاحب المشروع، فإن مطامعه أحياناً تتمثل برغيف خبزٍ ساخن، أو حليب بقرة طازج أو لحم طير يربيه هو أو (من ينوب عنه في النموذج الأول)، وقطف بعض ثمار الفاكهة والخضراوات الطازجة مع بعض زواره.

وبالطبع، فإن لكل رغبة أو إرادة، ما يوازيها ويعاصرها من متعهدين جاهزين لتنفيذ ما يرغب به الآخرون، فسينتشر الدلالون الذين يعلنون عن وجود قطعة أرض بمساحة كذا متر مربع وتقع على ربوة على الطريق الفلاني، وتتمتع بخدمة الماء والكهرباء والهاتف، والسعر يخالط الكذب من تدنيه وقلته.

ثم سيقرأ من يبحث في الجرائد ومجلات الإعلانات: مستعدون لتنفيذ أسيجة مزارعكم، لدينا شتلات فاكهة يونانية، قرميد إيطالي بسعر كذا، أفران شوي الخ.

نماذج كانت تحت المعاينة

أستاذ علوم سياسية ونائب في البرلمان:

قدم الأستاذ على قرضٍ من مؤسسة إقراض، ليزرع بستانا (كرماً) للعنب بأرض ورثها عن والده، وقد نصحه في ذلك أستاذٌ في كلية الزراعة يبدو أنه تدرج في علومه دون أن يتجول ببستان. عند معاينة الأرض كانت أبعادها 19م عرضا و800م طولاً، فنصحته الإقلاع عن الفكرة، لعدم صلاحية الأرض وأبعادها لمثل هذا الغرض، لم يستمع الى النصيحة، طلبني بعد عامين فحاولت أن أجعله يسلم بما خسره من أموال عند ذلك الحد، فلم يقتنع، وكان قد زرع بعض أصناف الزهور في المدخل حيث بنى وحدة سكنية لاستقبال زواره. خسرت صداقته كما خسر هو ما صرفه على مشروعٍ احتاج 9 سنوات ليقتنع أنه فاشل.

وزير سابق

من عادة السياسيين والوزراء والنواب إقامة الولائم والدعوات وتلبيتها أيضاً، فقد يحتاج أحدهم شهرا أو أكثر ليحظى بمقبالة مقتضبة لمديرٍ عام، ولكنه يستطيع أن يلتقي بعشرة وزراء على دعوة عشاء.

عندما أنشأ مزرعته واستراحته الخاصة، كان على رأس عمله، وكانت تعج بالزوار والمدعوين، ولكن المفاجأة كانت عندما أتى أحد أقاربه للبحث عن أعلاف لأبقار لوزير المتقاعِد، وعندما تم سؤاله عن أخبار الاستراحة، أجاب ضاحكاً: (يوم علمك، لقد انتهى كل شيء).

رجل أعمال ثري ونائب بالبرلمان سابق

ذُهلت عندما دخلت مزرعته التي قصدتها بغرض استئجار قاعات تربية الدجاج اللاحم، فقد كانت كلفتها تزيد عن 2 مليون دولار، فكان بها بئر ارتوازي، و8 قاعات لتربية الدجاج اللاحم تتسع ل 40 ألف طير. ومجهزة بمعالف ومشارب أوتوماتيكية. ومحلب أوتوماتيكي مهجور يستوعب 30 بقرة في آن واحد، وجناح للزوار من الغرف المؤثثة أقيم على 750م مربع بناء، فيه حتى المعالق والصحون وملابس نوم الزوار! وبركة سباحة أمام الجناح مساحتها تزيد على ألف متر مربع.

ومع ذلك فلم أنصح باستئجار المباني التي عُرضت بالشراكة، وبسعر زهيد لا يزيد عن 6 آلاف دولار، لاكتظاظ أشجار الزيتون حول المباني وانعدام تحريك الهواء في القاعات. لم أقابل صاحب المزرعة، ولكن قابلت وكيله الذي حاول ترغيبنا بالمشروع الفاشل!

يتبع
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس