الموضوع: هواجس عمياء
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 16-08-2008, 12:24 AM   #2
القوس
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: Jul 2002
المشاركات: 2,839
إفتراضي

وعدته بأنني لن أقاطعه، فمضى إلى القول:
- لقد تحدثتْ طويلاً عن حياتها الخاصة، وعن زوجها الذي لا يكف عن مطاردة النساء. وهي تعرف أنه يخونها بشكل مستمر مع موظفة حسناء تعمل في دائرة البريد. وقد قبلتْ الحياة معه على مضض، لكنها تشكو كثيراً من مأمورياته التي ازدادت هذه الأيام، فلربما يكون قد تزوج سراً أو علانية من امرأة أخرى، فلقد تغيب عن المنزل أكثر من عشرة أيام طوال هذا الشهر بحجة المسؤوليات التي تكلفه بها الدائرة، أو الواجبات الحزبية التي تُناط به في المدن التي تشكل شريطاً حدودياً مع كردستان. وقبل أن تغادر طلبتْ من خالتي أن أذهب إليها بعد العشاء وأنام هناك لأنها تخاف أن تنام وحدها بعد أن تكاثر اللصوص والقتلة بسبب الحرب التي لن تنتهي على ما يبدو. ترددتُ أول الأمر مصطنعاً عفة زائفة، لكن خالتي طمأنتني قائلة أن حسام، ولدها الكبير، كان ينام ،في بيتها على سطح المنزل وعلى سرير منفصل في أثناء غياب زوجها، ولأن إجازته الدورية قد انتهت قبل يومين وعاد إلى الجبهة، فقد طلبت منك أن تنام في منزلها هذه الليلة فقط، وربما يأتي زوجها غداً. كانت ملامحي تشي بفرح لا يصدّق، وكنت أتمنى أن أذهب الآن وليس بعد العشاء الذي أظن أن خالتي قد تأخرتْ في إعداده. عندما دلفتُ منزلها أظنها قد لمحتْ الفرح الطاغي الذي يشع من عيني، لكنني أُصبتُ بالإحباط حينما وقعت عيناي على سرير آخر أعدّته خصيصاً لي، ليس بعيداً عن سريرها الواسع الذي تحيطه ناموسية بيضاء. قالت لي: ( بإمكانك أن تتغطى بهذا الشرشف إذا دهمك برد الصباح. لم أستطع النوم، وإنما ظللتُ أتقلب في فراشي الذي كان يحدثُ أصواتاً مسموعة. أزاحتْ فتحة الناموسية، وقالت بصوت خفيض:
- إذا كنت تشعر بالبرد فتعال ونم معي على هذا السرير.
فأسرعتُ إلى القول.
- الجو ليس بارداً، وإنما هذا البرغوث اللعين هو الذي يضايقني ويلسع جسدي من كل الجهات.
دخلتُ إلى السرير غير مصدق. كانت ترتدي فستاناً أزرق خفيفاً يكشف عن كل ملامح جسدها البض الممتلئ. كلانا كان يحدق إلى سطح الناموسية التي تشف عنها النجوم البعيدة المتلألئة. فجأة انقلبت نجلاء على جنبها الأيسر تاركة لي فرصة التمعن في منعرجات جسدها الممدد على هذا الفراش الوثير الذي تستخدمه على ما يبدو في غياب زوجها فقط. حاولتُ أن أنام، فلم أتمكن. ومن يستطيع النوم في هذا الظرف شديد الحساسية؟ أدرتُ لها ظهري، ولكن أنفاسي كانت تخونني. كنت أسترق السمع لأنفاسها المتهدجة، فهي لم تستطع أن تنام أيضاً. فجأة سمعتها تبلع ريقها، فأيقنت أنها لم تنم. شعرتُ بفرح كبير. حاولتُ أن أتكلم معها، لكن شجاعتي خانتني أكثر من مرة. فليس من المعقول ألاّ نفعل شيئاً ! هل أترك الدقائق والساعات تمر بهذه البساطة من دون أن أمارس معها الحب. لم أصدق أذني عندما سمعتها تقول:لماذا لم تنم حتى الآن؟
فرددتُ بفرح لا أستطيع أن أكتمه:
- كيف لي أن أنام قرب هذا الثراء الجسدي الباذخ الذي يوقظ في داخلي دوامات من الرغبة العاتية.
قالت بصوت يقطر دلعاً ونعومة وأنوثة.
- تعال إذا كي نطفئ معاً هذه النار التي تلتهمني وتلتهمك. تعال وافعل بي ما تشاء!
تلاشتْ صورة فلاح ونجلاء من ذاكرتي، لكنني سمعتْ في الحال صوت إنسان يبلع ريقه، وهذا يعني أنه ليس نائماً إذا صدقتْ طروحات فالح وحكاياته الفنتازية مع النساء. انقلبت على جنبي الأيمن فأوشكت أن أصطدم بالحاجز المعدني الذي يطوق قبر الإمام. انزحتُ قليلاً إلى جهة اليسار. ورويداً رويداً كان النوم يسرقني من هواجسي وظنوني. وكنت أتمنى في قرارة نفسي أن ينبلج الصباح سريعاً لكي يطمئن والدي أن ما دمرته الشظية الصغيرة لا يستطيع أن يرممه الإمام. بعد مدة لم أستطع تحديدها انقلبت إلى جهة اليسار، فاصطدمت قدمي اليسرى بجسدٍ بدا لي لدناً وبضاً وسط هذه العتمة المقدسة. شعرت أن هذا الجسد البض بدأ يتحرك بحذر شديد وكأنه يريد أن يستقر في حضني، غير أن أخشى ما أخشاه هو أن يكون هذا الجسد جسد لوطي أو أعمى مأبون! تصاعدت أنفاسي، وازداد وجيب قلبي، واضطربت أعصابي حينما مسّتْ وسطي يد غير مرتبكة، تبدو وكأنها تعرف ماذا تريد؟ مددتُ يدي وجلاً فاصطدمتْ بكف ناعمة. تحسستها جيداً فاكتشفت أن بنصرها مطوّق بحلقة ذهبية. تطلعتُ بحركة دائرية متفحصاً الأجساد الهامدة فلم أرَ شيئاً، ولم أسمع سوى شخير بعض العميان والمرضى الذين يطوقون ضريح الإمام. دفعتْ مؤخرتها حتى استقرتْ في حضني تماماً، فخالطني شئ من الخوف، أو الندم، أو الانكسار، لكن نار الشهوة كانت تتقد في شراييني كلما أحس أن ثوبها كان ينحسر شيئاً فشيئاً كاشفاً عن ساقين بضين، وفخذين ممتلئين، ومؤخرة مستديرة يخيل لي أنها كانت تلمع تحت الغطاء الناعم الشفاف، احتضنتها، ثم بدأت ألهثُ لهاثاً مكتوماً حتى سقطتُ في غيبوبة اللذة. وعندما انتهيت اكتشفتُ أنها تزحف في العتمة منسلة بهدوء إلى جوار أحد النائمين قرب قدميّ. تمسكتُ بشباك الإمام، وخاطبته هامساً:
- طلبتُ منك البارحة أن تشفي عيني اليسرى التي أتلفتها الحرب،وها أنا اليوم أطلب منك أن تعمي عيني اليمنى كي تكون معجزة جديدة ربما تضيفها الذاكرة الجمعية إلى سجل المعجزات الوهمية التي بات يصدقها الناس من كثرة تردادها.
أفقتُ صباحاً فاكتشفت أن عيني اليسرى لم تُشفَ مثلما كان يحلم أبي، وأن عيني اليمنى لم تُصبْ بأذى مثلما يخشى أي إنسان عادي من سطوة الإمام. حين هممنا أن نغادر الضريح لمحتُ امرأة حسناء في الثلاثين من عمرها تقود رجلاً بديناً أعمى وتتطلع نحوي بنظرات فرحة منتشية. حاولت أن أتابعها بنظراتي لكنها توارت بين الجموع في لمح البصر.
__________________
مأساتي معاك تزيد

واتم بعيد .. وتتم بعيد
وأتم مثل الحزن ..

أنطر سحابة عيد
أجي ملهوف ..
عطش تحت المطر ملهوف
وقتي يطوف .. لوني ضايع ومخطوف

آخر تعديل بواسطة السيد عبد الرازق ، 16-08-2008 الساعة 11:44 AM.
القوس غير متصل   الرد مع إقتباس