عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 15-01-2002, 02:53 AM   #6
الصمصام
عضو مميّز
 
تاريخ التّسجيل: Mar 2001
المشاركات: 1,444
إفتراضي رسالة في ليلة التنفيذ

==========رسالة في ليلة التنفيذ===========


أبتاه مــاذا قد يخط بناني

............... والحبل والجلاد منتظرانِ؟

هذا الكتاب إليك من زنزانةٍ

.................مقرورةٍ صخريّةِ الجدرانِ

لم تبق إلا ليلةٌ أحيـا بها

................ وأحسّ أنّ ظلامها أكفانِي

ستمرُّ يا أبتاه لست أشكّ في

...............هذا وتحمل بعدها جثماني

الليل من حولي هدوءٌ قاتلٌ

..............والذكريات تمور في وجداني

ويهدّني ألمي فأنشدُ راحتي

................ في بضع آياتٍ من القرانِ

والنفس بين جوانحي شفافةٌ

...............دبّ الخشوع بها فهزّ كياني

قد عشت أؤمن بالإله ولم أذق

...................إلا أخيراً لذّة الإيمانِ

شكرا لهم أنا لا أريد طعامهم

................فليرفعوه فلست بالجوعان

هذا الطعام المرّما صنعته لي

.................أمّي ولا وضعوه فوق خوان

كلا ولم يشهده يا أبتي معي

................أخوان لي جاءاه يستبقان

مدّوا إليّ به يداً مصبوغةً

.................بدمي وهذي غاية الإحسان

والصمت يقطعه رنين سلاسلٍ

................ عبثت بهنّ أصابع السجّانِ

مـا بين آونةٍ تمـرّ وأختها

.................يرنو إليّ بمقلتي شيطانِ

من كوّةٍ بالباب يرقب صيده

..............ويعود في أمنٍ إلى الدورانِ

أنا لا أحسّ بأيّ حـقدٍ نحوه

................ماذا جنى ؟فتمسّه أضغاني

هو طيب الأخلاق مثلك يا أبي

............ لم يبدُ في ظمأٍ إلى العدوانِ

لكنّه إن نام عني لحظةً

..............ذاق العيال مرارة الحرمان

فلربما وهو المُروّعُ سحنةً

..............لو كان مثلي شاعراً لرثاني

أو عادَ من يدري ؟إلى أولاده

............... يوما وذُكّرَ صورتي لبكاني

وعلى الجدار الصلب نافذةٌ بها

............ معنى الحياة غليظة القضبانِ

قد طالما شـارفتها متأملاً

..........في الثائرين على الأسى اليقظانِ

فأرى وجوماً كالضباب مصـوِّراً

............ ما في قلوب الناس من غليانِ

نفس الشعور لدى الجميع وإن همُ

.............كتموا وكان الموت في إعلانِي

ويدور همسٌ في الجوانح ماالذي

.............بالثورة الحمقاء قد أغراني

أو لم يـكن خيراً لنفـسي أن أُرى

............. مثل الجميع أسير في إذعانِ

ما ضرني لو قد سكتُ وكلما

.............غلب الأسى بالغت في الكتمانِ

هذا دمي سيسيل يجري مطفئاً

...............ما ثار في جنبيّ من نيرانِ

وفـؤادي الموّارُ في نبضاته

................سيكفّ من غدهِ عن الخفقانِ

والظلم بـاقٍ لن يحـطم قيده

.............. موتي ولن يودي به قرباني

ويسير ركب البغي ليس يضيره

............. شاةٌ إذا اجتثت من القطعانِ

هذا حديث النفس حين تشفُ عن

............... بشريتي وتمور بعد ثواني

وتقول لي إن الحيـاة لِـغايةٍ

.............. أسمى من التصفيق للطغيانِ

أنفاسك الحرّى وإن هي أخمدت

................ ستظل تغمرُ أفقهم بدخانِ

وقروح جسمك وهو تحت سياطهم

..............قسمات صبح يتّـقـيه الجاني

دمع السجين هناك في أغـلاله

..............ودم الشهيـد هنا سيلتقيانِ

حتى إذا ما أفعمت بهما الرُبا

..............لم يبقى غير تمرد الفيضانِ

ومن العواصف ما يكون هبوبها

...............بعد الهدوء وراحة الربّانِ

إنّ احتدام النار في جوف الثرى

............... أمر يثير حفيظة البركانِ

وتتابع القـطرات يـنزل بعده

.................سيلً يليه تدفق الطوفانِ

فيموج يقتلع الطغاة مزمجراً

............. أقوى من الجبروت والسلطانِ

أنا لست أدري هل ستذكر قصتي

............ أم سوف يعروها دجى النسيانِ

أو أنني سأكون في تاريخنا

.................متآمراً أم هادمَ الأوثانِ

كل الذي أدريه أن تجرّعي

..............كأس المذلة ليس في إمكاني

لو لم أكن في دعوتي متطـّـلباً

............... غير الضياء لأُمتي لكفاني

أهوى الحياة كريمة لا قيد لا

.............. إرهاب لا استخفاف بالإنسانِ

فإذا سقطت سقطت أحمل عزّتي

............. يغلي دم الأحرارِ في شرياني

أبتاه إن طلع الصباح على الدُنى

...............وأضاء نورُ الشمس كل مكانِ

واستقبل العصفور بين غصونهِ

............... يوماً جديداً مشرق الألوانِ

وسمعت أنغام التـفائل ثرّةً

...............تجري على فم بائع الألبانِ

وأتى يدّق كـما تعوّدَ بابـنا

................. سيدّق باب السجن جلاّدانِ

وأكون بعد هنيهةٍ مـتأرجحاً

...........في الحبل مشدوداً إلى العيدانِ

ليكن عزاؤك أنّ هذا الحبلَ ما

..............صنعته في هذي الربوع يدان

نسجوه في بلدٍ يشعّ حـضارةً

...............وتضاءُ منه مشاعل العرفانِ

أو هكذا زعموا وجئ به إلى

.............بلدي الجريح على يد الأعوانِ

أنا لا أريدك أن تعيش محطـّـماً

..................في زحمة الآلام والأشجانِ

إنّ ابنك المصفودَ في أغلاله

.............قد سيق نحو الموت غير مدانِ

فاذكر حكاياتٍ بأيام الصبا

.............قد قلتها لي عن هوى الأوطانِ

وإذا سمعت نشيج أمّي في الدجى

............ تبكي شباباً ضاع في الريعانِ

وتكتّم الحسرات في أعماقها

................ألماً تواريه عن الجيرانِ

فاطـلب إليها الصـفح إنني

..............لا أبتغي منها سوى الغفرانِ

ما زال في سمعي رنين حديثها

.................ومقالها في رحمة وحنانِ

أبُنيّ إني قد غـدوت عـليلة

.............لم يبقى لي جلد على الأحزانِ

فأذق فؤادي فرحة بالبحث عن

............. بنت الحلال ودعك من عصياني

كانت لهـا أمـنيةً ريـّانةً

................ يا حسن آمالٍ لها وأمان

والآن لا أدري بأيّ جوانح

................ستبيت بعدي أم بأيّ جنان

هذا الذي سطـّـرته لك يا أبي

................بعض الذي يجري بفكرٍ عان

لكن إذا انتصر الضياءُ ومزّقت

..............بيد الجموع شريعةُ القرصانِ

فلسوف يذكرني ويُُكبر هـمّـتي

..............من كان في بلدي حليف هوان

وإلى لقاءٍ تحت ظـلّ عدالةٍ

.................قدسيةِ الأحكام والميزانِ
__________________
-----------------------------
الأصدقاء أوطانٌ صغيرة
-----------------------------
إن عـُـلـّب المـجـدُ في صفـراءَ قـد بليتْ
غــــداً ســـنلبسـهُ ثـوباً مـن الذهـــــــــبِ
إنّـي لأنـظـر للأيـّام أرقـــــــــــــــــــبـهــــا
فألمحُ اليســْــر يأتي من لظى الكــــــرَبِ


( الصـمــــــصـام )
الصمصام غير متصل   الرد مع إقتباس