عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 07-07-2010, 03:23 PM   #20
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي


المجتمع المدني والجماعة

(1)

أقام جان جاك روسو نظريته الأخلاقية عن المجتمع المدني ماداً جذورها في مفهوم الجماعة (Community)، في محاولة لتكييف الفضيلة الرومانية والنزعة الجمهورية المكيافيللية مع متطلبات انتشار الأسواق، وترسخ سلطة الأرستقراطيين والملوك. كانت نظرته للعالم بكليتها تستمد حيويتها من قضية بسيطة، ولكن معقدة، مفادها: (الإنسان خَيِّر بطبيعته، والسبب في تحوله شريراً إنما هي مؤسساته).

ربط روسو حال الفطرة بأفراد منعزلين لا أخلاقيين، وكانت لامبالاتهم بعضهم ببعض تعني أنهم لا يضرون ولا ينفعون. فالناس في حال الفطرة عاشوا لأنفسهم، ورغبوا في ما هو ضروري لحفظ ذواتهم الفردية. وإن افتقارهم الى الصلات الاجتماعية أدى بطريقة عجيبة، الى إنقاذهم.

(كان الإنسان البدائي يمشي مطوّفا في الغابات، بلا صناعة، ولا كلام، ولا مسكن، بلا حرب ولا صلات، وبلا حاجة لأقران، وبلا رغبة أيضاً في إلحاق الأذى بهم، وربما لا يدرك أبداً فردانية أي آخر، خاضعاً لانفعالاته واكتفائه الذاتي، ولتوافق مشاعره وذكائه مع حال الفطرة التي هو فيها، لم يكن يشعر بغير حاجاته الحقيقية، ولم يرَ إلا ما اعتقد بأن له مصلحة في رؤيته، ولم يحقق ذكاؤه تقدماً أكثر من خيلائه. وإذا حقق اكتشافاً ما مصادفةً، فإنه لم يكن قادراً على إيصاله، لأنه لا يميز حتى أطفاله. فمهاراته تموت بموته. لم يكن ثمة تربية ولا تقدم؛ والأجيال تتكاثر بلا نفع؛ وكل واحد يبدأ دوماً من النقطة نفسها...)*1

(2)

قال روسو قوله الشهير (يولد الإنسان حُرَاً وهو مقيد بالأغلال في كل مكان). (إذ ليس كافياً توحيد الأفراد بالقسر وبالتهديد بالقوة الغالبة... يتشكل المجتمع المدني على يد أفراد هم أحرار بالطبيعة وأخلاقيون بالقوة)*2

(سيكون هناك دوماً اختلاف كبير بين إخضاع حشود الناس وحكم مجتمع ما. وإذا استعبد فرد واحد بشراً متفرقين، مهما كثُر عددهم، فإني لا أرى غير سيِّدٍ وعبيد، ولا أرى بشراً وقائدهم. إنهم جَمْعٌ، إن شئت، وليس رابطة متحدة. ليس لهذا الجمع صالح عام، ولا هيئة سياسية. وليس ذلك الرجل، حتى لو استعبد نصف العالم، سوى فرد خاص. وليست مصلحته، المنفصلة عن مصالح الآخرين، غير مصلحة خاصة. ولو مات هذا الرجل، لغدت إمبراطوريته، منذ لحظة موته، وبلا روابط)

أراد (روسو) تقديم إجابات عن بعض المفاهيم التي انتشرت في عصر التنوير، بشكل مختلف. فلم يرضَ بمصطلح (صاحب السيادة) عند (هوبز) ولم يرض بمفهوم (الحقوق الطبيعية) عند (لوك)، ولم يقبل بأحقية (طبقة النبلاء) عند (مونتسكيو).

لقد لخص روسو موضوع الترابط الاجتماعي ب (التنازل الكلي لكل شريك، بكل ما له من حقوق الى الجماعة ككل). وعن الحرية يقول: (الشخصية الحرة لا يمكنها أن توجد إلا قرب الآخرين). فالحر يمنح نفسه طوعا (لا قسرا) للسلطة الأخلاقية.

عندما يمنح كل فردٍ نفسه للجميع، فإنه لا يمنح نفسه لأحد؛ وما دام لا يوجد امتياز لفرد على آخر، لأن الفرد يعطي الحق ذاته على نفسه وعلى الآخر، فإنه يكتسب معادل كل ما يفقده.

(3)

يناقش روسو مفهوم (الإرادة العامة General Will)، مبتعداً عن مفهوم (المصلحة العامة) و لا (حكم الأغلبية) و لا (السلطة الملكية) وكلها دلالات عن الصالح العام، لكن الإرادة العامة هي توفر الصلة الأخلاقية بين الفرد والجماعة.

ليس هدف العقد الاجتماعي لدى روسو أن يحافظ على الإنسان الطبيعي، بل كان يتوخى أن ينتزعه من حال الفطرة ليجعله بشراً كامل الإنسانية. ويستلزم (العقد الاجتماعي) وجود جماعة تنظمها الإرادة العامة؛ لأن صالح الكل يتيح لكل فرد أن يحقق أعمق أهدافه وأصدقها. والتوجه الشامل هو وحده الكفيل بتمكين الأفراد من تنظيم مصالحهم الخاصة المتقلبة. وإن الإرادة العامة تحمي الأفراد والجماعة من التدمير المحدود الذي ينجم عن النزعة الجزئية وسوء الظن، والتعصب، والتحامل، والإقصاء.

يهجم روسو على المصلحة الشخصية، وعلى الاستثناءات في تطبيق القوانين. (ليس من المناسب لمن يسن القوانين أن يكون هو من ينفذها، وليس مناسباً لمجموعة من البشر أن يصرفوا انتباههم عن الاعتبارات العامة ويعنون بأشياء الجزئية).

(4)

يقول روسو (كلما تشكلت الدولة على نحو أفضل، طغت الشؤون العامة على الشؤون الخاصة في عقول المواطنين. وفي مدينة حسنة الإدارة، يسارع كل شخص بالذهاب الى الجمعيات العامة. أما في ظل حكومات فاسدة، فلا أحد يرغب في أن يخطو خطوة واحدة نحوها، إذ لا مصلحة له في ما يجري فيها... إن القوانين السليمة تؤدي الى سن قوانين أفضل، أما القوانين السقيمة فتولد القوانين الأسوأ. وحالما يقول المرء ما لي وشؤون الدولة؟ تكون الدولة قد ضاعت).

في القول السابق، يرسم روسو العلاقة أو الخطوط بين الدولة ومنظمات المجتمع المدني. فعندما تعتبر الدولة (مؤسسة الحكم) أن منظمات المجتمع المدني هي منظمات تابعة لها، فإن النفاق والمداهنة ستكون هي السائدة، وسيعزف الأحرار عن ارتياد تلك المؤسسات.

وعن شرذمة الأحزاب وكثرتها ومؤسسات المجتمع المدني وكثرتها، دون أن يوحدها (إرادة عامة)، ستصبح الإرادة العامة عند كل منها محصورة في حدود تلك الكيانات، وستصبح الإرادة العامة لعموم الوطن ذات معطى ثانوي وهامشي.

كان روسو عدواً لتراتبية النظام القديم، وأعرافه وظلاميته، وكان ناقداً لتعويل زملائه، بصورة أحادية على العقل والمصلحة الفردية.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس