عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 13-03-2010, 10:27 AM   #13
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

ظهور المجتمع المدني البرجوازي


كان (آدم سميث) أول من صاغ الفهم البرجوازي للمجتمع المدني بصورة دقيقة. وسعيه الى دمج النشاط الاقتصادي وعمليات السوق في فهم وتشريح الحياة المتمدنة مَعْلَمٌ مهم في مسار تطور الفكر الحديث. فعمله الذي انصرف الى ملاحظة انحلال (المركنتلية) [ المركنتلية أو الاتجارية، هي مذهب سياسي واقتصادي ساد بين القرنين السادس عشر والثامن عشر في أوروبا، يرى أن مقدار قوة الدولة يُقاس بما في خزائنها من ذهب ومعادن نفيسة، ولا يقاس بما تنتج الدولة من سلع كما هو سائد الآن].

وقبل أن ندخل في الموضوع دعنا نلقي الضوء على الحراك الفكري والسياسي الذي كان سائداً في الفترة التي ظهر فيها آدم سميث، ونتعرف على شخصية آدم سميث.

كانت معظم دول أوروبا الغربية تعيش حالة ثورات متعددة الأشكال، رافقت التوسع الاستعماري والاستكشافات الجغرافية ونقل الذهب والمعادن من المستعمرات، وخصوصا أمريكا، كما كانت الكنيسة قد بدأت تفقد سيطرتها ومكانتها في التدخل بتنصيب الملوك والأمراء بشكل نهائي، وقد رافق هذه التغيرات حراك فكري وفلسفي سياسي واجتماعي، بدا وكأنه مساجلة، فما أن يخرج أحد المفكرين بنظرية حول الدولة أو الاقتصاد أو فيما يخص الملكيات وهياكل المجتمع المدني، حتى يظهر من يرفض تلك النظرية أو يوافق عليها مع بعض التعديل.. كان المجتمع الفكري والفلسفي منشغلاً في دراسة النظريات القديمة ومواضعتها على ما هو قائم وراهن، وكان هناك من يستنبط نظريات جديدة تستفيد من الماضي وتراعي ما حدث من تطور.

آدم سميث: (1723ـ1790) مفكر اقتصادي بريطاني، من أبرز المنظرين التاريخيين للرأسمالية، درس في جامعة غلاسكو وأكسفورد، من أشهر أعماله، (ثروة الشعوب).. رغم أن الرأسمالية تجاوزت أفكار سميث لكن أفكاره لم تفقد مكانتها التاريخية [من موسوعة السياسة/ عبد الوهاب الكيالي وآخرون/المؤسسة العربية للدراسات والنشر/الجزء الثالث/ ص239].

(1)

إن غزارة الموضوعات التي تناولها سميث تكشف الى أي مدى كان تقسيم العمل الفكري لا يزال ناقصاً. ولكن القرن الثامن عشر كان قرن رجال الاقتصاد السياسي، وكشف هيمنة علم الاقتصاد على الفروع العلمية الأخرى.

التقى جهد سميث في الهجوم على المركنتلية مع جهد الفيزيوقراطيون الفرنسيون [ جمعية ملخص أفكارها أن ثروة الأمم تأتي بشكل رئيسي من الزراعة]. وقد قال هؤلاء: (إن كل فرد يعمل من أجل الآخرين، حتى لو تخيل أنه يعمل من أجل نفسه فقط. فالنظام الاقتصادي سلس، ومتناغم، ويصحح نفسه بنفسه؛ فينتج من ذلك أنه كلما اقتربت أمة ما من تنظيم نفسها طبقاً لقوانين الطبيعة، زادت استقراراً وازدهاراً) وهؤلاء هم أصحاب الشعار الذي لا يزال ماثلاً حتى أيامنا هذه (دعه يعمل .. دعه يمر).

رغم أن سميث قد التقى مع هؤلاء في الكثير من أفكارهم، لكنه تفوق عليهم في عجزهم في تفسير معقول للرسوم الجمركية والضوابط المقيدة للأصناف، في حين أن سميث استطاع أن يأخذ باعتباره انتشار التسليع والاتجار بالأرض والعمل والأشياء النافعة الأخرى.

وقد تلخص جهد سميث في تأسيس نظرية عن المجتمع المدني تقوم على النشاط الاقتصادي المدفوع بالمصلحة الذاتية والمسند من طرف دولة فاعلة ومؤيدة.

(2)

يرى سميث أن (المجتمع المدني شبكة من الاعتماد المتبادل تنظمها السوق. وإن ما تنقله هذه الشبكة من عمل يقتضي معنى حديثاً دقيقاً للحرية الفردية، ينبغي ألا تكون هناك تقييدات اعتباطية تحول دون أن يزاول أي فرد ما يختاره من عمل)

ويقول في مجال الملكية الفردية (إن ملكية كل فرد لعمله الخاص، باعتبارها الأساس الأصلي لكل ملكية أخرى، مقدسة ومحرمة على أي انتهاك. ويكمن ميراث الفقير في قوة يديه وبراعتهما؛ وإن منعه من استخدام قوته وبراعته بالطريقة التي يعتقد أنها مناسبة من دون إلحاق الحيف بجاره، هو انتهاك سافر لهذه الملكية بالغة القداسة).

فالمجتمع المدني في نظر سميث يشكله تقسيم العمل وتنظمه الأسواق وهو الذي يحيل التبادلات الطوعية بين الأفراد الأحرار الى جوهر حياة متحضرة كلياً.

وعناصر الإنتاج في نظره هي: الأرض، والعمل، ورأس المال. وتؤدي الى ثلاثة أشكال من المكافئات: الريع، والأجور، والأرباح.

(3)

لم يعلق سميث كثيراً على الجانب الأخلاقي، كما فعل من سبقوه، فهو لا يتوقع تشكيل نظام اجتماعي متين بالاعتماد على إحساس فطري بالرفقة أو الأخلاقية، فلا أحد يتوقع أن يحصل على عشائه من مطعم بشكل صدقة ولا على قطعة لحم من جزار، ولا رغيف خبز من خباز مجاناً، إن كل هؤلاء يبحثون عن مصالحهم الذاتية، فلا يجب التوجه الى إنسانيتهم إنما لحبهم لذواتهم، ولا يجب التكلم معهم على ضرورياتنا وإنما لفوائدهم.

لقد كانت النظريات التي سبقت سميث تفترض أن السوق هي التي تنظم ذاتها بذاتها وهي المحرك الدائم للتقدم والازدهار الاقتصاديين. لقد وافق سميث هذه المقولة وزاد عليها لينجز مهمته في تأسيس المجتمع المدني على (نزوع ) إنساني أساسي (نحو التعامل، والمقايضة، والتبادل).

وفي ما يتعلق بالإسراف، أي المبدأ الذي يحض على الإنفاق [نهج متبع في اليابان الآن]، فهو ولعٌ بمتعة حاضرة، هي عموماً مؤقتة وعرضية فقط، على الرغم من أنها أحياناً عنيفة ومن الصعب جداً كبحها. أما المبدأ الذي يحض على الادخار فهو الرغبة في تحسين حالنا، وعلى الرغم من أنها رغبة ساكنة وهادئة عموماً، فهي تصاحبنا منذ ولادتنا ولا تفارقنا إلا بموتنا.

إن عدم الرضا بالحاضر يقف وراء (الرغبة في تحسين حالنا) وعدم الرضا هذا هو السمة الدائمة للحياة الإنسانية. فهو أمر طبيعي لدى البشر.

(4)

إن نظرية النتائج غير المقصودة مكنت سميث من تجسيد الهوة القائمة بين الحافز الفردي والنتائج المنهجية. فالعقل لا يؤدي أي دور في تنظيم الحياة الاجتماعية أو الموازنة بين المصلحة الفردية والصالح العام، أو بين الشهوة الخاصة والرفاه العام.

إن كل فرد يجهد نفسه باستمرار كيما يجد الاستخدام الأكثر ربحاً لأي رأسمال يستطيع أن يديره. فما يدور في ذهنه هو منفعته الخاصة وليس في الحقيقة منفعة المجتمع. ولكن معرفته لمنفعته تقوده بشكل طبيعي، أو بالضرورة، الى تفضيل الاستخدام الأكثر نفعاً للمجتمع.

في الحقيقة أن الفرد بشكل عام، لا يقصد تشجيع المصلحة العامة، ولا يعرف مقدار تشجيعه لها. وبتفضيله دعم الصناعة المحلية على الصناعة الأجنبية يقصد أمانه الخاص فقط؛ فهو يعلم بالفطرة كيف يكون مردود ذلك على كيانه الشخصي ضمن مجتمعه.

ويُعرف سميث على نطاق واسع بأنه مُنظر (اليد اللامرئية) والسوق التي تصحح ذاتها بذاتها.

(5)

يتطرق سميث لواجبات الدولة تجاه المجتمع المدني ويحددها بثلاث واجبات: الأولى أن تحمي المجتمع المدني من الخطر الخارجي، وهذا يقتضي جيشاً، كما يقتضي رفع الحيف عن المواطن بوضع نظام قانوني عادل يراقبه الشعب من خلال مؤسسات متينة. والثانية: إحساس أصحاب الملكية بالأمان، وعدم تكييف القوانين للدفاع عن الأغنياء ضد الفقراء الذين لا يملكون شيئاً. والواجب الثالث: هو إقامة وصيانة المؤسسات العامة والأشغال العامة.

في أغلب البلدان، نجد أن الدخل الحكومي كله، أو تقريباً كله، يُنفق لديمومة أيدٍ غير منتجة، وهذا يهدد في انهيار الدول والمجتمعات.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس