عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 07-03-2021, 07:42 AM   #3
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 5,907
إفتراضي

قال ابن القيم ( ومن علم العصفورة إذا سقط فرخها أن تستغيث فلا يبقى عصفور بجوارها حتى يجيء فيطيرون حول الفرخ ويحركونه بأفعالهم ويحدثون له قوة وهمة وحركة حتى يطير ) وقد تقدم بيان أن الطيور أمة من الأمم كما في قوله تعالى { وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون } ، فأنت يا من تحبس طائرا في قفص تتمتع بزعمك بصوته وشكله الحسن ، وربما أنه يشكوك إلى ربه وخالقه الذي أعطاه جناحين يطير بهما في فضاء وأنت عطلت جناحيه بحبسك إياه واستمتاعك بصوته الحسن وشكله الجميل ، فهو مثل المعوق الذي لا تحمله أقدامه ، بل يزيد عليه بحبسه ؛ وتأمل إن كنت تخاف الحساب يوم القيامة قوله تعالى { ثم إلى ربهم يحشرون } وقد جاء عن أبي الدرداء أنه قال ( تجيء العصافير يوم القيامة تتعلق بالعبد الذي كان يحبسها في القفص عن طلب أرزاقها وتقول " يا رب هذا عذبني في الدنيا " "
الاستدلال بالآبة السابقة كلام فى غير محله فهى لا تتحدث عن حبس الطيور أو غيرها وإنما تتحدث عن قدره الله ومن ثم فلا صلة لها بالموضوع وأما الرواية المنسوبة لأبى الدرداء فلا تصح لأن كل فرد يأتى وخيدا يوم القيامة ليس معه شىء أى متعلق به شىء كما قال تعالى " ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم"
ثم نقل مقولا فى حرمة حبس الطيور من بطون الكتب قال:
"ولذلك منع ابن عقيل حبس الطير في القفص وجعله سفها وتعذيبا حيث قال حينما سئل عن حبسها لطيب نغمتها ( سفه وبطر ، يكفينا أن نقدم على ذبحها للأكل فحسب ، لأن الهواتف من الحمام ربما هتفت نياحة على الطيران وذكر فراخها، أفيحسن بعاقل أن يعذب حيا ليترنم فيلتذ بنياحته فقد منع من هذا أصحابنا وسموه سفها )
وقال - أيضا - ( نحن نكره حبسه للتربية لما فيه من السفه , لأنه يطرب بصوت حيوان صوته حنين إلى الطيران وتأسف على التخلي في الفضاء ) وقال ابن مفلح ( فأما حبس المترنمات من الأطيار كالقماري والبلابل لترنمها في الأقفاص فقد كرهه أصحابنا لأنه ليس من الحاجات إليه ، لكنه من البطر والأشر ورقيق العيش ، وحبسها تعذيب ) وفي كلام ابن عقيل وابن مفلح وغيرهم مما ذكرناه هنا رد على من أجاز حبس الطيور في الأقفاص إذا كان حابسها يقوم بتوفير أكلها وشربها ؛ وقد تبين مرارا أن العلة في عدم جواز حبس الطيور في الأقفاص ليست فقط بمنعها المأكل والمشرب وإنما الحبس لأنه ظلم وعذاب وعليه فتأمل رحمة النبي (ص)بمثل هذه الطيور ، فقد جاء في الحديث الصحيح عن عبد الله بن مسعود أنه قال كنا مع رسول الله (ص)في سفر فانطلق لحاجته ، فرأينا " حمرة " معها فرخان ، فأخذنا فرخيها ، فجاءت الحمرة فجعلت تفرش ، فجاء النبي (ص)فقال ( من فجع هذه بولدها ؟! ، ردوا ولدها إليها ) تأمل قوله (ص) ( فجع ) تعلم أن هذه الطيور تتألم حتى وصف (ص)هذه الحمرة بأنها ( مفجوعة ) ! ، وإذا كان الأمر كذلك فألا تفجع بحبسها ؟! ، وما مصلحة فاجعها ؟! ، إنه التسلي بحزنها ونواحها ! ؛ فلعل من كان غافلا أن يتنبه وقال الحافظ المحدث أبو نعيم حدثنا سليمان بن أحمد الطبراني - وهو صاحب المعاجم الحديثية الثلاثة المعروفة - ، حدثنا علي بن عبد العزيز ، حدثنا عارم أبو النعمان قال أتبت « أبا منصور » أعوده فقال لي بات سفيان الثوري في هذا البيت وكان ههنا بلبل لابني ؛ فقال ( ما بال هذا الطير محبوس ، لو خلي عنه ؟! ) فقلت هو لابني وهو يهبه لك قال فقال ( لا ولكني أعطيه دينارا ) قال فأخذه فخلى عنه فكان يذهب فيرعى فيجيء بالعشى فيكون في ناحية البيت فلما مات سفيان تبع جنازته فكان يضطرب على قبره ، ثم اختلف بعد ذلك ليالي إلى قبره فكان ربما بات عليه وربما رجع إلى البيت ، ثم وجدوه ميتا عند قبره فدفن معه في القبر أو إلى جنبه فتأمل قول سفيان ( ما بال هذا الطير محبوس ، لو خلي عنه ؟! ) ، فلم يذكر الرزق وإنما ذكر الحبس فقط لأنه عذاب ، ثم إنه اشتراه وأطلقه ، ثم حصل هذا الأمر العجيب الذي فعله هذا الطائر !

وما أحسن كلام السفاريني في ذلك حيث قال ( لا يخفى على عاقل أن كثرة ترنم الطيور على تذكرها إلفها من الأماكن الشاسعة ، والأغذية الناصعة ، والقرين المصافي ، والماء العذب الصافي ، والإطلاق الرحيب ، ومخالطة الحبيب ، مع الوكر المشتهى لديها ، والأغصان والعكوف عليها ويعجبني من ذلك أن أعرابيا حبس في قلعة " جلق " المحروسة فضاق به الخناق ، وبلغت منه الروح التراق ، فدخلت عليه عند المحابيس - وكان في الحبس اثنان من « الديرة » - فقال لي الأعرابي " يا سيدي أنا أقول قاتل الله حابس الطير في الأقفاص ، فإنه لشجوه وغرمه يترنم والحابس له بشجوه وعذابه وبلباله يتنعم ، ولو عرف ما في جوفه من اللهيب الناشئ عن فراق الإلف الحبيب والمكان الرحيب لكان إلى البكا والوصب أقرب منه إلى التنعم والطرب ، ولكن هان على الخلي ما يلقى الملي " فقلت له ومن أين عرفت أنت هذا ؟! ؛ فقال " قسته على نفسي ، وشبهت حبسه بحبسي ، بجامع أن كلا منا نشأ في الفلاة الواسعة ، والأقطار الشاسعة "
فانظر حال هذا الأعرابي مع جفائه وغباوته ، وعدم مخالطته لذوي العلوم وقلة درايته ، كيف أدرك هذا المدرك ، تجده قد أصاب في قياسه وأدرك ؛ والله تعالى أعلم )
ومما سبق انتهى الرجل لحرمة حبس الطيور فى الأقفاص ومما ينبغى قوله التالى :
الأول هناك فارق بين طيور التربية للأكل وما يسمونها طيور الزينة فحبس طيور الزينة حرام وأما اسكان طيور التربية فى أماكن التربية والتى هى أماكن واسعة وبها ملاعب للطيور أى برك مياه أو عبارة عن مكان للمبيت وفى الصباح تطلق فى مساحة كبيرة للكل والشرب والحركة فهذا ليس من ضمن المحرم زد على هذا أن طيور التربية كالدواجن والبط والإوز لا تطير فى جو السماء وأما ما يسمونه طيور الزينة فتطير فى جو السماء
ومن ثم أباح الله امساك الله طيور التربية فى أماكن وحرم حبس الطيور التى تطير فى جو السماء وهو ما جاء فى قوله تعالى "ألم يروا إلى الطير مسخرات فى جو السماء ما يمسكهن إلا الله"
فوجود الطير فى الجو دليل على عدم الحبس
الثانى حرمة استيراد الطيور من بلاد أخرى لأن الله خلق كل شىء لوظائف فى المنطقة التى يتواجد بها فإن نقل منها أو قضى عليه فسدت البيئة
الثالث حرمة بيع الطيور التى لا تؤكل لعدم وجود فائدة ظاهرة منها للإنسان وكما قلت إن الله خلقها لفائدة تقوم بها فى منطقة تواجدها والمنطقة تفقد هذه الفائدة بسبب هذا الصيد والبيع ومن ثم تفسد لأن التوازن يختل بها لأن الإنسان أفقدها المقدار الإلهى الذى قال فيه " وكل شىء عنده بمقدار"
الرابع ظهور ظاهرة حبس الطير فى الأقفاص هو من ضمن الترف الذى يوجب نزول العذاب على المترفين وهو عذاب متنوع قد لا يعرفون به ولكنه يأتى فى صور متعددة قد يعلمون بها او لا يعلمون
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس