عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 27-06-2010, 12:53 PM   #59
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الفصل الثامن والأربعون: صورة الذات وصورة الآخر في الخطاب الروائي العربي: تحليل سوسيولوجي لرواية (محاولة للخروج) ..

تقديم: فتحي أبو العينين ..أستاذ في جامعة عين شمس ـ القاهرة

الصفحات (811ـ834)

كان للحملة الفرنسية على مصر (1798ـ 1801) وجهان: أحدهما يعبر عن العقل والإنجازات الحضارية القائمة على المعرفة العلمية، والآخر لا عقلي يقوم على الرغبة في السيطرة على الشعوب الأخرى. ومثلما كشفت الحملة عن حالة التخلف والضعف التي تعيشها مجتمعات الشرق العربي، فإنها جسدت لحظة مهمة من لحظات المواجهة مع الغرب أنتجت لدى ال (نحن) العربية صوراً ملتبسة ومعقدة عن الآخر/الغرب، اختلط فيها البعد السياسي بالبعد الثقافي، وأخذت هذه الصور تتأسس في وعي المثقفين العرب من رواد النهضة الحديثة.

يستعرض الباحث الروايات العربية التي يبرز فيها الآخر بالطريقة التي قدم لها الباحث، فيذكر رواية أديب/طه حسين 1935، ويذكر عصفور من الشرق/توفيق الحكيم، ويذكر قنديل أم هاشم/ يحيى حقي 1944، ويذكر الحي اللاتيني/سهيل إدريس 1954، ثم يذكر موسم الهجرة الى الشمال/الطيب صالح.

وينظر الباحث الى هزيمة عام 1967 على أنها تشكل الخط الفاصل بين ما قبل ذلك التاريخ وما بعده، فلم يعد البطل هو ذلك الطالب المسافر بل ذلك المثقف والمناضل المهزوم في وطنه أو المنفي عنه، فيتراجع في الرواية العربية طابع السياحة والاندهاش، وتدخل مكانها أحاسيس الحرب والحب والأخلاق والتجريب في هيكلة الرواية بشكل مختلف.

محاولة للخروج: صورة الذات وصورة الآخر

بعد استعراض الباحث لنشاطات الروائيين العرب، توقف عند رواية (محاولة للخروج) للروائي المصري عبد الحكيم قاسم، التي صدرت عن الهيئة المصرية للكتاب في عام 1987.

وفي حديث الباحث عن عناصر بناء الرواية، يتطرق للعنوان الذي تكمن أهميته في أن يكون تكثيفاً للدلالة العامة للعمل ككل. ويبدو البطل/الراوي شاباً مأزوماً محاصراً بعوامل إحباط داخلية على مستوى المشاعر والوجدانيات، وخارجية على مستوى الجميع.

يطالعنا بطل الرواية في مستهلها (أصبحت في الثلاثين ولم أنجز بعد شيئاً، مع أنني كنت دائماً مفعم القلب بالرغبات العظيمة، ولم أقعد أبداً راكداً في ظل جدار، وكل ليالي العمر لم أنم إلا قليلاً) [ صفحة5]. وبأول ملمح لصورة الذات الجماعية (نحن): (الصحاب أجدبت فروات رؤوسهم وحلقت على أطلال ملامح وجوههم الكآبة... والنساء ذابلات العيون مولولات) ويضيف (شرفات المقاهي صاخبة بضجة لا تخترقها فجوة واحدة منصتة، الكراسي قائمة في توتر هندسي صلب عدائي، وغرف البيوت خانقة والحيطان متسخة مزينة بسوقية خالية من البهجة... والسلالم عالية متربة، تصعد الى أبواب ساخنة صامتة).

وفي نهاية الاستهلال يعلمنا الراوي أنه يتعلم الفرنسية على يدي (إيفلين) السويسرية زوجة أحد أصدقائه. ونحن لا نجد في الرواية موضوعاً أو حبكة روائية بالمعنى التقليدي. فالمحكي هنا هو تجربة خاصة، يشحذ المؤلف أدواته الفنية لطرحها روائياً، ولا تستغرق في الزمن الداخلي للرواية سوى أيام معدودة.

تبدأ التجربة بذهاب البطل الى (سقارة) فتقدمه (إيفلين) في العربة السياحية على أنه (كاتب قصة) فيلفت انتباهه فتاتان يجلس أمامهما، واحدة اسمها (إليزابيث)، تبدي في الطريق ملاحظة على قذارة بيوت القرية التي اخترقوها في طريقهم، فيبادر: أن هناك قرى بيوتها أكثر قذارة!

كان يجتهد ليبقى قريباً من (إليزابيث)، وحاول ثلاث مرات أن يقبلها، بين كل مرة وأخرى عدة ساعات، فكانت تتمنع وتستهجن سلوكه، وبعد أن يصطحبها لقريته والتجوال في القاهرة، تسلم نفسها له. كان ذلك قبل عودتها لبلادها بليلة واحدة، فتحولت تلك الليلة لدى الراوي على أنها تاريخ أو بداية لتأسيس تاريخ يجعل الراوي يحلق عالياً في مفاهيم (النظافة والشرف والعدالة) فيصوغ روايته بتجلٍ واضح، ويركز في الكتابة على (أنا) بقصدٍ واضح.

يختار الراوي تاريخ يوم هو 16/7/1966، الذي تبلغه المدرسة التي يتعلم فيها الفرنسية، ولليوم دلالة واضحة في الرواية، حيث فترة الستينات من القرن الماضي كانت فيها مصر تشهد تناقضات حادة أتعبت وعي المثقفين، وبخاصة الشباب منهم الذين عاشوا متطلعين الى آفاق جديدة للحياة وللفكر وللثقافة، لكنهم اكتشفوا بُعد الشقة بينهم وبين ما يطمحون إليه، وراعهم حجم الفجوة التي بنوا عليها آمالهم، والممارسات الفعلية لأجهزة الدولة البيروقراطية، ولبعض الفئات التي اتخذت من الشعارات الثورية ستاراً لتحقيق أهداف وميزات خاصة، ولتفريغ تلك الشعارات من مضمونها.

كانت أمكنة الرواية تدور بين المواقع الأثرية والقاهرة وقرية البطل. وكانت الشخوص تتمثل بالسياح والمواطنين ورموز الثقافة والدولة.

صورة الذات

صورة الذات الفردية (الأنا)

وهي صورة البطل/الراوي، شاب في الثلاثينيات من عمره، من أصل ريفي، درس في مدارس القرية ومدينة (طنطا) وفي الجامعة، يعيش في القاهرة مع شقيقه في غرفة (فوق السطوح). يبحث عن عمل، ويمارس كتابة القصة، ويلتقي بأصدقاء يقومون بما يقوم به من كتابات فيجلسون بالمقاهي ويحضرون الندوات.

طموحاته الثقافية لا حدود لها، يعيش حالة من الغربة واليأس وعذابات النفس، تكاد صلاته بالعالم الخارجي أن تكون مقطوعة. طموحاته المخفقة ووعيه الشقي تضفي على حالته المعنوية قدراً هائلاً من الكدر يلازمه، وهو نفسه يعرف ذلك، فهو يقول (إنني أفكر بغددي لا بدماغي)، وفي تبريراته لليزابيث عندما كانت تنهره في محاولته لتقبيلها ( إنكِ تفهمين الناس من خلال مسلمات حمقاء، الإنسان ليس آلة مضبوطة على قواعد أخلاقية ثابتة، هل يجب أن نفهم كل الأشياء ونعللها تعليلاً صحيحاً) وفي المرة الثانية (لم أرد إيذائك... لست بشعاً الى هذا الحد).

صورة الذات الجماعية (النحن)

لا تتشكل صورة الذات الجماعية من مكون واحد في الرواية، بل من عدة مكونات أو صور فرعية.

فصورة المثقفين الشبان من أصدقاء الراوي، شركاؤه في الإحباط والضياع، وشركاؤه المشدودون لعالم الفن والأدب. فصديقه ابن النوبة الذي يقول للراوي بحضور إليزابيث (بُص.. أنا ماشي حافي.. الجزمة انقطعت.. رميتها في النيل) تنظر إليه إليزابيث خائفة فيقول لها الراوي (إنه ليس مخيفاً.. إنه حزين.. كلنا حزانى.. بشكل أو آخر).

صورة أهل القرية التي ينتمي لها الراوي فيقول لليزابيث عنهم (ناس أعرفهم دون تبادل، بعيوني أحس ملمس أيديهم ورائحة ثيابهم).

صورة مصر والمصريين عموماً، شخوصها تتراوح من رموز السلطة، الذين يمثلون الصلاح ويمارسون اللصوصية، وصورة الكادحين النشطين الذين يبنون السد العالي.

صورة الآخر

في رواية (محاولة للخروج) تغيب صورة الغرب السياسي، أي الغرب الاستعماري الذي قاست منه دول الشرق العربي. والصورة المتجلية في الرواية هي صورة الغرب الحضاري الذي ترمز له (إليزابيث السويسرية)، وربما اختار الراوي جنسيتها السويسرية ليتجنب الحديث عن بريطانيا أو فرنسا اللتان لهما علاقة استعمارية واضحة.

في تصوير (إليزابيث) يصورها الراوي على أنها ليست صارخة الجمال كما يتصور العرب بنات الغرب، (فمها كبير وشفتاها مرهفتان جافتان عاريتان من الطلاء، وحينما تبتسم تبدو أسنانها مصفرة من التدخين). يريد قول أنه لم ينخدع بالجمال بل شده عامل التحضر.

ثم يفرح كثيراً الراوي عندما تبلغه (إليزابيث) أنها ابنة لفلاح سويسري وهي تعيش في الريف، فيعتمد ذلك العامل كداعم لدوافعه للتقرب منها، وهذا ما شجعه لدعوتها لزيارة قريته (ستحبينها جداً... نحن فقراء... متخلفون لكن سوف تجدين أشياء لطيفة).



__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس