عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 25-03-2010, 10:42 PM   #52
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الفصل الثاني والأربعون: الآخر العربي والآخر الفلسطيني في نظر الفلسطينيين في إسرائيل ..

تقديم: عزيز حيدر .. أستاذ بجامعة بير زيت ـ فلسطين
الصفحات من (699ـ 726) من الكتاب
مقدمة:

حازت قضية العلاقة بين اليهود والفلسطينيين في إسرائيل اهتمام عدد كبير من الباحثين، ولا سيما الإسرائيليين. ولكن الاهتمام بصورة الآخر لم يكن بارزاً في هذه الدراسات حتى أواسط السبعينات. وحتى بعد هذا التاريخ تمكن ملاحظة تركيز الأبحاث على صورة الفلسطيني في نظر الإسرائيلي. إلا أن صورة الإسرائيلي في نظر الفلسطينيين (الذين يعيشون في فلسطين 1948) لم تزل نادرة.

ولأن الوضع معقد جداً داخل المجتمع الفلسطيني في إسرائيل، فإن الباحث يناقش قضية حساسة جداً يتناول فيها مسائل تتعلق بالهوية والمواطنة وغيرها. قسم يتعلق في نظرة الفلسطيني لتأخر الحال السياسي في الدول العربية، وقسم يتعلق بالمكاسب التي تحققها مواطنة الفلسطيني داخل الأرض المحتلة الخ.

أولاً: الهوية الجماعية وصورة الآخر

أثبتت التطورات التاريخية، خصوصا بعد الحرب العالمية الثانية، أن الانتماء القومي والإثني والديني يعتبر من أقوى الانتماءات وأكثرها صموداً، ولذلك فإن فكرة انصهار هذه الجماعات في بوتقة واحدة وهوية واحدة أثبتت فشلها في جميع أنواع الأنظمة السياسية ـ الاجتماعية المعاصرة.

إن الانتماء الى جماعة محددة يعني ضمناً وجود جماعات أخرى، أي أن وجود هوية جماعية معينة لا يمكن إلا بوجود هويات أخرى. وهذه الحقيقة تؤكد أهمية الحدود بين الجماعات، وبخاصة تلك التي تتشكل على الأسس نفسها (قومي، اثني، ديني، عرقي...الخ).

فالفرد يعرف نفسه بطريقة تضعه داخل حدود جماعة معينة، وهو بذلك يكون قد أعلن من (لا يكون)، أي الى أي جماعة لا ينتمي. لهذا السبب تكتسب دراسة هذه الحدود أهمية خاصة.

ديناميات الهوية والانتم

تتعين الحدود بين الجماعات بواسطة العناصر الموضوعية التي تميزها بعضها من بعض (البيولوجي والبنيوي والثقافي) والاعتراف المتبادل بهذا التميز. وينتج من تعريفنا للحدود الفاصلة بين الجماعات بأنها حدود اجتماعية، فإن تلك الحدود تقوى وتضعف بحسب السياق السياسي ـ الاجتماعي. لا بل هناك من يعتقد أن الفرد يمكن أن يغير هويته، أو أنه يمكن أن ينتمي الى عدد من الهويات في نفس الوقت، وذلك من منطلق أن الناس يكيفون أفعالهم بحسب السياق والظروف.

نحن نعتقد أن هذه الآراء القائلة بالمبالغة في التأكيد على مرونة الحدود وإمكانية الخيار بين بدائل للاعتبارات التالية:

أ ـ إن التغير الثقافي ليس كافياً لتغيير الانتماءات، وخصوصا على مستوى الجماعات، والتاريخ حافل بالأمثلة الكثيرة.

ب ـ يصطدم تحويل الانتماء القومي أو الاثني عادة بالقيود البنيوية التي تنتج من سياسة النظام السياسي وتؤدي الى قيام حدود اجتماعية صلبة ثابتة أو شبه ثابتة وخصوصاً في حالات الصراع.

ج ـ إن تحويل انتماء الفرد لا يعتمد على رغبته وقراراته فقط، وإنما يعتمد أيضاً على (الآخر)، أي الجماعة التي يرغب في الانتماء إليها. ففي حالات كثيرة (تغلق) الجماعة نفسها أمام محاولات الانتقال والانتساب إليها، إما بسبب خوفها على ضياع هويتها الخاصة المميزة، وإما من أجل المحافظة على امتيازات خاصة في توزيع موارد المجتمع.

د ـ يثبت التاريخ أن الهوية القومية والإثنية قادرتان على المراوغة والتملص من الضغوط، وأنهما قابلتان للصمود والاستمرار على المدى البعيد.

ثانياً: هوية الفلسطينيين في إسرائيل

تشكلت هوية العرب في إسرائيل من عدد من الأبعاد والعناصر التي اندمجت لتنتج ذاتاً جماعية واحدة. ولكن بروز هذه الأبعاد والعناصر اختلفت من فترة الى أخرى. فالهوية المحلية التي تعكس البعد الأول (الاجتماعي) والتفاعل على مدى الأجيال كانت هي الأقوى من الهويات الأخرى. وكان هناك بعد آخر ديني ـ طائفي اختلفت قوته من فئة الى أخرى، ومن منطقة الى أخرى. أما البعد الثالث في الهوية فكان الفلسطيني والذي عكس البعد السياسي ـ الوطني، ولكنه لم يكن قوياً بالذات في الأقلية العربية التي كان معظمها بعيداً عن المركز السياسي ـ الاجتماعي الفلسطيني في المدن الرئيسية. والبعد الرابع كان الانتماء العربي الذي ينعكس في الثقافة العربية المشتركة مع الشعوب العربية والذي يبرز فيه عنصر اللغة.

وبعد قيام دولة إسرائيل، والسياسات التي مارستها تجاه العرب أسهمت إسهاماً كبيراً في إبراز تميز العرب من الأكثرية اليهودية لأنها حددت مكانة الأقلية العربية كجماعة مرفوضة وهامشية على المستوى الرسمي والشعبي على النحو التالي:

1ـ تميز العرب على مستوى التعامل الرسمي وتعريفهم بمصطلحات مثل (غير اليهود) و (أقليات) و (مسلمون) و (مسيحيون) و (دروز) و (بدو) و (الوسط العربي). وقد تم التمييز بين العرب واليهود حتى في بطاقة الهوية الشخصية. بذلك تكون الدولة قد أجبرت الأفراد على الانتماء الجماعي قسراً.

2ـ التمييز في توزيع موارد الدولة، ضد العرب كأفراد وجماعة، مما سبب قلة فرص الحراك الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.

3ـ استخدام أجهزة حكم وأنظمة وقوانين خاصة بالعرب، مثل جهاز الحكم العسكري وأنظمة الطوارئ وعزلهم بواسطة قوانين أخرى مثل قانون العودة وقانون الطوائف وغيرهما.

4ـ عزل العرب مؤسسياً بواسطة جهاز تعليم خاص بهم وفصل وسائل الإعلام والمنظمات الطوعية والتنظيمات السياسية والاجتماعية.

5ـ ساهمت في تعميق الفجوة والبعد سياسة العزل الجغرافي والاجتماعي التي أدت الى تقوقع العرب وعزلتهم في أماكن سكناهم.

تبلور الهوية وتحول الانطباعات بعد عام 1967

خلقت حرب 1967 أوضاعاً سياسية واجتماعية واقتصادية مختلفة تماماً عن الأوضاع التي سادت قبلها وأنتجت مؤثرات جديدة في تبلور الهوية الجماعية:

أ ـ تطورت الأوضاع الاقتصادية وارتفع مستوى التعليم والثقافة بين الفلسطينيين في إسرائيل، مما أثر في تبلور الوعي الوطني والسياسي.

ب ـ أدى احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة الى اللقاء المتجدد بين الفلسطينيين، ومكن الذين في الداخل من الاطلاع على ثقافات وسياسات الجماعات العربية والفلسطينية خارج فلسطين 1948.

ج ـ شكلت نتائج حرب 1967 صدمة عنيفة لتصورات الفلسطينيين في إسرائيل وتوقعاتهم من البلدان العربية، وأدى ذلك الى تهاوي انتماؤهم العربي الى انتمائهم الفلسطيني.

د ـ بدأت عملية اندماج الفلسطينيين في الاقتصاد والنظام السياسي الإسرائيلي. وكانت نتيجة هذه العملية الانفتاح أكثر من السابق على المجتمع الإسرائيلي والتعرف عليه والتأثر به.

وقد كل ذلك الى تحولات يمكن اختصارها بما يلي:

أ ـ بدأ الفلسطينيون في إسرائيل يميزون بشكل حاد بين العربي والفلسطيني. فصورة العربي بدأت تغلب عليها السلبية بسبب معاملته للفلسطينيين في البلدان العربية، وبسبب عجزه ودونيته أمام إسرائيل. وعلى رغم أن هذه الصورة اختلفت قليلاً أعقاب حرب 1973، إلا أنها في جوهرها لم تختلف على المدى البعيد. ولكن هذه الحرب بالذات أدت لأول مرة الى بداية التمييز بين الأنظمة العربية والإنسان العربي.

ب ـ على مستوى العلاقات الداخلية بين الفلسطينيين، أنتج اللقاء المتجدد والتفاعل اليومي انطباعات متبادلة متوافقة أحياناً ومتناقضة في أحيان كثيرة، بحيث تحولت الصورة البسيطة السابقة الى صورة معقدة:

1ـ نظر الفلسطينيون في المناطق المحتلة عام 1967 الى فلسطينيي عام 1948 نظرة استعلاء على المستوى الوطني السياسي، واتهموهم بأنهم أقل وطنية وأقل عروبة، وقد أدت تلك النظرة الى استفزاز فلسطينيي الداخل.

2ـ في مستوى السلوكيات الشخصية، نظر فلسطينيو 1967 الى فلسطينيي 1948 نظرة سلبية جداً واتهموهم باكتساب أخلاقيات غربية وإسرائيلية.

ج ـ بدأت صورة الإسرائيلي في نظر فلسطينيي 1948 تتعقد، فهو يمثل القوي والجبار والمنتصر على أكثر من صعيد، ومن جانب آخر هو منحل لا يهتم بالأخلاق ولا بالشرف الخ.

تبلور صورة الذات ووضوح الآخر (1976ـ 1998)

شهدت هذه الفترة عملية تكامل الهوية الوطنية الفلسطينية بين فلسطينيي 1948 وفي نفس الوقت تعميق الاندماج في الحياة الاقتصادية والسياسية والثقافية في البلاد.

ولكن الظاهرة المميزة التي برزت أنه أصبح فلسطينيو 1948 يعرفون أنفسهم بأنهم عرب بالمعنى القومي والثقافي وأنهم فلسطينيون بالمعنى الوطني، وأخذوا يتفاعلون مع القضية الفلسطينية والقضايا العربية السياسية والاجتماعية والثقافية كجزء غير منفصل من خلال أشعارهم ودراساتهم ورواياتهم ويمكن تلخيص تلك المرحلة بما يلي:

أ ـ هناك شرائح واسعة بين الفلسطينيين ارتبطت مصالحها الاقتصادية بالسوق الإسرائيلي بعد سنوات طويلة من الاندماج في هذا السوق وتوثيق العلاقات الاقتصادية والاجتماعية مع الإسرائيليين.

ب ـ تأثرت فئات كبيرة من الفلسطينيين بأساليب الحياة في إسرائيل وتبنتها وانخرطت فيها، مثل الاستهلاك وقضاء وقت الفراغ الخ.

ج ـ تأثر جميع الفلسطينيين بأساليب التنظيم والعمل السياسي وحتى القيم والمعايير التي توجه السلوك في هذا المجال. وعلى الرغم من الاختلاف في أساليب التعبئة السياسية. إضافة الى أن كثير من فلسطينيي 1948 انخرطوا في الأحزاب الإسرائيلية أو أحزاب عربية أنشئت داخل إسرائيل.

د ـ إن نسبة عالية من فلسطينيي 1948 تتكلم اللغة العبرية وتتقن القراءة والكتابة وتستخدمها في الدراسة والحياة المهنية والاتصال مع الخارج.

__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس