عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 09-03-2009, 10:40 PM   #27
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

18ـ الدولة العامة والمتجانسة

(( وجود الدولة هو سبيل الله في الأرض))
.................. ج. ف. هيجل [فلسفة الحق]

يُعتبر هذا الفصل من أهم الفصول، كونه يناقش الفهم العام لمسألة الدولة، والفروق الدقيقة بين هذا الفهم بين الليبراليين والماركسيين. ويُعتبر هيجل المساحة البينية بين الفهمين. إذ يستند إلى نظرياته كل من الليبراليين والماركسيين باعتباره مفكرا مؤسسا لأفكارهم.

وإننا ونحن ننتبه الى وجه الخلاف الدقيق بين الفهمين، ندعو القارئ للاستزادة في هذا الموضوع بالاطلاع على ما كتبه المفكر العربي المغربي ( عبد الله العروي)*1 وكيفية مقاربته للفهم الذي أشار إليه هيجل مع الفهم العام الإسلامي لفكرة الدولة، وواقعها الذي تعيشه منذ مدة مأزومة في هذا الشأن، وقد نعود لكتاب العروي في عرض مستقل مستقبلا.

(1)

كانت الثورة الفرنسية في رأي هيجل هي الحدث الذي تبنى الرؤية المسيحية عن مجتمع الحرية والمساواة، وحققه هنا على الأرض. وقد خاطر العبيد السابقون بحياتهم بقيامهم بهذه الثورة، فأثبتوا أنهم تغلبوا على خوفهم من الموت الذي جعلهم في الماضي عبيداً. ثم انتقلت مبادئ الحرية والمساواة الى سائر الدول الأوروبية مع زحف جيوش نابليون الظافرة.

وكانت الدولة الديمقراطية الليبرالية الحديثة التي نشأت في أعقاب الثورة الفرنسية مجرد تجسيد للمثال المسيحي عن الحرية والمساواة العامة بين البشر. ولا يعني هذا أنها كانت محاولة لتأليه الدولة أو إضفاء طابع ميتافيزيقي عليها لا نجده في الليبرالية الأنجلوسكسونية.

الفرق بين الفهم الهيجلي والليبرالي الأنجلوسكسوني، هو أن الدولة في مفهوم الأخير كما جاء على لسان (هوبز ولوك) ممن وضعوا الدستور الأمريكي وكتبوا إعلان الاستقلال، هو ثمرة لعقد اجتماعي بين أفراد لهم حقوق طبيعية معينة، أهمها الحق في الحياة (أي في الحفاظ على الذات) أو حق السعي من أجل السعادة الذي فهمه الناس على أنه يعني الحق في الملكية الخاصة.

أما هيجل فلا تعني عنده الديمقراطية الليبرالية أنها تتيح لنا حرية كسب المال وإشباع جوانب الشهوة في نفوسنا، فالأهم والأجدر بإرضائنا في النهاية ما تتيحه هذه الديمقراطية من الاعتراف بكرامتنا.

(2)

كل المجتمعات تقريباً السابقة على الثورة الفرنسية كانت إما ملكية أو أرستقراطية، لا يُعترف فيها إلا بشخص واحد (الملك)، أو بأشخاص قليلين (الطبقة الحاكمة أو الصفوة).

لقد جاءت الثورة الفرنسية معبرة عن (روح عام 1776): التي تمثلت بالعبارة (لا لانتصار جماعة جديدة من السادة، ولا بزوغ إحساس جديد من العبودية، بل تحقيق السيادة للذات في صورة حكومة ديمقراطية).

الوطنية هي مظهر من مظاهر الرغبة في نيل الاعتراف من الآخرين. والوطني مشغول بصفة أساسية لا بالكسب المادي وإنما باعتراف الآخرين به وتحقيق كرامته. غير أن الاعتراف الذي يريده المرء ليس الاعتراف به كفرد، وإنما الاعتراف بجماعة هو عضو فيها. وبدلا من أمراء أفراد يسعون وراء المجد الشخصي، لدينا الآن أممٌ بأسرها تطالب بالاعتراف بقوميتها. هذه الأمم أثبتت استعدادها للمخاطرة بالحياة في سبيل الاعتراف بها.

(3)

يستدرك (فوكوياما) القول، فيشير الى أن الرغبة في الاعتراف القائمة على أساس من الوطنية أو العرق ليست رغبة عقلانية. فالتمييز بين الإنسان وغير الإنسان هو وحده التمييز العقلاني، فالبشر وحدهم هم الأحرار، بمعنى أنهم قادرون ـ كأفراد ـ على الصراع من أجل المنزلة الخالصة.

نجد أن التمييز بين جماعة وأخرى من البشر هو ناتج جانبي وعرضي وتحكمي للتاريخ الإنساني. ويؤدي الصراع بين الجماعات القومية من أجل الاعتراف بالكرامة الوطنية على نطاق دولي، الى نفس المأزق الذي تؤدي إليه المعركة من أجل المنزلة بين السادة والعبيد، فتصبح أمة ما سيداً وأخرى عبداً! [سنعلق على تلك الفقرة فيما بعد]

(4)

يشرح (فوكوياما) الكيفية التي تتعامل بها الليبرالية مع (الآدميين). يقول: يولد الطفل في الولايات المتحدة أو فرنسا، أو أي دولة ليبرالية أخرى، وله حقوق معينة في المواطنة، وليس من حق أحد أن يلحق الأذى بحياة ذلك الطفل سواء كان غنيا أو فقيرا، أسود أو أبيض. يحق له التملك والانتخاب وممارسة شعائره الدينية، ويحق له الترشح لكل المناصب، ويكتب بالصحف.

يستبق فوكوياما ما قد يتعرض له من انتقاد فيقول: قد يعترض متخصص في فلسفة هيجل من فوره قائلا: إن هيجل كان يعترض على مفاهيم (هوبز ولوك) والنهج الذي تقوم عليه الليبرالية الإنجلوسكسونية، والتي تمثل في نظر فوكوياما نهاية التاريخ، ويضيف قد يكون المعترض محقا إذا كان نهج الدولة الليبرالية لا يسير إلا لتحقيق مصالح القائمين عليها! [ سنربط التعليق على ذلك مع سابقه].

(5)

يختتم فوكوياما هذا الفصل بالتطرق لوظائف الدولة الليبرالية، فيقول: إن مهمة الدولة تتجلى في الاقتصاد والاعتراف. أي تنمية اقتصاد الدولة وتأمين الاعتراف بأفرادها بما يشبع (الثيموس : الكرامة، الناموس أي شيء) .

تعليق:

لا يريد فوكوياما أن يُفسد صورة العولمة التي تمثل مرحلة (ما بعد الإمبريالية) والتي باعتقاده وباعتقاد أمثاله من الأمريكان أنهم قد وصلوا إليها، أو وصلوا لقيادة العالم بها، فلا يريدون من ينغص عليهم (أمركتهم للعالم الذي يسمونه عولمة). فيعتبر النشاط الفردي مسموح فيه طالما أنه يخضع لسيطرتهم ولكنه لا يجيز لجماعات قومية أو دينية أن تعترض على نهج أمريكا (من ليس معنا فهو ضدنا ـ بوش).

لكن هذا النهج مسموح للأمريكان في اللعب به لزعزعة الدول التي لا تشاطرهم رؤيتهم، فهم يدعمون أكراد العراق بالانفصال، ولكنهم يقبضون على (عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني) ويسلمونه لأصدقائهم في تركيا.

هم يدعمون القبض على الرئيس السوداني، ومحاكمته دوليا، ولكنهم لا يطيقون انتقادهم في جرائمهم بالعراق أو جرائم ربيبتهم (إسرائيل) في غزة وفلسطين.

إنه نفس النهج الذي يتغنى به مادحا الثورة الفرنسية، والتي لم تجز ـ في مبادئها ـ احتلال أرض الغير. لكنها وبعد مضي عشرة سنوات على ولادتها قامت بغزو مصر واحتلال أرضها. وعندما كان يواجه المدافعون عن مبادئ الثورة الفرنسية بذلك، يقولون أن تلك المبادئ وضعت للفرنسيين وليس للمصريين!

هامش
*1ـ عبد الله العروي/ مفهوم الدولة/ الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي ط7
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس