عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 28-01-2008, 02:32 AM   #6
د.صالحة رحوتي
باحثة وأديبة
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2008
المشاركات: 18
إفتراضي الهم الجسدي في الأدب النسائي الحداثي

[FRAME="13 70"]الهم الجسدي لدى المرأة...مقاربة تصورية إبداعية...

و بعد محاولة جرد و تتبع الأسباب الداعية إلى احتكار الحديث عن الجسد لجل إبداعات الحداثيات، أعتقد أنه من المطلوب العمل على صياغة مقاربة ممكنة معقولة ممتوحة من القيم الربانية، و تؤدي إلى درء الغموض و إلى تسليط الضوء على هذه القضية المهمة المحور، قضية علاقة المرأة بالجسد في واقعنا التقاليدي البعيد عن الدين...

إذ الحديث عن الجسد ليس من قبيل المحرم و لا الغير مرغوب فيه كلية...فالحق الجسدي للمرأة كفله الشرع، و أيد ذلك العلم المدعو إلى اعتماد نتائجه من طرف الدين، و ليس من المطلوب إلغاؤه و تجاوزه بالكلية من طرف المرأة في إبداعاتها الأدبية، إنما المستهجن هو تكرار طرح هذا الموضوع في الكتابات النسوية، حتى أن القارئ أو المتلقي ليظن أن ما لها ـ هي الأنثى ـ انشغال إلا بتضاريس الجسد تستفتيها حول كيفية سد جوعتها...

ثم و حتى لو أن المبدعة لا تعاني فعلا من الحرمان الجسدي ذلك الموضوع المستهلك، وتصوره فقط من أجل تسليط الضوء عليه ونقده، ولكي تساهم في فضح مكنوناته أمام المجتمع من أجل علاجه، فإن في هذا الأمر هدر لطاقاتها الأدبية والفكرية، لأن للمرأة هموما أخرى أهم و أفدح تأثيرا عليها وعلى محيطها من قضية الحرمان من حق الجسد.
فأنواع متناسلة متعددة من القهر تمارس على المرأة، جور وحيف و طغيان و ينزرع الكل شوكا في دهاليز حياة النساء ليردوها أسفل سافلين... متاهة حالكة منتنة و تنتعش فيها الحيرة و الضياع...و يساق النساء إلي فضاءاتها عنفا كل آن و حين.

ثم إن الهم الجسدي لدى المرأة ليس هما قائما بذاته منبثقا من نفسه، إنما هو عبارة عن تداعيات كثيرة أشياء أخرى...
فعن طريق الغوص في حميميات النساء، و بواسطة تقصى أغوار أسرارهن الزوجية، يبدو واضحا أن الحواجز بين المرأة و بين التواصل الحميمي المشبع مع الزوج منبعه الإحساس بالظلم الممارس من طرفه تجاهها، سواء أكان ذلك الظلم متعمدا، أو حتى دون نية الإساءة لسيطرة و انحشار التقاليد.

فعدم الإشباع الحاصل لديها ليس مرجعه إلى عدم حضور جسد يقاربها، وإنما لغلالة من الأحاسيس و المشاعر تمنعها من استمراء ذلك القرب.
فبعض حقد دفين يتغلغل تدريجا مع تواتر السلوكيات المهينة لها، حتى تصبح المقاربة عبئا ترزح تحت ثقله و تمقت حدوثه و كينونته، ثم و هي لا تستطيع البوح بالإحساس بالظلم لتواطؤ الكل على تقبله و على التعايش معه، لكن و مع مرور الزمن لا بد و أن يبدو منها ما ينبئ عن استثقالها لتلك العلاقات الحميمية، فتنشأ لدى الزوج أحاسيس تجاهها يطبعها التجاهل و يداخلها الاستعلاء، ثم من بعد ذلك:

ـ فإما يستمر في استغلال الجسد لأنه "مِلكُه"، ولو أنه يعلم بعدم رضا صاحبته، تأكيدا لقوامة يراها له، و يعتقد أنها تكفل له حق التصرف فيها كلها حتى و لو كانت كارهة له.

ـ و إما يستعيض عن ذلك الجسد الغير مستمرئ للعلاقة، الغير متجاوب، بآخر منقاد يلبي رغباته، سواء في "الحلال" عن طريق التعدد، أو في الحرام بارتياد المواخير و ذلك حسب التوجه، و على قدر كَمِّ المبادئ و القيم.

و لذا فإن حل المشكلة ليس بتسليط الضوء على النتيجة وإنما على الأسباب.
إذ النتيجة ما هي إلا حصيلة تراكمات ما، هي الفاعلة الحقيقية في عملية إنتاج مشكل ما.
لكن...أو تروم الحداثيات المكرسات أدبهن للحديث عن الأجساد البحث عن حلول أو حتى التعريف بإشكاليات ما بخصوص هذا الموضوع و حوله؟؟؟

إذ لعله من العبثية بمكان أن يقال بأن الأدب ما هو إلا النقل و التصوير بهدف الإمتاع بالقالب الجميل المنمق لا غير...

ثم...لا بد و أن هذا الطرح ـ على الأقل تطبيقيا ـ متجاوز و مرفوض من طرف المبدعات النسوانيات الحداثيات، إذ هن بالرغم من أنهن يحاولن الإقناع نظريا باعتناقهن للمقولة الحداثية "الفن للفن" دون استهداف الفعالية و التغيير، إلا أنهن يُصَرِّحْن أيضا ـ و على الكثير من المنابر ـ أنهن يَرُمْنَ من وراء إنتاجاتهن الأدبية إلى إسماع صوت النساء، و إلى إظهار واقعهن المطموس و المخنوق بالمسكوت عنه عن طريق تعريته بالكتابة عنه، هو و كل ما يحيط به...

و انطلاقا إذا من إرادة التغيير هاته الكامنة و المضمنة في خطابات هؤلاء المبدعات، فإن تكرار تصوير الهم الجسدي للمرأة بمعزل عن الحديث عن الأسباب المؤدية إلى حصول ذلك الجوع، لا يغير من الأمر شيئا، بل يكرس و يُسوِّق فقط صورة المرأة "الكائن المهووس بالجنس "، تلك التي تنضح شبقا، و تتضوع خيانة، و تنثر الفتنة و المجون، صورة قدمتها ألف ليلة وليلة وكرستها التقاليد المجحفة البعيدة عن الدين.

لكن ربما تفضل "المرأة المثقفة" الأديبة الحداثية النسوانية عدم التغيير ـ عن طريق استقراء الأسباب و البحث عن حلول لها ـ أصلا، و لربما تستمرئ القيام بدور الضحية حتى تستبيح القيام بما تريد و تستحب...

مازوشية و تريد أن تظهر بها سادية الرجل...و ذلك من أجل استدامة البكاء على حاجيات جسدها. ...و أجساد بنات جنسها تلك "المتردية الصريعة بفعل الإهمال"!
مع أنه بإمكانها المطالبة بحقها الجسدي مباشرة انطلاقا من أنها أصبحت الآن "المثقفة"، و تدرك أن الدين كما العلم يسلمان لها بحق المطالبة... طبعا بوسائل أنظف و أرقى و أسمى... وليس بالابتذال و بالعنف و بالشقاق...

إذ بالإمكان حتى ـ في نهاية المطاف ـ أن تطالب بطلاتها في كتاباته الأدبية بالانسحاب من تلك المؤسسة الزوجية التي تعتبرها هي ذلك السجن...و التي لا تكفل لهن الحصول على ما يساهم في إرساء التوازن النفسي و الشعوري لديهن من حقوق، حتى تلك الجسدية منها...

فالمبدعة المثقفة تمثل النخبة الأنثوية المعول عليها في حسن تمثيل المرأة في جميع المجالات، و من ثم عليها أن تستشعر ثقل العبء الملقى على عاتقها، وأن لا تتملص منه ذلك العبء اختيارا منها لأن "تحقق" ذاتها، و ذلك عن طريق ركوب النشاز المثير للجدل و للنقاش، رغبة في الثورة على قمع طالها مطولا ومنعها من التعبير عن الذات...
فالتحدي و"تحقيق الذات" عن طريق سلوك هذا المسلك يجب أن ينشغل حوله فكر المبدعة طويلا قبل أن تمارسه، و عليها أن تستقرئ في ذهنها المثقف تداعيات ما ستقوم به عليها، و على من يرين فيها الأنموذج القائد إلى التغيير و الانعتاق.

فحين تكرس الفكر الذكوري القائل بمحدودية فكر الأنثى وطغيان الجسد على انشغالاتها، فهي و لابد ستجهض حلم المرأة ككل في أن تغير من صورة لها متوارثة، ونحتت أبعادها أيدي ظالمة متسلطة استغلت قوة الجسد منها في إحقاق الغلبة.

يتبع
[/FRAME]

آخر تعديل بواسطة السيد عبد الرازق ، 08-02-2008 الساعة 10:30 AM.
د.صالحة رحوتي غير متصل   الرد مع إقتباس