عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 13-05-2013, 03:43 PM   #3
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الميل الى الاستحواذ


الاستحواذ في اللغة هو الإحاطة بالشيء والتغلب عليه، وقد وردت في التنزيل الكريم مرة واحدة { استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون}*1.

والاستحواذ له أشكال كثيرة ودوافع كثيرة أيضاً، فأن يسعى أحد الورثة على الاستحواذ على حصص إخوته أو أخواته وإن لم يستطع يستحوذ على أكثرها وإن لم يستطع يحصل على أفضلها فهذا شكل من أشكال الاستحواذ.

والدولة تسعى للاستحواذ على أراضي دولة مجاورة أو مياهها الإقليمية أو قرارها الوطني وإن استطاعت تسعى الى ممارسة تلك السياسة حتى تستحوذ على قرارات أو مقدرات العالم، وهذه رأينا نماذجها في الإمبراطوريات القديمة، ولا نزال نراها حتى اليوم عندما يعلن ساسة أمريكا أن القرن الواحد والعشرون هو قرن الولايات المتحدة حزب رغبتهم!

والحزب يسعى للاستحواذ على سلطة الحكم في بلاد، ويعمل من أجل ذلك، ورئيس البلاد أو حاكمها يسعى لأن يكون حكمه أزلياً حتى مماته وإن مات فإنه يورثه الى من يُحب من أبنائه، ويحاول جاهداً أن يكون الحاكم هو صاحب القرار الأول والأخير ولا يناقشه أو يعارضه أحد من أعوانه..

ولا يقتصر الاستحواذ على ذلك (مادياً) فحسب، بل يسعى الى ما هو أبعد من ذلك، في الحصول على الأشياء دون ثمن، فالراغب بالاستحواذ إن استطاع أن يحصل على أراض واسعة دون ثمن أو بثمن بخس فلا يألو جهداً في ذلك، وإن استطاع أن يقهر عباداً دون أن يقدم قطرة دم من دمه أو دم أعوانه فلا يوفر ذلك (الحروب بالإنابة نموذجاً على مر التاريخ)، (واستيلاء أبناء الدائرة الضيقة المحيطة بالحكام من خلال الخصخصة وبيع معادن الدولة واستضافة النفايات السامة والتصرف بأثمانها نموذجاً).

كما أن الرغبة بإطالة عمر المستحوذ تمتد لتصبح مرافقة لصفة الميل للاستحواذ {ولتجدنهم احرص الناس على حياة ومن الذين أشركوا يود احدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون}*1

سيقول قائلٌ: إن هذا الاستحواذ لا يقتصر على الأعرابي بل يعم كل أرجاء المعمورة، فالتوريث في الحكم لا يقتصر على العرب المتأثرين بالأعراب، بل يصل الى دول شيوعية سابقة وليبرالية (نموذج كوريا الشمالية)، ونموذج الولايات المتحدة الأمريكية عندما توارث أنسباء وأولاد عائلة محدودة أهم إدارات الأمن والدفاع والاستخبارات منذ عام 1903 وحتى عام 1973*3، فنقول هذا صحيح، ولكن دوافع الاستحواذ وطرق منعه أو التخفيف من آثاره تختلف من مجتمع الى آخر.

دوافع الاستحواذ عند الأعرابي


إذا كان الدافع الأساسي للاستحواذ عند كل الشعوب وحتى الأفراد هو الانتقال من حالة التدني والتأخر والعوز الى حالة التقدم والرفاهية والعزة، أو بمعنى آخر الانتقال من إشباع المنفعة الحدية والانتقال منها الى المنفعة الرمزية ومنها الى المنفعة الإستاطيكية.

يعني إذا كانت أربعة جدران وسقف وباب تكفي صاحبها شر المتلصصين والأعداء والظروف الجوية، فإن تصميم بيت من الحجر والإسمنت ووضع الأقواس فيه على طراز (رمزي) معين، هو انتقال من المنفعة الحدية في الحالة الأولى الى الرمزية في الحالة الثانية، وإذا وضعت بعض الإضافات من قرميد ونباتات زينة وتماثيل فاخرة فهو انتقال الى حالة التفرد الخاصة (الأستياطيكية) وهكذا يتم في الطعام كقوت يكفي صاحبه للبقاء ثم الانتقال الى اللحوم والصنوبر والمطيبات الأخرى، وهذا ينطبق على اللبس ووسائل النقل من حمار وجمل الى سيارة (لادا) ومن بعدها سيارات فارهة ذات قوة حصانية عالية الخ.

الأعرابي، كان يعطش هو وحيواناته بشدة، ويجوع هو وحيواناته بشدة، فكان يرحل ويقاتل ويغزو وينهب ويموت من أجل البقاء، وكان من يقوم بذلك هو الوحيد الذي يتصف بالصفات الحسنة. كان الخوف من الجوع يدفعه لتوسيع مساحة سيادته، وحتى لو أصبح ذا مال وافر وحيوانات عديدة، فإن ذلك لن يجعله يحس بالأمان، وقد انتقلت تلك الصفات الى كثير من أبناء مجتمعنا الحالي.

المُغالبة قرينة الاستحواذ


التغليب هي الاستحواذ بالقهر والقوة الشديدة، والدولة الفلانية غلبت الأخرى أي استولت عليها بالقهر، وهي غير الفوز فالفوز هو النجاة بالأمن والخير، وقد خاطب الله تعالى عباده بلغة يفهمونها { إن ينصركم الله فلا غالب لكم }؛ {قال رجلان من الذين يخافون انعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون}؛ {وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لأجرا إن كنا نحن الغالبين}*.

واليوم نرى تلك المغالبة واضحة في حياة العرب، فقد يسأل أحدهم الآخر: بكم اشتريت هذا الغرض؟ فيقول: بكذا.. فيقول الأول: لقد غلبك! وتظهر المفاصلة في بلادنا بالبيع والشراء لتقليل الثمن دون الالتفات الى التسعيرة الرسمية وغيرها. وتظهر تلك الكلمة في عرض نتائج المباريات الرياضية: الفريق الفلاني غلب الآخر بثلاثة أهداف، وكأن المسألة محصورة بالصراع والقهر.

في حين تظهر كلمة فوز للتدليل على الانتهاء من سباق ومنافسة على فعل الخير، وقد وردت بالقرآن الكريم بهذا المعنى {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه واعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم} التوبة100


هوامش

*1ـ سورة المجادلة 19
*2ـ سورة البقرة 96
*3ـ الطبقة الحاكمة في أمريكا: تأثير الأثرياء والنافذين في دولة ديمقراطية/ ستيف فرايزر وغاري غرستل/ ترجمة: حسان البستاني/ بيروت: الدار العربية للعلوم 2006 صفحة 233 وما بعدها.
*4ـ السور حسب الترتيب: آل عمران 160؛ المائدة 23؛ الأعراف 113.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس