عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 14-10-2010, 08:54 PM   #2
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

بعد ذلك نجد الشاعر قد انتقل إلى مشهد تفصيلي للوحة والمكونات التي دخلت في تكوينها ، فمن حيث انتهى الحديث عن الانفعال المتلبس لهذا الرسام ، بدأ الانتقال بكاميرته إلى صورة اللوحة..
تحير في البدء من أين يبدأ
فأوجس في نفسه وتجرأ
أيبدأ بالرأس لا رأس بالصدر
لا صدر ، فالجسم كلّ تجزأ
أخيرًا تقمص دورًا قديمًا
وغادر مكمنه فتوضأ
وصلى صلاة المودع بيتًا
لآخر في رحم الأرض يُنشأ

وتبدأ الموازاة مرة أخرى بين الصورة المرسومة والشهاد الحقيقية الممثلة في الجسم الممزق.إن الرسام هو إنسان يحيا بالأمل دومًا ، ولا تعرف مصطلحاته معنى الموت ، لكن عندما يباغت أفكاره موت مادي ، فإن التشوش يأخذ طريقه إلى كيفية التصوير والرسم ، لذا كانت الحيرة قد اتخذت طريقها إليه، ولكن كما أن الشهيد يكمل رحلة استشهاده ملقيًا أحزانه وتخوفاته كل ظهره ، فكذلك يفعل الرسام وهو يخلع عباءة الحيرة عنه ليرسم المشهد
الأليم.الرسام الذي سمع عن هذا الشهيد مازال يحاول رسم الصورة وقد أعياه هذا الشكل ، وهنا نجد الشاعر يستخدم فكرة الانتقال في المشهد والحديث كذلك ، وينتقل من حديثه عن الرسام إلى الحديث عن هذا الشهيد ولعل الشاعر يحاول التنقل بين هذه الصور والمشاهد حتى يجعل القارئ على صلة بما يحدث للرسام ، ويقرأ سيرورة وتصاعد المشاعر المكونة لسلوكه النهائي . كان في هذا المقطع انتقال وحيد عند البيت الثالث حيث ترك الصورة الخاصة بالرسام لينقلنا إلى صورة الشهيد ..
ويقل عدد الأفعال الماضية إلى المضارعة لتكون لتكون سبعة أفعال فقط(تحير-أوجس- تجرأ-تجزأ-تقمص-توضأ-صلى) وهذا الانخفاض في الأفعال الماضية يقابله زيادة في الأفعال المضارعة ليكون المضارع فعلين هما يبدأ-يُنشأ وهذا قد يعطي الانطباع أن الماضي آخذ في التلاشي من أجل حاضر جديد يومئ الشاعر إليه والملاحظ كذلك أن الأبيات كانت عادية ليس فيها صور فنية ، ولعل مرد ذلك إلى انشغاله بحركات هذا الفدائي بما يجعله مستحوذًا على الصورة كلها مهملاً كل الجوانب المحيطة به ، على العكس من المقطع السابق الذي شهد أكثر من عنصر فرعي داخل في تكوين المشهد الكلي كالريش والتحليق والرسم ، بينما نجد الصورة كلها منصبّة على شكل الوجه ويكون هذا مبررًا منطقيًا لقلة الأفعال الماضية .والقافية ها هنا قافية الهمزة المسكّنة وهو من الحروف الحلقية التي توحي بصعوبة ولكنها أقل بكثير من حرف القاف لأن صعوبة وقع الدمار والموت أقوى من صعوبة وقع الحيرة والتوجس بما يستدعي هذه القافية الأقل صعوبة.
إذًا قبل الخوض في باقي التفاصيل نجد أننا في المقطع الأول كنا أمام انتقال وحيد على صعيد الصورة والذي بدأ بعد البيت الأول ليكون الانتقال بطريقة الاسترجاع الخلفي لصورة الانفجار المتمثل في (تخلص من جسمه) إلى (تأمل ألوانه..)وكانت الصورة - من خلال الألفاظ- معبرة عن مشهد الشهادة كليًا ، بينما كان المقطع الثاني تفصيلاً لكيفية هذه العملية وابتدائها من خلال الموازاة بين التفكير وحركة الفدائي.وهذه الانتقالة في المقطع الثاني كانت مركّبة أي أنها احتوت على شكلين : الانتقال بالصورة من الإجمال إلى التفصيل من خلال الانتقال من مشهد الشهادة كلية إلى مشهد بدء التفكير ، ثم انتقالة ثانية وهي انتقالة سردية من الحديث عن الرسام إلى الحديث عن الفدائي.
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس