عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 13-05-2020, 08:15 AM   #2
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 5,946
إفتراضي

وقل ربي زدني علما وهناك في تلك الناحية قبائل بدوية تسكن الخيام، ولها ماشية، وهي الأيائل، وهي نوع من الحيوان يشبه الظباء، إلا أنها أكبر منها، وقرونها متشعبة -كالأشجار- يحلبونها ويأكلون لحومها، وينتفعون بجلودها ولا يستطيع شيء من سائر الحيوان كالبقر والغنم أن يعيش في تلك البلاد غير الأيائل، لشدة بردها، وكثرة ثلوجها، ولتلك القبائل لباس خاص وسمعت أنهم وثنيون، لا يدينون بالنصرانية التي يدين بها أهل تلك البلاد، ولا أعلم مقدار هذا الخبر من الصحة، وليس هذا الجو خاصا بشمال النرويج، بل يعم كذلك شمالي السويد وقد علمت أن من أراد أن يشاهد الأراضي القطبية التي في شمال السويد يستطيع أن يسافر إليها بالقطار أما مدينة ناروك التي تقدم ذكرها فقد سافرنا إليها من (أوسلو)، بعض المسافة بالقطار، وبعضها بالسيارة، وكنا في كل بضع ساعات نجتاز خليجا من خلجان البحر، بمعدية، وهي باخرة كبيرة، تدخلها السيارات، فتبقى فيها نصف ساعة أو أكثر حتى تصل إلى البر، فتخرج السيارة منها وتستأنف سيرها
وقد رأيت القطار نفسه يعبر البحر في معدية بين ألمانيا الشرقية والدانمارك في مدة ساعتين وتلك المعدية الضخمة عظيمة الحجم، ذات ثلاث طبقات، يصعد إلى الطبقة العليا بالمصعد الكهربائي وهناك معدية رأيتها تستعمل بين سبتة والجزيرة الخضراء، وهي أيضا عظيمة، ولكنها دون تلك، وليس مقصودي أن أصف هذه الرحلة، لأن وصفها يحتاج إلى مؤلف مستقل، وإنما ذكرت ما تقدم استطرادا"

إلى هنا انتهى الكتاب عن الشمس فى منتصف الليل والمفارض أنه يبحث فى حكم المسألة ولكنه طرح السؤال ولم يجب وأما باقى الكتاب وهو اكثر من نصفه فهو قصيدة فى الأندلس لا علاقة بها بالمسألة وسوف نذكر جزء منها ونحذف الباقى لكون الحديث خارج عن عنوان الكتاب وفى هذا قال الهلالى :
"من وحي الأندلس قصيدة من بحر جديد:
لما مررنا بأرض الأندلس في رحلتنا إلى شمال أوروبا تذكرت أهل الأندلس المسلمين، وما كان لهم من المجد والسؤدد، فقلت هذه القصيدة، وهي من بحر جديد اخترعته وأجزاؤه أربعة: مستفعلاتكم مستفعلين مرتين له عروض واحدة صحيحة، لها ضربان، أولهما مذيل، والثاني عار عن التذييل وكل هذه التفاعيل بفتح العين ومعناها: مستخرجاتكم مستخرج أيها المسلمين، فالزموا مستخرجاتكم ولا تهملوها وقد أحدث العرب المولدون أوزانا شعرية زائدة على بحور الشعر بعد زمان العرب الأقحاح، ونظموا عليها شعرا كثيرا، ثم جاء زمان الموشحات والأزجال، فاشتغل بها العرب في الشرق والغرب، واشتملت على أدب جم ونظم بهاء الدين زهير شعرا أخترع له وزنا خاصا، وهو قوله:
يا من لعبت به شمول ما ألطف هذه الشمائل
فلا غرابة إذا اقتديت به، وألقيت دلوي في الدلاء وهذا نص القصيدة:
لما بدا لنا جمالكم أضحت قلوبنا أسرى الغرام
وانبعثت بها مودة تنمو وتزدهي على الدوام
قد طال هجركم وصدكم وما رثيتم للمستهام
ولم نزل نفي بعهدكم وما رعيتم لنا ذمام
فهل سمعتم بقاتل لمن يحبه هذا حرام
هبوا أسيركم لو نظرة صلوا عميدكم لو بالكلام
أما ترونني متيما لم تدر مقلتي أي منام
محبتي لكم عفيفة غدت بريئة من كل ذام
....وقد اطلع على هذه القصيدة الأديب الكبير العالم المحقق العبقري عبد الله كنون فأعجبته وأثنى عليها"

وبدلا من أن يكمل المسألة التى ابتداها قام بوصف ما سماه جامع قرطبة وما هو بجامع فى وقته ولا وقتنا وإنما كنيسة وفى هذا قال :
"وفي الإياب من هذه الرحلة عرجنا على قرطبة وزرنا مسجدها، فاعتراني شعور فيه روعة وإجلال وإعجاب، وحزن، لا أقدر أن أصفه بلسان ولا أظن أن شخصا له شعور إنساني يرى ذلك المسجد ولا يعتريه مثل ذلك الشعور، سواء أكان مسلما أم غير مسلم
وصف جامع قرطبة:

"من أمثال العرب: "أن الحديث لذو شجون"، وقد بدا لي أن أنقل هنا وصف مسجد قرطبة الجامع من كتاب مدينة المور في الأندلس الذي ترجمته بالعربية من أصله الإنجليزي لمؤلفه (جوزيف ماك كيب) ليرى القارئ العربي المسلم شيئا من مجد أسلافه وهذا نص ما قاله في وصف مسجد قرطبة:
"لم يبق من آثار قرطبة في القرون الوسطى إلا أثر واحد، وهو جامعها الذي لا يزال إلى اليوم، جميع أطفال قرطبة يسمونه مسجدا، ولولاه ما تجشم أحد عناء السفر لمشاهدة قرطبة، ولو كانت خمسة أميال منه، ولكن الناس من جميع أنحاء الدنيا يسافرون إليها ليشاهدوهوهو أعظم معبد في الدنيا بعد كنيسة (سنت بيترس)، وهو آية لا نظير لها من الهندسة والبناء، وظاهر هذا المسجد لا يستولي على اللب، ولم يكن المور الذين كانوا يفضلون الإقامة داخل البيوت أكثر من خارجها يعتنون كثيرا بالظاهر وأما الداخل فهناك العجائب، إذا دخلت الجامع من أي باب من أبوابه التسعة عشر يخيل إليك أنك تائه في غابة من أشجار المرمر، ففيه ثمانمائة وستون سارية من المرمر والرخام واليسر، وفيه غير ذلك ألف واثنتي عشرة سارية وفيه تسعة عشر رواقا، ينتهي كل منها بباب من الأبواب التسعة عشر، وله سقف خشبي منخفض نسبيا، وقد زخرف أحسن زخرفة بالأرجوان والذهب
وفي الأعياد الكبيرة توقد مائتان وثمانون ثريا من الفضة والنحاس، يحترق فيها الزيت والعطر، وتتلألأ فيها آلاف كثيرة من المصابيح، فتلقي أنوارها على ذلك المشهد وأكبر ثريا منها كان محيطها ثمانية وثلاثين قدما (فوت) يحمل ألفا وأربعمائة وأربعا وخمسين مصباحا، ولها مرآة تعكس النور، فيزيد شعاعه تسعة أضعاف وفيها (6000) ألف طبق من الفضة مسمرة بالذهب، ومرصعة باللؤلؤ وكان الجامع قد شيد مع مضافته في القرن الثامن والتاسع والعاشر والمحراب الذي هو أقدس محل في مسجد المور، كان فيه حنيتان، وكان أعظم زخرفا من سائر المساجد وآخر المحراب يشبه صدفة من رخام، وله مدخل يتلألأ كالذهب الخالص أو الديباج بفسيفسائه الجميلة، وأحيل القارئ على كتب زخرفة البناء أو كتب الاستدلال، ليرى عجائب هذا الجامع العظيم وكان بناؤه من النصارى المنتمين إلى الكنيسة اليونانية، وكانت بينهم وبين المور مودة، فجلبوهم لبنائه، وهو أثر لمدينة زاهرة، لا يضاهيها اليوم شيء في الدنيا كلها وكان عبد الرحمن الأول مؤسس هذه الدولة، قد جعل مدينة قرطبة على مثال مدينة دمشق التي قضى فيها أوائل عمره، وهو الذي ابتدأ بناء الجامع وأتمه الخلفاء الذين جاءوا بعده وبلغت نفقاته على ما حدث به مؤرخو العرب (300000000) دولار، وكان هذا آخر عمل عمله في حياته، وقد شيد غير هذا هو وخلفاؤه ورجال دولتهم قصورا فخمة، ومساجد كثيرة، كانت تزيد المدينة في كل سنة جلالة وبهاء" ا هـ
أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع
لكن لا ينبغي لنا أن نقتصر على الافتخار بمجدهم، بل ينبغي لنا ويتحتم علينا أن نعمل بقول من قال:

لسنا وإن أحسابنا كرمت يوما على الأحساب نتكل
نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل مثل ما فعلوا
فنسأل الله أن يوفقنا لإحياء ذلك المجد الشامخ، إنه على ذلك قدير"

الغريب فى الأمر هو أن يمدح رجل عالم بأصول الدين مكان وبناته وهو علامة من علامات الكفر فالمساجد وجدت للصلاة وليس للزخرفة ووضع الذهب والفضة والرخام وهذه الأشياء إذا وضعت فى بيوت الله فقد كفر الواضعين لأنهم أسرفوا فى مال الله الذى سرقوه من الناس وأنفقوه على مبانى تاركين الناس يعانون من قلة المال فى طعامهم وكسوتهم وعلاجهم وفير ذلك
والملاحظ أن معظم ما يسمى المساجد الأثرية التى بناها من أسموهم الخلفاء والأمراء والسلاطين هى مبانى ترمز للظلم الذى كانوا عليه من حيث الإسراف فى المال حتى يقال مسجد فلان أحسن من مسجد علان والأغرب من هذا أن يقوم هؤلاء الجهلة ببناء أكثر من عشرة مساجد فى شارع واحد كشارع المعز بالقاهرة تاركين أكثر المدينة خالى من المساجد وكأنهم يقولون للناس كما سرقنا منكم المال وجعلناكم تعانون بسبب قلة المال سوف نجعلكم تعانون فى الصلاة فتأتون من أماكن بعيدة مشيا للصلاة فى المساجد التى بنيناها بأموالكم المسروقة
وحكم مسألة الكتاب هو :
حرمة الحياة فى الأماكن التى لا يتواجد فيه الليل والنهار بصورة معروفة إلا أن يكون الوجود فيها وجودا للجهاد دفاعا عن أرض المسلمين
الصلاة والصوم فى تلك الأماكن لمن يقيم فيها مضطرا هو القياس على وقت أم القرى التى هى وسط العالم فكما يجب الاتجاه لمكة فى الصلاة يجب الاتجاه لها عند فقد علامات الزمن
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس