وذهب أبو ذر الغفاري إلى أن ادخار المال الزائد عن حاجة صاحبه - من نفقته ونفقة عياله - هو ادخار حرام وإن كان يؤدي زكاته وكان يفتي بذلك، ويحث الناس عليه، فنهاه معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما - وكان أميرا على الشام - عن ذلك؛ لأنه خاف أن يضره الناس في هذا، فلم يترك دعوة الناس إلى ذلك، فشكاه إلى أمير المؤمنين عثمان بن عفان، فاستقدمه عثمان إلى المدينة المنورة، وأنزله الربذة، فبقي فيها إلى أن توفاه الله تعالى
وكان أبو ذر يحتج لما ذهب إليه بجملة من الأدلة، منها قوله تعالى في سورة التوبة: {والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم} ، ويقول: إن هذه الآية محكمة غير منسوخة
ويحتج بما رواه الإمام أحمد في مسنده عن علي أنه مات رجل من أهل الصفة، وترك دينارين، أو درهمين، فقال رسول الله(ص): كيتان، صلوا على صاحبكم وبما رواه ابن أبي حاتم عن ثوبان مولى رسول الله(ص) أن رسول الله(ص) قال: ما من رجل يموت وعنده أحمر أو أبيض إلا جعل الله بكل قيراط صفحة من نار يكوى بها من قدمه إلى ذقنه
وعن ثوبان قال: كنا في سفر ونحن نسير مع رسول الله(ص) فقال المهاجرون: لوددنا أنا علمنا أي المال نتخذه، إذ نزل في الذهب والفضة ما نزل، فقال عمر: إن شئتم سألت رسول الله عن ذلك، فقالوا: أجل، فانطلق، فتبعته أوضع على بعيري، فقال يا رسول الله: إن المهاجرين لما أنزل الله في الذهب والفضة ما أنزل قالوا: وددنا أنا علمنا أي المال خير نتخذه، قال: نعم، فيتخذ أحدكم لسانا ذاكرا، وقلبا شاكرا، وزوجة تعين أحدكم على إيمانه
9 - وذهب البعض إلى أن ادخار الأموال يكون حراما وإن أدى المدخر زكاتها إذا لم يؤد صاحبها الحقوق العارضة فيها، كإطعام الجائع، وفك الأسير وتجهيز الغازي ونحو ذلك
وذهب علي بن أبي طالب إلى أنه لا يحل لرجل أن يدخر أربعة آلاف درهم فما فوق وإن أدى زكاتها، وكان يقول: " أربعة آلاف درهم فما دونها نفقة، وما فوقها كنز "
وكأن علي بن أبي طالب رأى أن القيام بالحاجات الأصلية للمرء لا يتطلب أكثر من أربعة آلاف درهم في أحسن الأحوال ، فإن حبس الشخص مبلغا أكبر من هذا فقد حبس خيره عن الناس، وعن الفقراء بشكل خاص، وهو أمر لا يجوز، فقد كان يقول: " إن الله فرض على الأغنياء في أموالهم ما يكفي فقراءهم، وإن جاعوا وعروا وجهدوا فبمنع الأغنياء، وحق على الله أن يحاسبهم يوم القيامة ويعذبهم عليه "
والادخار الفردى منه المحرم كمن يدخر للاحتكار وزيادة الأسعار أو من يدخر بخلا فلا ينفق منه شيئا فى وجوه الخير وأما ادخار المال من اجل منفعة الأولاد مستقبلا فهو أمر مباح
قطعا يختلف الحكم ما بين مجتمع مسلم يعيش فيه المسلم ينفذ حكم الله وما بين مجتمع كافر يعيش فيه بعض المسلمين تحت حكم شيطانى ففى الدولة الكافرة يجوز ادخار المال لبناء البيوت والتزويج والتعليم وعمل المشروعات المختلفة وأما فى المجتمع المسلم فالمفروض أن الدولة تعمل على بناء البيوت للناس وتعلمهم وتعطى العزاب فائضا فى المرتبات والمعاشات كى يدخروا المهر ويجهزوا البيوت
وتحدثت الموسوعة عن ادخار لحوم الأضاحى فقالت :
"ادخار لحوم الأضاحي:
11 - يجوز ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث في قول عامة أهل العلم ولم يجزه علي ولا ابن عمر رضي الله عنهما؛ لأن النبي(ص) نهى عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث
وللجمهور أن النبي(ص) قال: كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث فأمسكوا ما بدا لكم رواه مسلم - وروت عائشة رضي الله عنها أن النبي(ص) قال: إنما نهيتكم للدافة التي دفت فكلوا وتزودوا وتصدقوا وادخروا وقال أحمد فيه أسانيد صحاح أما علي وابن عمر فلم يبلغهما ترخيص رسول الله(ص) وقد كانوا سمعوا النهي فرووا على ما سمعوا "
وادخار اللحوم للقانع والمعتر وهو البائس الفقير هو أمر أساسى وليس فى سنة دون سنة فالمقصود هو تخزين اللحوم لأن اعطاء تلك اللحوم كلها لفقراء مكة سيفسدها ويفسدهم صحيا وإنما يخزن اللحم ليعطى لفقراء الدولة ككل أينما ما كانوا
وتحدثت الموسوعة عن اخراج المدخرات عند الحاجة فقالت:
"إخراج المدخرات وقت الضرورة:
13 - يتفق الفقهاء على أن من ادخر شيئا من الأقوات الضرورية لنفسه أو لعياله واضطر إليه أحد غيره كان عليه بذله له إن لم يكن محتاجا إليه حالا؛ لأن الضرر لا يزال بالضرر
ويأثم بإمساكه عنه مع استغنائه، وإن كانوا قد اختلفوا هل يبذله له بالقيمة أو بدونها.. دليل وجوب الإخراج في هذه الحال من السنة ما رواه أبو سعيد الخدري أن رسول الله(ص) قال: من كان عنده فضل زاد فليعد به على من لا زاد له "
وهذا ألأمر مفروض فالأب الصالح(ص) ادخر المال لولديه كى يستخرجاها وقت حاجاتهما لها
وتحدثت عن ادخار غير الأقوات فقالت :
"ادخار غير الأقوات:
14 - ادخار غير الأقوات الضرورية جائز بالاتفاق كالأمتعة والأواني ونحو ذلك
وعلى الدولة أن تدخر من غير الضرورية ما قد ينقلب ضروريا في وقت من الأوقات كالخيل مثلا والكراع والسلاح ونحو ذلك، فإنه غير ضروري في أوقات السلم، ولكنه يصبح ضروريا أيام الحرب، وعلى الدولة بذله للمحتاج حين اضطراره "
قطعا لابد من تخزين كل أنواع السلع فى دولة المسلمين فى أماكن صغيرة وكثيرة جدا ومتباعدة لأن فى وقت الحروب والكوارث لا أحد يعرف حجم الأضرار ولا هو المطلوب ساعتها ومن ثم تخزين كل السلع مطلوب وفى كل مكان من أرض الدولة حتى يجد الناس ما يسعفهم عند الحاجة
وكذلك تبنى الدولة قرى صغيرة متفرقة غير مسكونة فى أماكن متباعدة ومختلفة حتى يمكن اللجوء إليها عند دمار القرى أو المدن بسبب الحروب أو الكوارث
وكل هذا من باب اعداد القوة الذى قال تعالى :
" وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة "
|