أ فيه دليل عقلي قاطع أو نص تواتري عن النبي أو إجماع العلماء أو نص آحادي صحيح. وحينئذ يجب المصير فيه إلى ما دل على أنه المراد منه سواء كان ما دل عليه أحد هذه الطرق موافقا لظاهر لفظ الكلام أو لا؛ لأن الدليل العقلي والمتواتر يفيدان العلم القاطع فلا يعارضهما الظاهر المحتمل ولذلك قدمهما. وأما الإجماع فلاستلزامه دليلا تقوم عليه الحجة من نص وغيره فلا إجماع إلا عن مستند ولقيام الدليل على أن الأمة معصومة من الاجتماع على ضلالة وأما النص الآحادي الصحيح فلأنه يعتاد عليه الظن ويوجب العمل والعلم على مذهب مرجوح لذلك هو أولى من غيره.
ب ليس فيه شيء مما سبق بل فيه: آحاد ضعيفة أو شيء من أصحاب التاريخ والسير غير مفيد للعلم بصحة ما دل عليه أو ظنه بدليل خارج عن قرينة عقلية أو غيرها أو تأويل مختلف عليه متعارض بين العلماء.
وفي هذه الحالة ننظر فإن كان ما ورد فيه من الأحاديث الضعيفة والتواريخ والسير المذكورة موافقا للمفهوم من ظاهر الكلام أو من فحواه أو معقوله= فنحمله على ما فهم منه وفي هذه الحالة يكون الخبر الضعيف ونحوه مؤكدا لما استفيد من اللفظ.
وإن لم يكن شيء منها يوافق المفهوم من ظاهر اللفظ أو معقوله ألغي هذا الدليل؛ لضعفه وضعف ما يفيده الظن واعتبر مفهوم ظاهر الكلام لقوته وقوة ما يفيده من ظن ما لم يمنع منه مانع أقوى منه؛ لأن المقصود من الكلام هو الإفهام والظاهر من المتكلم الحكيم إرادة ظاهر الكلام.
الشق الثاني: الترجيح بين التأويلات المختلفة عن العلماء.
ننظر في هذه التأويلات فإن كانت تشتمل على التناقض والتضاد مثل "القرء" كان أحد الضدين متعينا للإرادة؛ لاستحالة الجمع بينهما وحينئذ يجب الوصول للمراد بطريق قوي راجح من الطرق السابقة أو غيرها إن أمكن.
وإن كان لا يشتمل على التناقض والتضاد بل هو مجرد اختلاف ففي هذه الحالة ننظر: هل يحتمل اللفظ جميع هذه التأويلات فإن كان ذلك يحمل عليها جميعها ما أمكن سواء كان احتماله لها مساويا أو كان في بعضها أرجح من بعض؛ لأن حمله على بعض دون بعض إلغاء للفظ بالنسبة لبعض محتملاته من غير موجب وهو غير جائز ولأنه لو كان مرادا فإعمال اللفظ بالنسبة إليه أحوط من إهماله.
وإن كان احتمال اللفظ لهذا القول متفاوتا في الرجحان جاز في مقام الترجيح تقديم الأرجح فالأرجح بحسب: دلالة اللفظ عليه أو جلالة قائله أو عاضده الخارجي وغير ذلك من وجوه الترجيحات.
وضرب النجم الطوفي مثالا لاحتمال اللفظ لوجوه متعددة بقوله تعالى: {فلا أقسم بمواقع النجوم} [الواقعة:75] فقد قيل: هي مساقط النجوم في المغرب. وقيل: نزول القرآن؛ لأنه نزل في ثلاث وعشرين سنة فاللفظ يحتمل القولين فيجوز أن يكون القسم بهما مرادا لله عز وجل؛ لأنهما عظيمان فإنه يجوز إرادة حقيقة اللفظ ومجازه جميعا منه وكذلك القسم بعظيم؛ الضحى الليل الشمس يراد القسم بحقائقها لعظم الآيات فيها ويجوز أن القسم بخالقها وربها على حذف المضاف؛ أي ورب الضحى وكذلك الأقوال في المقام المحمود فقد قيل فيها اثنا عشر قولا واللفظ يحتملها جميعا وإرادتها جائزة واجتماعها ممكن.
وإن كان لا يحتمل اللفظ جميع التأويلات لدليل فلا يحمل إلا على ما أمكن من هذه التأويلات."
وهذا المنهج للأسف هو المنهج المتبع حاليا وهو منهج لا يفيد بشىء لأنه يرد التفسير لأقوال بشر فى النهاية من خلال قراءة كتب المجالات المختلفة بينتما المفروض هو :
رد القرآن للقرآن أولا فإن عجز المفسر ولا نقول عجز القرآن ليس أن يلجأ لشىء أخر لأن أقوال البشر غالبا لن نفع بأى شىء
وتحدث عطا عن أهمية القانون فقال :
"ثانيا: أهمية هذا القانون: بين النجم الطوفي أهمية التزام هذا القانون فبين أنه يدفع كثيرا من خبط المفسرين بتباين أقوالهم واختلاف آرائهم .
ثالثا: المستفيد من هذا القانون: بين النجم الطوفي من الذي يستفيد بهذا القانون وبين أنه يستفيد منه "من كانت له يد في معرفة المعقول والمنقول واللغة وأوضاعها ومقتضيات ألفاظها والمعاني والبيان بحيث إذا استبهم عليه تفسير آية وتعارضت فيها الأقوال صار إلى ما دل عليه القاطع العقلي أو النقلي على تفصيل سبق ثم إلى مقتضى اللفظ لغة ونحو ذلك. أما الذي يقصر في هذه العلوم فلا ينتفع بهذا القانون؛ لأنه يكون كمن له سيف قاطع لكنه لا تقله يده لعلة به" ."
وهذا القانون هو نفس ما يقوله الكثيرون باللجوء إلى كتب اللغة والحديث وغيرها وهو ما سيؤدى فى النهاية إلى نفس الاختلافات والتنازعات فى المراد
وتحدث عطا عن أن الطوفى تخيل شبهة حول القانون فذكرها فقال :
"رابعا: شبهة حول هذا القانون: استحضر النجم الطوفي شبهة ستثار حول قانونه مؤداها أنه لاشك أن المفسرين نقلوا كل ما بلغهم من وجوه التفسير ولم يتعرض أحد منهم لما ذكر الطوفي
في قانونه؛ لذلك فقانونه غير معتبر والزعم بأنه لا سبيل إلى الانتصاف من علم التفسير بغير هذا القانون بعيد جدا
وأجاب الطوفي عن هذه الشبهة بأن عدم تعرضهم لهذا القانون لا يدل على عدم اعتباره؛ لجواز أنهم نقلوا ما نقلوه ليعتبر بالقانون المذكور مثل علم الحديث الذي نقل فيه العلماء كل ما بلغهم حتى جاء جهابذة علماء الحديث ووضعوا قانونا نقحوا به هذه الروايات.
ثم جاء الفقهاء وتسلموا الحديث من أهله وفيه المتعارض والموهم للمتناقض فقام له الأصوليون ووضعوا قانونا يزيل تعارضه وتناقضه فاستخرجوا بذلك أقوالا فقهية متعارضة وآراء متناقضة فتسلمها كل أهل مذهبهم عن إمامهم فاجتهدوا فيها باعتبارها قوانين ذلك الإمام وقواعد مذهبه ولم يقل أحد إن نقل المحدثين والأصوليين والفقهاء لكل ما وردهم دليل على عدم اعتبار القوانين المميزة لما يجب إعماله مما يجب إهماله.
والجواب الثاني أنه لا أحد يفتح طريقا إلى مقصد نجيب يوصل إليه قطعا بسهولة ويسر ويقال له إن أحدا ممن تقدمك لم يفتح هذا الطريق؛ لذا فهو غير موصل للمقصود. فهذا استدلال بالجهل وربما يغفل المتقدم عما تنبه له المتأخر وإلا لزم ألا يزداد علم الشريعة عما كان عليه في أول أمره وهذا غير حاصل فعلم الشريعة زاد جدا بسبب استدراك المتأخر على المتقدم."
وهو نفس ما قلناه وهو أن القانون يؤدى لنفس النتيجة وهو اختلاف الناس وليس اجتماعهم على تفسير واحد صحيح
|