عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 08-11-2024, 08:07 AM   #3
رضا البطاوى
عضو شرف
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 6,897
إفتراضي

الوجه الاول:
إن هذا الإشكال أفضل ما يقال فيه أنه ناتج عن حال تعبر عنه الآية الكريمة {بل حسبوا أن الله لا يعلم كثيرا مما يعملون} لأننا إذا علمنا ـ كما قلنا في الوجه الأول من الاستدلال على صدق الاستخارة ـ: بأن الله سبحانه وتعالى لا نقص في علمه ولا في قدرته ولا في كرمه مضافا الى ما دل عليه القرآن والبرهان من علمه بالسرائر والضمائر وقدرته على كل شيء وإنه لا يخلف الميعاد بما في ذلك الوعد بإجابة الدعاء إذن تكون هذه الأفكار بمجموعها دليلا كافيا على صحة التدخل الإلهي لإنتاج الاستخارة
الوجه الثاني:

دلالة الاخبار على ذلك وهي وإن لم تدل بصراحة على مفهوم المعجزة أو التدخل الإلهي إلا إننا يمكن أن نفهم من ذلك بعد تقديم أمرين:
الأمر الأول:

ما سبق أن سمعناه من أساليب إنتاج الاستخارة كعد الفرد أو الزوج أو الأخذ بما وقع في القلب وغير ذلك مما سيأتي تفصيله
الأمر الثاني:

أن انتاج الاستخارة هذا يتوقف فعلا على نفي الصدفة وإثبات التدخل الإلهي إذ مع الصدفة أو إيكال الأمر الى القوانين الطبيعية القسرية كما يؤمن بها الماديون لا يكون للخيرة أية نتيجة
إذن فهذه الأخبار وهي مستفيضة كما عرفنا تنقل لنا عن المعصومين التعهد بصدق الخيرة من ثم التعهد بوجود التدخل الإلهي الذي تتوقف عليه
وقد يخطر في الذهن إن الله تعالى أوكل الأمور الى أسبابها فهي لا توجد دائما بمعجزة أو بتدخل إلهي مباشر بما في ذلك الأساليب المنتجة للاستخارة
وجواب ذلك: إنه ثبت الفلسفة وعلم الكلام إنه لا تنافي بين عمل الاسباب وعمل المسبب سبحانه وتعالى وليس هنا محل تفصيله إذن فنفي التدخل الإلهي في أي شيء لا وجه له وخاصة بالأمور التي يتوقف صدقها عليه فتكون أولى بالتدخل
الوجه الثاني:

من وجوه الإشكال على نتيجة الاستخارة:
ما سبق أن أشرنا اليه من عدم صدقها الدائم بالتجربة بل لعل التجربة دالة على عدم صدقها هذا والمعنى لا ينبغي أن يعود الى المناقشة في الحكمة الإلهية بعد أن كنا نثبتها بالبرهان كمسلمين وإنما ينبغي أن يعود هذا الإشكال الى المناقشة في الاستخارة نفسها وعدم صحة دليلها
والجواب عن ذلك يمكن ان يتم على عدة مستويات:
المستوى الأول:

عدم توفر الدعاء أو عدم صدقه عند الفاعل الاستخارة
فيما إذا حصل الطلب بإخلاص وتوجه فهذه ثلاث عناصر:
العنصر الأول: الطلب يعني أن يريد العبد من ربه شيئا من الأشياء وهذا يتوفر لدى العبد مع شيء من حسن الإيمان
العنصر الثاني: التوجه بمعنى أن يدرك العبد أنه يخاطب الخالق سبحانه وأنه أسمع السامعين وأبصر الناظرين لا إن ذلك الداعي يتكلم في الفضاء كلاما لا يعلم أين يوجهه
والتوجه الأهم إنما هو بالقلب وهو أن يدرك أنه يتكلم بين يدي الخالق العظيم سبحانه
العنصر الثالث: الإخلاص في النية وهو خلوها من الشك والإفتراض

المستوى الثاني:
إن الدعاء إذا حصل بحصول التوجه والإخلاص فإن الوعد بالإجابة قطعي في الآية الكريمة إلا أنها مع ذلك لا تخلو من إطلاق قابل للتقييد فهي لم تشر الى المكان الذي يجاب فيه الدعاء ولا الزمان فقد تكون الاستجابة بعد عدة سنوات مثلا في مكان آخر أو نحو ذلك
كما أن الآية الكريمة لم تشر الى صورة التعارض أو التزاحم وذلك يتصور في عدة موارد تكون الاستجابة فيها متعذرة تقريبا أو تحقيقا إلا أن يشاء ربي شيئا فمن ذلك:
أولا: حصول الضرر على الفرد باستجابة دعائه وهو يحسب أنه يدعو لمصلحة نفسه
ثانيا: حصول الضرر على آخرين باستجابة هذا الدعاء
ثالثا: تعارض الدعائين كما لو كان اثنان أحدهما يدعو بضد ما يدعو به الآخر وفي المثل أو القصة المشهورة: أن صاحب البستان يدعو بنزول المطر والحرفي الذي يصنع الخزف يدعو بعدم نزوله وهكذا
فهذا المستوى للدعاء أيضا قاعدة عامة لا يخرج الدعاء في الاستخارة عن حيزه لا محالة
المستوى الثالث:

إن مصلحة الفرد في الحكمة الإلهية قد تكون في اضراره وإنزال بعض الشر عليه لكي تحصل بعض النتائج المحمودة (مثاله المتعارض: التاجر حين يشتري البضائع الكثيرة التي لا يعلم حصول ربحها أو يركب البحر أو الجو أو أي مخاطرة من أجل الحصول على الربح في حين أن الموت أو تلف المال قد يأتيه في أي ساعة) إذن فتقديم المقدمات لأجل نيل النتائج الحسنة أمر عرفي وعام بين الناس
وكذلك الحال في الحكمة الإلهية فان صنوف البلاء الشخصي والعام إنما هو لمصلحة الخلق سواء رضوا أو أبوا وهذا أيضا قانون عام في الحكمة لا تخرج الاستخارة عنه ومن هنا وردت هذه الرواية تحذر من هذه الجهة وهو ما في رواية إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله قال: قلت له: ربما أردت الأمر يفرق مني فريقان: أحدهما يأمرني والآخر ينهاني الى من يقول: ((ولتكن استخارتك في عافية فإنه ربما خير للرجل في قطع يده وموت ولده وذهاب ماله))
إن الاستخارة قد ترد أو تفشل من أجل عدم حصول شرائطها نفسها وإن حصلت شرائط الدعاء ونحو ذلك وسنعرف فيما يلي شرائط الاستخارة فقد يكون الفرد فاقدا لها أو أن تكون استخارته فاقدة لها فلا يكون لها أثر
الوجه الثالث:

من وجوه الإشكال على الاستخارة:
هو المناقشة في إسناد الروايات الدالة عليها فإن أكثرها إن لم يكن جميعها ضعيف السند لا يوجد فيها المعتبر والصحيح إلا نادرا فيكون الاعتماد عليها ضعيفا
وجواب ذلك في تقريبين على أقل تقدير:
التقريب الأول:
إننا لم نقتصر في الوجوه الدالة على صحة الاستخارة على ما دل عليها من الروايات بل كان هناك وجوه أخرى كسيرة المتشرعة والتجربة وغير ذلك فإن لم يتم هذا الوجه فلا أقل من تمامية الوجوه الأخرى
التقريب الثاني:
أن هذا الضعف المشار اليه في الاشكال يمكن أن يجبر بعدة وجوه:
أولا: كثرة الروايات الى حد الاستفاضة أو التواتر بحيث يحصل الاطمئنان بصدقها ومضمونها العام
ثانيا: عمل المتشرعة بهذه الروايات عن طريق التزامهم بالاستخارة على طول الأجيال فلو كانوا قد وجدوا أن هذه الروايات ليست بحجة لما فعلوا ذلك وفيهم الفقهاء والمفكرون والأخيار
ثالثا: وجود بعض الروايات مما يتم سندا ودلالة اي أنه حجة ومعتبر من كلتا هاتين الناحيتين ولا حاجة للقاريء الى تعيين ذلك فليرجع الى مصادر الحديث إن شاء"

والغرب فى تلك المناقشات والردود عليها هو إيمان الصدر بالروايات المريضة فكأن رواية مريضة وروية مريضة ورواية مريضة ينتج رواية صحيحة وهو أمر لو صدقناه فستكون كل مصائب أديان الضلال صحيحة بتلك الطريقة
وتحدث عن شرائط الاستخارة فقال :
"شرائط الإستخارة:
فما هي شرائط المجيز؟
الأمر الأول:
في توقف الاستخارة على الاجازة ولعل الأمر الرئيسي أو الوحيد الذي يمكن الاستدلال به لهذا الغرض هو ما ورد في الوايات السابقة وغيرها من قبيل قوله: استخار أو يستخير
المستوى الثاني:
إن عددا من الأخبار واضح جدا في عموم الحكم بعموم الاستخارة لكل مؤمن بل لكل مسلم كالذي سمعناه في خبر عمرو بن حريث عن أبي عبد الله وفيه: (فوالله ما استخار الله مسلم إلا خار الله له البتة وفي خبر آخر سمعناه: ((من استخار الله راضيا بما صنع خار الله له حتما)) وفي خبر آخر أيضا كما سمعنا: ((من دخل في أمر بغير استخارة ثم ابتلي لم يؤجر)) وفي خبر آخر عن المفضل قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام)) يقول: ((ما استخار الله عبد مؤمن إلا خار له وإن وقع ما يكره))
الأمر الثاني:

من الحديث عن الشرط الأول للاستخارة وهو الاجازة أن نتحدث الآن من شرائط المجيز لو صحت الاجازة
ونحن نرى أن أول من بدأ بإعطاء الاجازة لو تم الوجه السابق هم الأئمة المعصومون فينبغي أن نلتفت الى أنهم بأي صفة من صفاتهم أعطوا هذه الاجازة إذ لو كانزا قع أعطوها بصفات خاصة بهم كالعصمة لما أمكن تسلسل الاجازة بعد ذلك لأننا عندئذ نكون قد اشترطنا العصمة فيمن يعطي اجازة الاستخارة وليس أحد من المسلمين أو المؤمنين بمعصوم فتنقطع سلسلة الاجازة في حين ان المفروض فقهيا وتشريعيا استمرارها وتسلسلها بين الناس جيل بعد جيل

الشرط الثاني:
من شرائط الاستخارة أن يكون الأمر المنفي الذي تقع عليه الاستخارة محل حيرة وتردد عند الفرد وقالوا في هذا الصدد أن كل ما له مرجح في الدين أو الدنيا فهو مما لا يستخار عليه وإنما تصح فقط فيما لا مرجح فيه على الاطلاق وهو معنى الحيرة والتردد

يبقى بعد ذلك ثلاث مستويات من الأمور لا يبعد فيها جواز الاستخارة

رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس