عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 31-10-2024, 07:02 AM   #3
رضا البطاوى
عضو شرف
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 6,890
إفتراضي

"والأحد هو الواحد في إلهيته وربوبيته وفسره أهل الكلام بما لا يتجزأ ولا ينقسم فإن أريد بذلك أنه ليس مؤلفا مركبا من أجزاء متفرقة فصحيح أو أنه غير قابل للقسمة فصحيح وإن أريد أنه لا يتميز منه شيء عن شيء وهو المراد بالمجسم عندهم فباطل
قال ابن عقيل الذي يصح من قولنا مع إثبات الصفات أنه واحد في إلهيته لا غير
والأحد هو الواحد قال ابن الجوزي قاله ابن عباس وأبو عبيدة وفرق قوم بينهما
قال الخطابي الفرق بين الأحد والواحد أن الواحد هو المتفرد بذاته فلا يضاهيه أحد
والأحد المنفرد بصفاته ونعوته فلا يشاركه فيها أحد
وقيل بينهما فرق آخر وهو أن الأحد في النفي نص في العموم بخلاف الواحد فإنه محتمل للعموم وغيره فتقول ما في الدار أحد ولا يقال بل اثنان ويجوز أن يقال ما في الدار واحد بل اثنان
وفرق بعض فقهاء الحنفية بينهما وقال الأحدية لا تحتمل الجزئية والعددية بحال
والواحد يحتملها لأنه يقال مائة واحدة وألف واحدة ولا يقال مائة أحد ولا ألف أحد
وبني على ذلك مسألة محمد بن الحسن التي ذكرها في «الجامع الكبير» إذا كان أربع نسوة فقال والله لا أقرب واحدة منكن صار موليا منهن جميعا ولم يجز له أن يقرب واحدة منهن إلا بكفارة ولو قال والله لا أقرب إحداكن لم يصر موليا إلا من إحداهن والبيان إليه
وقال العسكري أصل أحد أوحد مثل أكبر وإحدى مثل كبرى فلما وقعا اسمين وكانا كثيري الاستعمال هربوا إلى الكسرة ليخف وحذفوا الواو ليفرقوا بين الاسم والصفة؛ وذلك أن أوحد اسم وأكبر منه
والواحد فاعل من وحد يحد وهو واحد مثل وعد يعد فهو واعد
سؤال قوله {الله أحد} ولم يقل الأحد كما قال الصمد
جوابه أن الصمد يسمى به غير الله كما يأتي ذكره فأتى فيه بالألف واللام ليدل على أنه – سبحانه – هو المستحق لكمال الصمدية فإن الألف واللام تأتي لاستغراق الجنس تارة ولاستغراق خصائص أخرى كقوله زيد هو الرجل أي الكامل في صفات الرجولة فكذلك قوله {الله الصمد} أي الكامل في صفات الصمدية
وأما الأحد فلم يتسم به غير الله فلم يحتج فيه إلى الألف واللام"

وكل هذا لا يهم قارىء القرآن أو سامعه فهو كلام لغوى ومن تفسر الكلمة بكون شىء واحد غير متبعض وكفى دون الدخول فى تلك الفروق اللغوية
وتحدث عن معنى الصمد ذاكرا خلافات القوم فقال :
"قوله {الله الصمد} أعاد الاسم المبتدأ تأكيدا للجملة وخبره {الصمد} وقيل هو نعت والخبر ما بعده
و {الصمد} اختلفت عبارات السلف في معناه وهي متقاربة أو متفقة والمشهور منها قولان
أحدهما أن {الصمد} هو السيد الذي تصمد إليه الخلق في حوائجهم ومطالبهم وهو مروي عن ابن عباس وغيره من السلف
قال ابن الأنباري لا خلاف بين أهل اللغة أن الصمد السيد الذي ليس فوقه أحد الذي يصمد إليه الناس في حوائجهم وأمورهم وقال الزجاج هو الذي ينتهي إليه السؤدد فقد صمد له كل شيء أي قصد قصده وأنشدوا
لقد بكر الناعي بخير بنى أسد بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد
وأنشدوا أيضا
علوته بحسام ثم قلت له خذها حذيف فأنت السيد الصمد
وفي «تفسير ابن أبي حاتم» بإسناده عن عكرمة عن ابن عباس قال الصمد الذي تصمد إليه الأشياء إذا نزل بهم كربة أو بلاء
وعن إبراهيم قال الذي يصمد إليه العباد في حوائجهم
وعن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال الصمد؛ السيد الذي قد كمل في سؤدده والشريف الذي قد كمل في شرفه والعظيم الذي قد كمل في عظمته والحليم الذي قد كمل في حلمه والعليم الذي قد كمل في علمه والحكيم الذي قد كمل في حكمته وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد وهو الله – سبحانه – هذه صفته لا تنبغي إلا له ليس له كفو وليس كمثله شيء سبحانه الله الواحد القهار
والقول الثاني أن الصمد الذي لا جوف له وأنه الذي لا يأكل ولا يشرب والذي لا حشو له وأنه الذي لا يدخل فيه شيء ولا يخرج منه شيء ونحو هذه العبارات المتقاربة في المعنى وروي ذلك عن ابن مسعود وقد سبق في حديث أبي هريرة المذكور في أول تفسير السورة والصمد الذي ليس بأجوف
وروي ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عبيد الله بن سعيد – قائد الأعمش – حدثني صالح بن حيان عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال لا أعلم إلا أنه قد رفعه قال «الصمد الذي لا جوف له»
وعن أبي عبد الرحمن السلمي عن ابن مسعود قال الصمد ليس له حشاء
وروي عن ابن عباس أيضا وعكرمة الصمد الذي لا يطعم
وعنه الصمد الذي لم يخرج منه شيء
وعن الشعبي الصمد الذي لا يأكل ولا يشرب وعن مجاهد هو المصمت الذي لا جوف له
وقالت طائفة الصمد الذي لم يلد ولم يولد؛ كأنهم جعلوا ما بعده تفسيرا له وهو مما تقدم أنه الذي لم ينفصل من شيء وروي ذلك عن أبي بن كعب والربيع بن أنس
وتوجيه ذلك أن الولادة والتوليد إنما يكون من أصلين وما كان عينا قائما بنفسه من المتولدات فلا بد له من مادة يخرج منها وما كان عرضا قائما بغيره فلا بد له من محل يقوم به فالأول نفاه بقوله أحد فإن الأحد هو الذي لا كفو له ولا نظير فيمتنع أن يكون له صاحبة
والتولد إنما يكون بين شيئين وكونه تعالى أحدا ليس أحد كفوا له يستلزم أنه لم يلد ولم يولد لأن الوالد والولد متماثلان متكافئان وهو تعالى أحد لا كفو له
وأيضا فالتولد يحتاج إلى زوجة وهي مكافئة لزوجها من وجه وذلك أيضا ممتنع
ولهذا قال تعالى {أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة} [الأنعام 101] وقد فسر مجاهد الكفو هاهنا بالصاحبة
وأما الثاني وهو انفصال المادة فنفاه – سبحانه – بأنه الصمد وهو المتولد من أصلين ربما يتكون من جزئين ينفصلان من الأصلين كتولد الحيوان من أبيه وأمه بالمني الذي ينفصل منهما وكالنار المتولدة من بين الزندين سواء كانا خشبين أو حجرين وحديدا
وهو – سبحانه – صمد لا يخرج منه شيء منفصل عنه
والحيوان نوعان متوالد وهو ما ولده من جنسه وهو الإنسان وما يخلق من أبوين من البهائم والطير وغيرهما
ومتولد وهو ما يخلق من غير جنسه كدود الفاكهة والخل وكالقلم المتولد من الوسخ والفار والبراغيث وغير ذلك مما يخلق من التراب والماء إنما يتولد من أصلين أيضا كما خلق آدم من تراب وماء
وإلا فالتراب المحض الذي لم يختلط به ماء لا يخلق منه شيء لا حيوان ولا نبات والنبات جميعه إنما يتولد من أصلين أيضا
والمسيح – عليه السلام – خلق من مريم ونفخة جبريل وهي حملت به كما تحمل النساء وولدته فلهذا يقال له ابن مريم بخلاف حواء فإنها خلقت من ضلع آدم فلا يقال أنه أبوها ولا هي ولده وكذلك سائر المتولدات من غيرهما
كما أن آدم لا يقال أنه ولد التراب ولا الطين والمتولد من جنسه أكمل من المتولد من غير جنسه ولهذا كان خلق آدم أعجب من خلق أولاده
فإذا نزه الرب عن المادة العلق وهي التولد من النظير فتنزه به عن تولده من غير نظير أولى كما أن تنزيهه عن الكفو تنزيه له عن أن يكون غيره أفضل منه بطريق الأولى
فتبين أن ما يقال أنه متولد من غيره من الأعيان القائمة بنفسها لا يكون إلا من مادة تخرج من ذلك الوالد ولا تكون إلا من أصلين والرب تعالى صمد فيمتنع أن يخرج منه شيء وهو – سبحانه – لم يكن له صاحبة فيمتنع أن يكون له ولد
وأما تولد الأعراض كتولد الشعاع وتولد العلم عن الفكرة والشبع عن الأكل والحرارة عن الحركة ونحو ذلك
فهذا ليس من تولد الأعيان مع أن هذا لا بد له من محل ولا بد له من أصلين كالشعاع فإنه يحتاج إلى محاذاة جسم نوري لجسم آخر يقابله فينعكس عليه شعاعه
فقد تضمنت هذه السورة العظيمة نفي نوعين عن الله تعالى أحدهما المماثلة ودل على نفيها قوله تعالى {ولم يكن له كفوا أحد} مع دلالة قوله {قل هو الله أحد} على ذلك؛ لأن أحديته تقتضي أنه متفرد بذاته وصفاته فلا يشاركه في ذلك أحد
والثاني نفي النقائص والعيوب وقد نفى منها التولد من الطرفين
وتضمنت إثبات جميع صفات الكمال بإثبات الأحدية؛ فالصمدية تثبت الكمال المنافي للنقائص والأحدية تثبت الانفراد بذلك فإن الأحدية تقتضي انفراده بصفاته وامتيازه عن خلقه بذاته وصفاته والصمدية إثبات جميع صفات الكمال ودوامها وقدمها؛ فإن السيد الذي يصمد إليه لا يكون إلا متصفا بجميع صفات الكمال التي استحق لأجلها أن يكون صمدا وأنه لم يزل كذلك ولا يزال فإن صمديته من لوازم ذاته لا تنفك عنه بحال
ومن هنا فسر الصمد بالسيد الذي قد انتهى سؤدده وفسره عكرمة بالذي ليس فوقه أحد
وروي عن علي وعن كعب أنه الذي لا يكافئه أحد في خلقه
وعن أبي هريرة قال هو المستغني عن كل أحد المحتاج إليه كل أحد
وعن سعيد بن جبير قال هو الكامل في جميع صفاته وأفعاله
وعن الربيع قال هو الذي لا تعتريه الآفات
وعن مقاتل بن حيان قال هو الذي لا عيب فيه
وعن ابن كيسان هو الذي لا يوصف بصفته أحد
وعن قتادة الصمد الباقي بعد خلقه وعن مجاهد ومعمر هو الدائم
وعن مرة الهمداني هو الذي لا يبلى ولا يفنى
وعنه أيضا هو الذي يحكم ما يريد ويفعل ما يشاء؛ لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه
فقد تضمنت هذه السورة العظيمة إثبات صفات الكمال ونفي النقائص والعيوب من خصائص المخلوقين من التولد والمماثلة
وإذا كان منزها عن أن يخرج منه مادة الولد التي هي أشرف المواد فلأن نزه عن خروج مادة غير الولد أولى وكذلك تنزيهه نفسه عن أن يولد فلا يكون من مثله تنزيه له عن أن يكون من سائر المواد بطريق الأولى فمن أثبت لله ولدا فقد شتمه وقد ثبت في «صحيح البخاري» عن أبي هريرة عن النبي (ص)قال «يقول الله عز وجل كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفوا أحد»
وفي «صحيح البخاري» أيضا عن ابن عباس عن النبي (ص)قال «قال الله عز وجل كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك وشتمني ولم يكن له ذلك فأما تكذيبه إياي فزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان وأما شتمه إياي فقوله لي ولد فسبحاني أن اتخذ صاحبة أو ولدا»
وقد رد الله على من زعم أنه لا يعيد الخلق وعلى من زعم أنه له ولد كما تضمنه هذا الحديث في قوله {ويقول الإنسان أئذا ما مت لسوف أخرج حيا} [مريم 66] إلى قوله {لقد جئتم شيئا إدا} [مريم 89]
وفي «صحيح البخاري» أيضا عن النبي (ص)قال «لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله إنهم يجعلون له ولد وهو يرزقهم ويعافيهم»
فهذه السورة الكريمة تضمنت نفي ما هو من خصائص آلهة المشركين عن رب العالمين حيث جاء في سبب النزول أنهم سألوا النبي (ص)عن ربه أي شيء هو؟ أمن كذا أم من كذا أو ممن ورث الدنيا ولمن يورثها حيث كانوا قد اعتادوا آلهة يلدون ويولدون ويرثون ويورثون وآلهة من مواد مصنوعة منها فأنزل الله هذه السورة"

والصمد هو الباقى الحى الذى لا يموت وليس كل كل تلك الخلافات التى لا نهاية لها والتى استغرقت عشرات الصفحات وهذا لا يهم تالى القرآن فى شىء
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس