أما ولي الله عند الصوفية فهو من اختاره الله وجذبه إليه، ولا يشترط الصلاح ولا التقوى عندهم، بل هي وهب إلهي دون سبب ولا حكمة، وجعلوا المجاذيب والمجانين والفسقة والظلمة أولياء، وقسموا الأولياء إلى مراتب الغوث، والأبدال، والنجباء، ولكل منهم تصرف في الكون حسب مرتبته .
والمطلع على حقيقة مذهبي الرافضة والصوفية يجد الأصل واحدا، والغاية واحدة، كما يجد الاشتراك في كثير من العقائد والشرائع ، وخير مثال على ذلك ما نحن بصدده، وهو
- الإمامة الشيعية والولاية الصوفية :
زعم الرافضة أن أئمتهم مختارون من الله، خصوا بخصائص دون غيرهم، ورفعوهم فوق مقامات الأنبياء، وهذا نفسه ما ادعاه الصوفية لأوليائهم، وكما جعل الرافضة للأئمة مقامات بعد مقام الولاية كالنقباء، وهم وكلاء الإمام ...، فقد جعل الصوفية المقام الأعظم للقطب الغوث، ثم الأبدال السبعة، ثم النجباء السبعين ...
- تقديس القبور وتعظيم المشاهد
الشيعة أول من بنى المشاهد والمساجد على القبور في الإسلام، وكان ذلك منذ بداية القرن الثالث الهجري، ولكن بعض خلفاء بني العباس شرعوا يهدمونها ... ونسج الصوفية على المنوال نفسه؛ فجعلوا أهم مشاعرهم تعظيم القبور والأضرحة، والطواف والتبرك بها ...
ولعل من الأمثلة على شدة التقارب بين الفئتين ما قام به الرافضة في بلد إسلامي من بناء مسجد عظيم أنفقوا فيه بسخاء على مقام (السيدة زينب)، وهو من المقامات التي أنشأها الصوفية، بل صار مزارا عظيما للرافضة ! ! ويكفي في بيان التقارب أن التشيع ما دخل إفريقيا في العصر الحديث إلا عن طريق الصوفية التي كانت ضاربة أطنابها في إفريقيا ولا زالت، بل إن دولة العبيديين (الفاطميين) كانت تسعى لنشر التشيع والرفض، وما أراد العبيديون أصلا بإنشاء الأزهر إلا ليكون معلما للرفض، ومركزا لنشر تلك العقيدة المزيفة، ولكن الله رد كيدهم، ولما سقطت دولتهم على يد صلاح الدين، الذي أعاد الله به ضياء السنة، بقي دين الرفض مختبئا، واتخذ طريق التصوف أسلوبا وسبيلا لمحاولة بقائه .
المسلك الثاني من مسالك أهل البدع في آل البيت
سبهم وتكفيرهم، كما يفعلون مع بقية الصحابة ، وهذا مسلك المارقة الخوارج الحرورية .
والأدلة على تحريم سب الصحابة وآل البيت ظاهرة، وأقوال السلف في حبس سابهم وعقوبته متكاثرة، قال (تعالى) { ولا يغتب بعضكم بعضا } [الحجرات ]، وأدنى أحوال الساب لهم أن يكون مغتابا، وقال (تعالى) {ويل لكل همزة لمزة } [الهمزة ]، وقال (تعالى) { والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا } [الأحزاب ]، والله (تعالى) قد رضي عن الصحابة رضاء مطلقا، فقال { والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه } [التوبة ]، فرضي عن السابقين من غير اشتراط إحسان، ولم يرض عن التابعين إلا أن يتبعوهم بإحسان، ومن رضي الله عنه لم يسخط عليه أبدا .
وقال رسول الله (لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فو الذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه) . وقد فصل ابن تيمية في الصارم المسلول حكم ساب الصحابة بعد أن نقل نقولا كثيرة عن العلماء، وهناك جملة من أنواع سب الصحابة مما يعد ناقضا من نواقض الإيمان ، وهي
- أن يسب الصحابة أو جمهورهم، سبا يقدح في دينهم وعدالتهم؛ كأن يرميهم بالكفر، أو الفسق، أو الضلال .
- أن يسب صحابيا تواتر فضله .
- أن يقذف عائشة، أو غيرها من أمهات المؤمنين .
وواضح أن هذا السب قاسم مشترك بين الروافض والنواصب ! ! .
ولماذا كان السب ناقضا للإيمان ومكفرا ؟
لأن في سب الصحابة تكذيبا للقرآن الكريم، وإنكارا لما تضمنته آيات القرآن من تزكيتهم والثناء عليهم .
لأن سبهم يستلزم نسبة الجهل إلى الله (تعالى)، أو العبث في تلك النصوص الكثيرة التي تقرر الثناء على الصحابة .
ولأن فيه تنقصا وأذى للرسول؛ فهم أصحابه الذين رباهم وزكاهم .
ولأن سبهم طعن في الدين، وإبطال للشريعة، وهدم لأصله؛ لأنهم هم نقلة الدين، فإذا طعن فيهم انعدم النقل المأمون للدين .
ونحن نبرأ إلى الله من فعل الخوارج الذين يناصبون الصحابة وآل البيت العداء، وقتلوا عليا على يد ابن ملجم (عليه من الله ما يستحق) . كما نبرأ من صنيع الروافض وافترائهم وبهتانهم .
وأخيرا أما وقد ثبت هذا الفضل لآل البيت، فهل يا ترى يناله كل من كان منتسبا لهذا النسب الشريف كائنا من كان ؟ .
إن أصول الشريعة لتدل دلالة واضحة على أن النسب بحد ذاته لا يمكن أن يكون كافيا لتحصيل تلك المزية والمنقبة وذلك الفضل، إذ لو كان كافيا لنفع أبا لهب وأبا طالب، إذ لا بد أن ينضاف إليه الإيمان والعمل الصالح؛ فإن النسب وحده لا يعني حصول العصمة، ولا سقوط التكاليف .. هذا أمر
وأمر آخر وهو أن القرب من النبي كما أنه تشريف، فهو تكليف أيضا؛ فإن الله (تعالى) ضاعف الأجر لأزواج النبي وهن من آله وبين لهن مضاعفة العقوبة، وهذا من خصائصهن (رضي الله عنهن) لعظم قدرهن؛ لأن قبح المعصية تتبع زيادة فضل الآتي بها، قال (تعالى) { يا نساء النبي من يات منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما } [الأحزاب ]، فلما كانت مكانتهن رفيعة ناسب أن يجعل الذنب لو وقع منهن مغلظا؛ صيانة لجنابهن وحجابهن الرفيع .
إذن فالفضل الوارد لآل البيت إنما يستحقه المؤمنون منهم، المتبعون للسنة، وهم الذين ندين لله (تعالى) بحبهم، والاعتراف بفضلهم، وموالاتهم، ومعاداة من عاداهم .
أما الواقع المشاهد لبعض المنتسبين لآل البيت، من الذين بدلوا وغيروا وحرفوا، وصاروا دعاة للضلالة، ناصرين للبدعة، محيين للشرك الصراح، موالين لأهل الكفر، أما هؤلاء فلا حب لهم ولا كرامة، فإنهم لا يعتبرون من آل البيت، بل حقهم الكراهية والبغض والبراءة والعداوة، كما هو مقرر في باب الولاء والبراء، فتسري عليهم أحكام الشريعة، كما تسري على غيرهم، في حين أن الأمر في حقهم أشد وأقبح؛ فهم يسيئون إليه، ويؤذونه و آل بيته ، لكن أفعالهم الشنيعة، وأعمالهم البشعة لا تغض من قدر آل البيت شيئا، بل قدرهم عند أهل السنة محفوظ، لا يزيله تحريف غال، ولا انتحال مبطل، ولا تأويل جاهل .
إن كثيرا من أولئك الدجاجلة الأفاكون استغلوا نسبتهم لآل البيت، وصدقوا معتقد الرافضة وغلاة الصوفية في أئمتهم، فادعوا العصمة لأنفسهم وصاروا دعاة على أبواب جنهم، ينشرون البدع والضلال والكفر والشرك الأكبر ! .
ألا فليعلم أولئك، والمغترون بهم، والسائرون في ركابهم، أنهم ليسوا على شيء؛ فإن الله (تعالى) ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب ولا سبب، إلا سبب الإيمان والعمل الصالح، وإن النبي لا يغني عن أحد شيئا، ولو كان أقرب قريب، ولو كان نافعا أحدا لنفع أباه، وقد قرر ذلك أعظم تقرير وأوضحه، ولكن القوم في غيهم يعمهون . عن أبي هريرة قال لما أنزلت هذه الآية { وأنذر عشيرتك الأقربين } [الشعراء ] دعى رسول الله قريشا، فاجتمعوا، فعم وخص، فقال ( ... يابني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة ! أنقذي نفسك من النار؛ فإني لا أملك لكم من الله شيئا ... )"
|