ولنذكر بعض ما روي عنهمـ: أخرج الشيخ في «التهذيب» عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا عبد اللهـ عن السبع المثاني والقرآن العظيم أهي الفاتحة؟ قال: «نعم» قلت: بسم الله الرحمن الرحيم من السبع؟ قال: نعم هي أفضلهن أخرج الشيخ في «التهذيب» عن عبد الله بن يحيي الكاهلي عن أبي عبد اللهـ عن أبيه قال: «بسم الله الرحمن الرحيم أقرب إلي اسم الله الأعظم من ناظر العين إلي بياضها» أخرج الكليني عن معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبد اللهـ: إذا قمت للصلاة أقرأ بسم الله الرحمن الرحيم في فاتحة الكتاب؟ قال: «نعم» أخرج الصدوق في «عيون الأخبار» عن الحسن ابن علي العسكريـ قال: قيل لأمير المؤمنينـ أخبرنا عن بسم الله الرحمن الرحيم أهي من فاتحة الكتاب؟ قال: «نعم كان رسول الله(ص)يقرأها ويعدها آية ويقول: فاتحة الكتاب هي السبع المثاني» إلي غير ذلك مما ورد عن أئمة أهل البيت في جزئية البسملة من الفاتحة ويؤيد ذلك أن المأثور المشهور عن رسول الله(ص)قوله: «كل أمر ذي بال لا يبدأ ببسم الله أقطع وكل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر أو أجذم» ومن المعلوم أن القرآن أفضل ما أوحاه الله تعالي إلي أنبيائه ورسله وان كل سورة منه ذات بال وعظمة تحدي الله بها البشر فعجزوا عن أن يأتوا بمثلها فهل يمكن أن يكون القرآن أقطع؟ تعالي الله وتعالي فرقانه الحكيم وتعالت سوره عن ذلك علوا كبيرا والصلاة هي الفلاح وهي خير العمل كما ينادي به في أعلي المنائر والمنابر ويعرفه البادي والحاضر لا يوازنها ولا يكايلها شيء بعد الإيمان بالله تعالي وكتبه ورسله واليوم الآخر فهل يجوز أن يشرعها الله تعالي بتراء جذماء؟! ان هذا لا يجرؤ علي القول به بر ولا فاجر لكن الأئمة البررة مالكاوالأوزاعي وأبا حنيفة ذهلوا عن هذه اللوازم وكل مجتهد في الاستنباط من الأدلة الشرعية معذور ومأجور إن أصاب وإن أخطأالتسمية ولزوم الجهر بها
التسمية ولزوم الجهر بها
قد أثبت البحث السالف الذكر ان التسمية جزء من فاتحة الكتاب ومن صميمها فلا تتم السورة إلا بقراءتها وأما الجهر بها فحكمه كحكم سائر أجزاء السورة فلو كانت الصلاة من الصلوات الجهرية يجب الجهر بها ما لم يدل دليل علي جواز المخافتة مضافا إلي أنه قد تضافرت الروايات علي لزوم الجهر بها ويستفاد ذلك من الروايات التالية: أخرج الحاكم عن أبي هريرة قال: كان رسول الله(ص)يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم أخرج الحاكم عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله(ص)جهر ببسم الله الرحمن الرحيم وقال: رواة هذا الحديث عن آخرهم ثقات وأقره علي ذلك الذهبي في تلخيصه أخرج الحاكم في مستدركه عن محمد بن أبي السري العسقلاني قال: صليت خلف المعتمر بن سليمان ما لا أحصي صلاة الصبح والمغرب فكان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم قبل فاتحة الكتاب وبعدها وسمعت المعتمر يقول: ما آلو أن اقتدي بصلاة أبي وقال أبي: ما آلو أن اقتدي بصلاة أنس بن مالك وقال أنس ابن مالك: ما آلو أن اقتدي بصلاة رسول الله(ص) رواة هذا الحديث عن آخرهم ثقات وأقره علي ذلك الذهبي في تلخيصه أخرج الحاكم عن حميد الطويل عن أنس قال: صليت خلف النبي (ص) وخلف أبي بكر وخلف عمر وخلف عثمان وخلف علي كلهم كانوا يجهرون بقراءة بسم الله الرحمن الرحيم ثم قال: وقد بقي في الباب عن أمير المؤمنين عثمان و علي وطلحة بن عبيد الله وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عمر والحكم بن عمير الثمالي والنعمان بن بشير وسمرة بن جندب وبريدة الأسلمي وعائشة بنت الصديق كلها مخرجة عندي في الباب تركتها إيثارا للتخفيف واختصرت منها ما يليق بهذا الباب وكذلك ذكرت في الباب من جهر ببسم الله الرحمن الرحيم من الصحابة والتابعين وأتباعهم وبما ان الكلام الأخير الذي يدعي إطباق الأئمة علي الجهر بالتسمية في الصلوات يخالف مذهب إمام الذهبي فغاظ غيظه وادعي ان نسبة الجهر إلي هؤلاء كذب محض ثم حلف علي صدق مدعاه مع أن النبي(ص)قال: «البينة علي المدعي واليمين علي المنكر» فمن يدعي الكذب فعليه البينة لا الحلف وإلا ففي وسع كل من يري الحديث مخالفا لهواه وللمذهب الذي نشأ عليه أن يحلف علي كذبه ما رواه الإمام الشافعي في مسنده ان معاوية قدم المدينة فصلي بها ولم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم فاعترض عليه المهاجرون والأنصار بقولهم: يا معاوية سرقت منا الصلاة أين بسم الله الرحمن الرحيم؟! وعلق عليه الشافعي بقوله: فلولا أن الجهر بالتسمية كان كالأمر المتقرر عند كل الصحابة من المهاجرين والأنصار وإلا لما قدروا علي إظهار الإنكار عليه بسبب ترك التسمية وأخرجه الحاكم بنحو آخر وقال: إن أنس بن مالك قال: صلي معاوية بالمدينة صلاة فجهر فيها بالقراءة فقرأ فيها بسم الله الرحمن الرحيم لأم القرآن ولم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم للسورة التي بعدها حتي قضي تلك القراءة فلما سلم ناداه من سمع ذلك من المهاجرين والأنصار من كل مكان: أسرقت الصلاة أم نسيت؟! فلما صلي بعد ذلك قرأ بسم الله الرحمن الرحيم للسورة التي بعد أم القرآن وكبر حين يهوي ساجدا قال الحاكم: هذا حديث صحيح علي شرط مسلم فقد احتج بعبد المجيد بن عبد العزيز وسائر الرواة متفق علي عدالتهم وأقره علي ذلك الذهبي في تلخيصه قال الرازي في تفسيره: إن البيهقي روي الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم في سننه عن عمر بن الخطاب وابن عباس وابن عمر وابن الزبير ثم قال الرازي ما هذا لفظه: وأما ان علي بن أبي طالب كان يجهر بالتسمية فقد ثبت بالتواتر و من اقتدي في دينه بعلي بن أبي طالب فقد اهتدي قال: والدليل عليه قول رسول الله(ص): اللهم أدر الحق مع علي حيث دار أخرج البزار و الدارقطني والبيهقي في «شعب الإيمان» من طريق أبي الطفيل قال سمعت علي بن أبي طالب وعمار يقولان: إن رسول الله(ص)كان يجهر في المكتوبات بـ «بسم الله الرحمن الرحيم» في فاتحة الكتاب أخرج الدارقطني عن عائشة ان رسول الله(ص)كان يجهر بـ «بسم الله الرحمن الرحيم» أخرج الدارقطني عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله: «أمني جبرئيلـ عند الكعبة فجهر بـ «بسم الله الرحمن الرحيم» أخرج الدارقطني عن علي بن أبي طالبـ قال: كان النبي(ص)يجهر بـ «بسم الله الرحمن الرحيم» في السورتين جميعا أخرج الدارقطني والحاكم والبيهقي عن أبي هريرة وكان رسول الله(ص)يجهر بـ «بسم الله الرحمن الرحيم» في الصلاة و زاد البيهقي: «فترك الناس ذلك» أخرج الدارقطني عن عبد الله بن عمر قال: «صليت خلف النبي(ص)وأبي بكر وعمر فكانوا يجهرون بـ «بسم الله الرحمن الرحيم» أخرج الثعلبي عن علي بن زيد بن جدعان ان العبادلة كانوا يستفتحون القراءة بـ «بسم الله الرحمن الرحيم» يجهرون بها: عبد الله بن عباس و عبد الله بن عمر و عبد الله بن الزبير أخرج البيهقي عن الزهري قال: من سنة الصلاة أن تقرأ بسم الله الرحمن الرحيم وان أول من أسر «بسم الله الرحمن الرحيم» عمرو بن سعيد بن العاص بالمدينة وكان رجلا حييا أخرج الدارقطني عن أبي هريرة قال: قال رسول الله(ص)علمني جبرئيل الصلاة فقام فكبر لنا ثم قرأ «بسم الله الرحمن الرحيم» فيما يجهر في كل ركعة أخرج الدارقطني عن الحكم بن عميروكان بدرياقال: صليت خلف النبي(ص)فجهر في الصلاة بـ «بسم الله» و صلاة الليل وصلاة الفجر وصلاة الجمعة وقد احتج الرازي علي لزوم الجهر بالتسمية في الصلوات الجهرية بما أوعزنا إليه في صدر البحث من أن حكم جزء السورة كحكم كلها ولا يصح التبعيض بين الكل والجزء إلا بدليل قاطع
كانت سيرة الإمام على والأئمة بعده علي الجهر بها نقتطف شيئا مما أثر عنهم: أخرج الشيخ أبو الفتوح الرازي في تفسيره باسناده إلي الرضا عن أبيه عن الصادق قال: «اجتمع آل محمد(ص)علي الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم» أخرج علي بن إبراهيم في تفسيره باسناده عن ابن أذينة قال: قال أبو عبد اللهـ: «بسم الله الرحمن الرحيم» أحق ما جهر به وهي الآية التي قال الله عزوجل: (وإذا ذكرت ربك في القرآن وحده ولوا علي أدبارهم نفورا) أخرج الصدوق باسناده عن الأعمش عن جعفر بن محمد انه قال: «والإجهار ببسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة واجب» أخرج الصدوق باسناده عن الفضل بن شاذان فيما كتبه الرضا للمأمون في بيان محض الإسلام جاء فيه:
|