عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 24-08-2024, 07:11 AM   #3
رضا البطاوى
عضو شرف
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 6,890
إفتراضي

ولو افترضنا جدلا إنه لم يرد تحريمه في شرع إبراهيم فهو مستقبح عقلا ولا يليق برسول الله (ص) وما أعطاه الله من الكرامة والمنزلة الرفيعة التي أستحق من خلالها أن يكون خاتم الأنبياء وسيدهم، فمثلا شرب الخمر جاء تحريمه بعد نزول آية تحريم الخمر، فهل من المعقول أن يقربها الرسول (ص)، كذلك فإن كل الروايات التي تحدثت عن حياته الشريفة (ص) ذكرت أنه كان بعيدا كل البعد عن الرذائل التي كانت منتشرة في المجتمع الجاهلي، حتى انه لم يكن يقف مع قريش في مزدلفة أيام الحج، بل كان يقف مع الناس بعرفة ، لأنه يرى أن قريشا كانت مبتدعة في هذا الأمر.
وإذا افترض السهيلي في تبريره أن زيدا ترك أكل ما ذبح على النصب بناءا على رأي رآه، هذا يعني أن عقله أرشده إلى قبح هذا العمل، لأنه حسب ما تذكر الرواية يرى أن الشاة خلقها الله وانزل لها من السماء الماء وانبت لها من الأرض ثم تذبحونها على غير اسم الله)، لذلك فمن غير المعقول أن يمتنع زيد عن هذا العمل القبيح ويباشره الرسول (ص)،

وقد أجاد الذهبي في وصف حال النبي (ص) قبل البعثة من اجتناب الرذائل التي كانت سائدة في المجتمع الجاهلي وما زال المصطفى محفوظا محروسا قبل الوحي، .... والذي لا ريب فيه انه كان معصوما قبل الوحي وبعده وقبل التشريع وبعده من الزنا قطعا ومن الخيانة والغدر والكذب والسكر والسجود لوثن والإستقسام بالأزلام ومن الرذائل والسفه وبذاء اللسان وكشف العورة فلم يكن يطوف بالبيت عريانا ولا كان يقف يوم عرفة مع قومه بمزدلفة بل كان يقف بعرفة وبكل حال لو بدا منه شيء من ذلك لما كان عليه تبعة لأنه كان لا يعرف ولكن رتبة الكمال تأبى وقوع ذلك منه (ص)تسليما) ، لكن على الرغم من ذلك فان الذهبي عندما يأتي ويناقش الروايات المتعلقة بهذا الباب فأنه أيضا يسلك طريق التبرير، ولا يرفض ما جاء في الروايات من تناقضات، وهو على يقين أن هذه الروايات غير مقبولة بدليل أنه علق عليها وحاول أن يجد مخرجا لها، وذلك لسبب بسيط هو أنها جاءت في بعض الكتب المعتبرة عنده ورواتها من الثقاة عند أهل الحديث، فنراه يعلق على رواية نفيل فيقول: مر زيد برسول الله صلي الله عليه وسلم وبابن حارثة وهما يأكلان في سفره فدعواه، فقال: إني لا آكل مما ذبح على النصب .... اللفظ مليح يفسر ما قبله، وما زال المصطفى محفوظا محروسا قبل الوحي وبعده ولو احتمل جواز ذلك فبالضرورة ندري انه كان يأكل من ذبائح قريش قبل الوحي، وكان ذلك على الإباحة، وإنما توصف ذبائحهم على التحريم بعد نزول الآية كما أن الخمرة كانت على الإباحة إلى أن نزل تحريمها بالمدينة بعد يوم احد، ... وبكل حال لو بدا منه شيء من ذلك لما كان عليه تبعة لأنه كان لا يعرف) ، لا ريب أن ما قدمناه من رأي الذهبي فيه كثير من الدقة، فالنبي محروس محفوظ من الله تعالى قبل الوحي وبعده،
وعلى الرغم من أن الذهبي يرفض فكرة أن ينحر الرسول (ص) للأنصاب لأنه معصوم من الشرك، لكنه في نفس الوقت لا يستطع أن يرفض الروايات التي ذكرت هذا الأمر فيقول إنها موضوعة أو مبالغ فيها أو محرفة، فيعلق على رواية النحر بالقول: رواه الحربي في الغريب عن شيخين له عن أبي أسامة ثم قال في ذبحها على النصب وجهان: إما زيدا فعله عن غير أمر النبي (ص)إلا انه كان معه فنسب ذلك إليه لان زيدا لم يكن معه من العصمة والتوفيق ما أعطاه الله لنبيه وكيف يجوز ذلك وهو عليه السلام قد منع زيدا أن يمس صنم وما مسه هو قبل نبوته فكيف يرضى أن يذبح للصنم هذا محال، الثاني أن يكون ذبح لله واتفق ذلك عند صنم كانوا يذبحون عنده، قلت: هذا حسن فإنما الأعمال بالنية أما زيد فاخذ بالظاهر وكان الباطن لله، وربما سكت النبي (ص)عن الإفصاح خوف الشر فانا مع علمنا بكراهيته للأوثان نعلم أيضا انه ما كان قبل النبوة مجاهرا بذمها بين قريش ولا معلنا بمقتها قبل المبعث) .
وحاول العيني إيجاد تفسير مقبول لهذه الروايات، فنقل بعض الآراء التي قيلت قبله كما أسلفنا، وحاول أن يعلق عليها بما يتناسب مع اعتقاده، فذكر رأي ابن بطال الذي لم ينكر الرواية أو يدفع التناقض الذي تحمله، بل حاول تأويلها بما لا تحتمل، فقال إن السفرة لم تكن للنبي (ص) بل لبعض القرشيين، وهم الذين قدموها للرسول (ص) فأبى أن يأكل منها، ثم قدمها لزيد فقال له إنا لا نأكل مما تذبحون على أنصابكم)، ولا يخفى أن هذا تبريرا غير منطقي؛ ..وقد رد ابن حجر العسقلاني على ابن بطال بالقول:

على الرغم من أن هذا الرأي ليس صحيحا لأنه يخالف ما جاء في الروايات التي ذكرت صراحة أن الرسول (ص) كان يذبح للأنصاب أو انه كان يأكل مما ذبح لها، لكنه تطور في فهم هذه القضية لأنه يعني إن بعض شراح كتب الحديث شعروا بالحرج مما جاء في هذه الكتب، لذلك حاول بعضهم تفسير ما جاء فيها بطريقة تنزه الرسول (ص) عن هذه الإساءة، وعلى الرغم من هذا الفهم للإشكال الذي خلقته هذه الروايات، لم يستطيعوا ردها بصورة نهائية وقاطعة، ففضلوا مناقشة التفاصيل وإيجاد حل وسط لها، وذلك
من خلال تأكيد صحة الرواية مع محاولة إبعاد هذه الإساءة عن الرسول (ص)، فنرى ابن حجر أتخذ جانبا آخر في تبريره لهذه الروايات، فلم يكذبها بل حاول إبعاد الأمر عن الرسول (ص)، فنقل رأيا مفاده أن النبي (ص) لا يأكل مما يذبح للأصنام، ويأكل ما عدا ذلك،) ."
والتعليق على راى الشرهانى الذى اعتمد على ما سماه بعصمة النبى(ص) من الذنوب هو أن الرسول (ص) كان معصوما من اذى الناس وليس من الذنوب بعد البعثة كما قال تعالى :
" والله يعصمك من الناس"

والخوض فى تاريخ غير مذكور فى القرآن وهو ما قبل البعثة سوى يتمه وفقره ثم ثوته وغناه لا يمكن البت فيه إلا من خلال الروايات التى كلها روايات متناقضة مع بعضها فرغم أنها فى حادثة واحدة كما يقال إلآ أن ألأحداث تناقضت فيمن رفض الأكل ومن حضر الحادثة ومن أكل
وهو أمر ليس له معنى سوى أن كل الروايات كاذبة لا يصح منها شىء
وأما نتائج بحث الشرهانى فقد قال فيها :
"أما أهم النتائج التي توصل إليها البحث من خلال تتبع الروايات والآراء المتقدمة فيمكن إجماله بالنقاط الآتية:
1 ـ عندما نناقش الروايات التي ذكرت زيدا بن عمرو بن نفيل ونحاول التشكيك في تفاصيلها، فإن هذا لا يعني أننا ننكر كونه من الموحدين في العهد الجاهلي، لأن مصادر المسلمين المختلفة اتفقت على أنه من الموحدين الباحثين عن الدين، لكن الأمر غير المقبول كما قدمنا هو تصوير الرواة لأفضلية زيد على الرسول (ص)

2 ـ إن ما ورد في الأحاديث من المقايسة بين زيد بن عمرو بن نفيل وبين الرسول (ص) لم يكن إلا مبالغة وتقديسا لزيد، ولا نستبعد أن الرواة كانت لهم نوايا ومقاصد من خلال هذه الروايات، وقد نجحوا في دسها في كتب المسلمين المعتبرة.
3 ـ نعتقد أن هذه الروايات فيها جانب كبير من الحقيقة ولاسيما ما يتعلق بتدين زيد بن عمرو بن نفيل، لكن الرواة ضخموها وبالغوا فيها، وذلك لاعتبارات قبلية أو دينية، في خضم الصراع الفكري والمذهبي

4 ـ شعر بعض شراح كتب الحديث بالحرج عندما وجدوا هذه الأحاديث، لذلك أرادوا أن يجدوا مخرجا ملائما لا يمس الرواة، فحاول بعضهم أن يجعل القرابين المقدمة للأصنام غير محرمة قبل الإسلام لذلك فلا مانع من أن يتناول الرسول (ص) لحومها، بينما أدرك بعضهم الآخر عدم صواب هذا الرأي، لان الأمر لا يتعلق بالحلال والحرام بل بكيفية إقبال الرسول (ص) على هذا الأمر وامتناع غيره عنه، ونتيجة لذلك أرادوا دفع هذا الأمر عن الرسول (ص)، فقال بعضهم أن قريشا هي صاحبة السفرة التي تحوي اللحم المقدم كقربان للأصنام، وقال آخرون أن زيدا بن حارثة هو الذي أقدم على النحر للأصنام من دون علم الرسول (ص)، وغير ذلك من التبريرات غير المقنعة، لكن لا أحد منهم حاول رد هذه الروايات مع أنها مسيئة للنبي (ص) ولا يقبلها العقل.
وعلاوة على ما قدمناه فان هؤلاء الشراح اكتفوا بما جاء في صحيح البخاري وعلقوا عليه، لكنهم لم يتطرقوا إلى ما ورد في المصادر الأخرى، كمسند أحمد وسنن النسائي والبيهقي وصحيح ابن حبان والمعجم الكبير للطبراني وطبقات ابن سعد وتاريخ دمشق لابن عساكر والدلائل للاصبهاني وغيرها"
ويظل وجود أمثال هذه الروايات معضلة فى هذا التاريخ المزيف الذى قدمته السير النبوية لا حل لها سوى استبعاد كل روايات تلك من الوجود الإسلامى لتناقضها مع القرآن ومع بعضها البعض
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس