عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 20-06-2023, 07:44 AM   #3
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 6,022
إفتراضي

قال الإمام الذهبي :
(إن إكثار الراوي من الأحاديث التي لا يوافق عليها لفظا أو إسنادا يصيره متروك الحديث
فإذا كان سبب ترك الواقدي هو الأول منفردا أو مع الثاني، فليست التهمة بمنفكة عنه في باب المغازي لكونه واسع العلم بها، إذ التهمة خارمة للعدالة، والعدالة لا تختلف وتتعدد باختلاف وتعدد أبواب العلم بخلاف الضبط، وكون الرجل عدلا مجروح العدالة في آن، ضدان لا يجتمعان!
ولهذا كان الصحيح من أقوال أهل العلم أن المبتدع الثقة تقبل روايته بإطلاق، سواء كان ما رواه له تعلق ببدعته أم لا، وهذا قول أئمة الحديث المتقدمين رحمهم الله.

وإذا كان سبب تركه هو الثاني منفردا وسلمت عدالته إجمالا فلا شك أن كلام الأئمة يلحقها وهنا يحط من رتبتها عن درجة تامي العدالة، ثم ليس سبب تركه في الحديث -على الثاني- بمنتف عنه في المغازي، وليس هو بخلي في هذا الباب عن تلك المحاذير المقتضية للترك، قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
(لا يختلف اثنان أن الواقدي من أعلم الناس بتفاصيل أمور المغازي، وأخبرهم بأحوالها، وقد كان الشافعي وأحمد وغيرهما يستفيدون علم ذلك من كتبه، نعم هذا الباب يدخله خلط الروايات بعضها ببعض حتى يظهر أنه سمع مجموع القصة من شيوخه، وإنما سمع من كل واحد بعضها ولم يميزه، ويدخله أخذ ذلك من الحديث المرسل والمقطوع، وربما حدس الراوي بعض الأمور لقرائن استفادها من عدة جهات، ويكثر من ذلك إكثارا ينسب لأجله إلى المجازفة في الرواية وعدم الضبط
فهذا حال الواقدي في المغازي، ومهما قيل في سعة علمه بها، فما هو قطعا بالضابط لما يرويه ضبط الثقات، بل هو دون ذلك بدركات، ومن نظر فيما يرويه مما صح وثبت من غير طريقه، وقارن روايته بما صح تبين له الحال، ولا يتنافى هذا مع سعة علمه.
فتوثيقه بعد هذا في المغازي مجازفة، ولا مسوغ له في النظر العلمي، ولم أر من أئمة الشأن ممن يعتد بقوله في هذا المضمار قائلا به!!
واعلم أنه لا يشك أحد في سعة العلم الواقدي بالمغازي، ولما كانت العلماء تتساهل في باب المغازي ولا تشترط فيه ما تشترطه في أبواب الأحكام وأقوال سيد الأنام عليه الصلاة والسلام، وكان الواقدي خبيرا بهذا الباب مع ما عليه من كلام، فقد اعتبروا بكلامه في الإخباريات والمغازي واحتاطوا في مفرداته و مخالفاته، وهذا في الأخبار المجردة، فأما في خبر ينبني عليه حكم أوحل أو حرمة فهو متروك تالف.
فليس كلامه في المغازي مقبول جملة لما له فيه من اطلاع، ولا هو مردود جملة لكونه متروك الحديث بالإجماع، فالحق بين هذين لما علمت، فلكلامه في المغازي اعتبار حيث لم ينفرد أو يخالف، إذ انفراده ومخالفته مظنة الغلط أو التهمة، فيحتاط منه ثمة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :

(الواقدي لا يحتج به إذا انفرد، لكن لا ريب في علمه بالمغازي واستعلام كثير من تفاصيلها من جهته، ولم نذكر عنه إلا ما أسندناه عن غيره
ويقول أيضا:
(ومعلوم أن الواقدي نفسه خير عند الناس من مثل هشام بن الكلبي، وأبيه محمد بن السائب وأمثالهما، وقد علم كلام الناس في الواقدي، فإن ما يذكره هو وأمثاله إنما يعتضد به ويستأنس به، وأما الاعتماد عليه بمجرده في العلم فهذا لا يصلح
وقال :
(لا يختلف اثنان أن الواقدي من أعلم الناس بتفاصيل أمور المغازي، وأخبرهم بأحوالها، وقد كان الشافعي وأحمد وغيرهما يستفيدون علم ذلك من كتبه، نعم هذا الباب يدخله خلط الروايات بعضها ببعض حتى يظهر أنه سمع مجموع القصة من شيوخه، وإنما سمع من كل واحد بعضها ولم يميزه، ويدخله أخذ ذلك من الحديث المرسل والمقطوع، وربما حدس الراوي بعض الأمور لقرائن استفادها من عدة جهات، ويكثر من ذلك إكثارا ينسب لأجله إلى المجازفة في الرواية وعدم الضبط، فلم يمكن الاحتجاج بما ينفرد به
ولما جاء إلى موضع انفرد فيه الواقدي بالقول عن جماعة أهل العلم، وكان ينبني على خبره حكم، حكى الإجماع على عدم الاحتجاج به، فقد سئل :
(عن القلتين، هل حديثه صحيح أم لا؟ ومن قال إنه قلة الجبل؟ وفي سؤر الهرة إذا أكلت نجاسة ثم شربت من ماء دون القلتين، هل يجوز الوضوء به أم لا؟
فأجاب:
الحمد لله، قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قيل له: إنك تتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر يلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن؟ فقال: ((الماء طهور لا ينجسه شيء))، وبئر بضاعة باتفاق العلماء وأهل العلم بها هي بئر ليست جارية، وما يذكر عن الواقدي من أنها جارية أمر باطل، فإن الواقدي لا يحتج به باتفاق أهل العلم
فانظر رحمك الله كيف أطلق الإجماع في هذا الموضع على عدم الاحتجاج بالواقدي دون قيد، مع أن ما ذكر عنه إنما هو من باب الأخبار التي لا ينكر علم الواقدي بأمثالها، لكن لما كان هذا الخبر له أثر في حكم شرعي، وكان الواقدي مخالفا فيه الجماعة، حكى الاتفاق على تركه.
فإذا كان هذا هو القول في الواقدي لما كان لخبره الفرد أثرا في حكم من أحكام الطهارة، فكيف هو القول فيه حين يكون لخبره أثرا في حكم من أحكام الإيمان والكفر؟!!
هذا لو صحت نسبة الكتاب إليه ودون ذلك خرط القتاد!!
وقال الإمام الذهبي وهو خلاصة القول في الواقدي:
(وقد تقرر أن الواقدي ضعيف، يحتاج إليه في الغزوات والتاريخ، ونورد آثاره من غير احتجاج، أما في الفرائض فلا ينبغي أن يذكر، فهذه الكتب الستة ومسند أحمد، وعامة من جمع في الأحكام نراهم يترخصون في إخراج أحاديث أناس ضعفاء بل ومتروكين، ومع هذا لا يخرجون لمحمد بن عمر شيئا
فتأمل قوله: (يحتاج إليه في الغزوات والتاريخ ونورد آثاره من غير احتاج) فهو التحقيق الذي لا ينبغي تجاوزه.
وخلاصة ما تقدم أن دعوى لبس الصحابة الصلبان في الفتوح وتقديم كبيرها بين أيديهم حيلة على الرومان، قد خرجت من رحم البهتان!
فالكتاب الذي عنه خرجت مختلق موضوع!
ومن نسب إليه الكتاب متروك، وبالتهمة في قول الأكابر متبوع!

ثم هو على تسليم صحة نسبة الكتاب له، وعلى تسليم توثيقه في المغازي، منفرد بذلك الخبر المنكر الشنيع!
ومع إغضاء الطرف عن تفرده فخبره له أثر في حكم شرعي، والإجماع منعقد على عدم الاحتجاج به في الأحكام!!
فتلك ظلمات فوقها ظلمات! وقفار مهلكات! ليس وراءها من سلامة ولا نجاة!"

وكل هذا الحديث عن ضعف ووهن الواقدى يجعل استدلال الغزى لا قيمة له على صحة ما ذهب إليه من لبس الصحابة للصلبان
ومع أن اصل الكتاب أو البحث هو ارتداء الصحابة للصلبان فالرجل لم يتكلم عن الحكم ور ذكر المواضع التسعة أو العشرة فى الكتاب المذكور التى اوردت لبس الصحابة للصلبان ولكنه تحدث عن التشبه بالكفار فقال :
"وبعد هذا البيان الموجز، فثمة ما يستحق التنبيه، وهو قرن الشيخ أبي الوليد في كلامه بين لبس زي الرومان في الحرب وبين لبس صليبهم وحمله، ثم قال: (ذكر هذا في تسعة أو عشرة مواضع)، وأغلب المذكور في الكتاب إنما هو لبس الزي لا لبس الصلبان!
وموضع كهذا لا ينبغي فيه مثل هذا الإيهام، فبين لبس زي العدو ولبس صليبهم حيلة فرق لا يكاد يخفى على طالب علم.
لقد أنزل الله إلينا كتابا يتلى إلى آخر الزمان، وأبان لنا فيه بإحكام وقول فصل، أن من فعل الكفر فهو كافر إلا المكره، فقال عز شأنه: {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم (106)} [النحل]
يقول الإمام محمد بن عبدالوهاب في كشف الشبهات:
(فلم يعذر الله من هؤلاء إلا من أكره مع كون قلبه مطمئنا بالإيمان، وأما غير هذا فقد كفر بعد إيمانه، سواء فعله خوفا أو مداراة، أو مشحة بوطنه، أو أهله، أو عشيرته، أو ماله، أو فعله على وجه المزح، أو لغير ذلك من الأغراض، إلا المكره).
ويقول الإمام سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب:
(اعلم رحمك الله، أن الإنسان إذا أظهر للمشركين الموافقة على دينهم، خوفا منهم ومداراة لهم، ومداهنة لدفع شرهم، فإنه كافر مثلهم، وإن كان يكره دينهم ويبغضهم، ويحب الإسلام والمسلمين، هذا إذا لم يقع منه إلا ذلك، ... ولا يستثنى من ذلك إلا المكره).
ويقول:

(فحكم تعالى حكما لا يبدل أن من رجع عن دينه إلى الكفر فهو كافر، سواء كان له عذر خوفا على نفس أو مال أو أهل أم لا، وسواء كفر بباطنه وظاهره، أم بباطنه دون ظاهره، وسواء كفر بفعاله أو مقاله، أو بأحدهما دون الآخر، وسواء كان طامعا في دنيا ينالها من المشركين أم لا، فهو كافر على كل حال، إلا المكره، وهو في لغتنا: المغصوب
ونحن نعتقد أن لبس الصليب أو التظاهر بتعظيمه من غير إكراه كفر مخرج من الملة، ونحلف بالله غير حانثين أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعلوه ولا قارفوه وحاشاهم، نعوذ بالله من أن نظن بهم سوءا، بل لفقه عليهم الأراذل الوضاعون، ونسبة هذه الشناعة إلى الصحابة رضوان الله تعالى عليهم خطأ حقيق بأن يستلحق بتبرئتهم منها وتنزيههم عنها.
وحتى لو نوزع في كون لبس الصليب على وجه الحيلة في الحرب أو التظاهر بتعظيمه كفرا، فنسبة الصحابة إلى فعل هو على أقل الأحوال مما اختلف أهل العلم في تكفير فاعله غير خاف ما فيه! ثم الصحابة لم يفعلوه، فالأمر لا ينفك بحال عن كونه أذى يلحقهم وما اكتسبوه ولا عملوه!"

وتحدث عن وجوب إحسان الظن بالصحابة وعدم نسبة مخالفات الشرع لهم فقال :
"وما الظن بالواحد منا لو نسب إلى ما هو أدنى من ذلك بغير برهان أو اعتمادا على قيل وقال إلا الغضبة المضرية! وهيجان الحمية! ولصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى بغضبة الواحد منا لعرضه ونفسه، وإلا نفعل فذاك برهان خلل الإيمان ونقصه، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الله الله في أصحابي، لا تتخذوهم غرضا بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله عز وجل، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه
إن كان في الناس سباقون بعدهم ‍ ... فكل سبق لأدنى سبقهم تبع
أعفة ذكرت في الوحي عفتهم ‍ ... لا يطمعون ولا يرديهم الطمع
أعطوا نبي الهدى والبر طاعتهم ‍ ... فما ونى نصرهم عنه وما نزعوا
إن قال سيروا أجدوا السير جهدهم ‍ ... أو قال عوجوا علينا ساعة ربعوا
ما زال سيرهم حتى استقاد لهم ‍ ... أهل الصليب ومن كانت له البيع
أكرم بقوم رسول الله شيعتهم ‍ ... إذا تفرقت الأهواء والشيع
فإنهم أفضل الأحياء كلهم ‍ ... إن جد بالناس جد القول أو شمعوا"
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس