عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 13-06-2023, 07:28 AM   #2
رضا البطاوى
عضو شرف
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 6,845
إفتراضي

"أيها المسلمون:
لقد كان السلفُ الصالحُ يجتهدون في الإحسانِ إلى والدِيهم وخصوصاً أمهاتِهم، حتى وإن كانوا علماء، ولذلك بارك اللهُ في حياتِهم، وبارك في علمِهم بعد مماتِهم، بسببِ رضا والدِيهم عنهُم، وفي ذِكرِ بعضِ آثارِهم شحذٌ لهممِ الشبابِ خاصةً وغيرِهم عامةً، كان أبو حنيفة رحمه اللهُ تعالى باراً بوالدِيه، وكان يدعو لهما مع شيخِه حمّادٍ، وكان يتصدقُ كل شهرٍ بعشرين ديناراً عن والديه، وقال محمدُ بنُ بشرٍ الأسلميِّ: لم يكنْ أحدٌ بالكوفةِ أبرّ بأمِه من منصورِ بنُ المعتمرِ وأبي حنيفة، وكان منصورُ يفْلِي رأس أُمه، ويقولُ محمدُ بنُ المنكدرِ: بات أخي عمرُ يُصلي، وبِتُ أغمِزُ رِجل أُمي، وما أُحِبُ أنّ ليلتي بليلِته، وعنْ رِفاعة بن إِياسٍ قال: رأيتُ الحارث العُكليّ في جنازةِ أُمه يبكي، فقِيل لهُ: تبْكِي؟ قال: ولِم لا أبكِي وقد أُغُلِق عنيِ بابٌ مِن أبوابِ الجنةِ. عباد اللهِ: قارنُوا بين حالِ هؤلاءِ السلفِ والصالحين، وحالِ كثيرٍ من الأبناءِ اليوم، حيث انقلبتْ الموازينُ، واختلتْ المعاييرُ، فكمْ سمِع الناسُ وقرؤُوا وشاهدُوا مِن مظاهِر العُقوقِ القوليةِ والعمليةِ ما يندى له الجبينُ ويتفطرُ له القلبُ كمدا، فهذه أمٌ تُهانْ، وذاك والدٌ يُضربُ، وآخرُ يُلقى والديه في دُورِ العجزةِ والمُسنِين، تأففٌ وتضجرٌ، وإظهارٌ للسخطِ وعدمِ الرضى، حتى غدت منزِلةُ الصديقِ عند الكثيرِ من شبابِ اليوم أعلى قدراً وأجل مكانةً من الوالدين، بل وجد والعياذُ باللهِ من يتعاملُ بِحُسنِ خُلقٍ ولينِ جانبٍ مع الكفارِ من عمالةٍ وخدمٍ وغيِرِهم، وهو سيءُ الطبعِ والخُلقِ مع أقربِ الناسِ إليه والدِيه وأهله، ألا وإن مِن صُورِ العُقوقِ أيها المسلمون التي تفشت في هذه الأزمانِ ما يكونُ مِن بعضِ الأبناءِ من تفضيلِ زوجتِه على والديه، فيُقدمُ طاعتها على طاعتِهما، ويُؤثر راحتها على راحتِهما، بل قد يتسببُ في إسخاطِهما إرضاءً لزوجته، ويزدادُ الأمرُ شراً وسوءاً إذا كانت الزوجةُ دنيئة الخُلقِ تُعينُ الشيطان على زوجِها تجاه والديه فكم تحدث الناس عن زوجةِ سوءٍ فرقت بين المرءِ ووالدِيه، أو أحدِهما، يخرجُ أحدُهم بزوجته يضرِبُ وإياها في الأرضِ دروباً كثيرةً، دون ضجرٍ أو مللٍ، ولو طلب منه والداه أو أحدهما قضاء حاجةٍ لهما من السفرِ بهما أو الترويحِ عنهما، لقدّم الولد عُذره واعتذاره، وإذا أجاب تجدُه وللأسف كارهاً صحبتهما ومتثاقلاً مرافقتِهما له في حله وترحاله، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء وذكر منها : وأطاع الرجل زوجته وعق أمه وبر صديقه وجفا أباه . رواه الترمذي وغيره "
والحديث باطل والخطأ فيه أن البلاء يحدث نتيجة 15 معصية لله وهو ما يخالف أن البلاء موجود بالمعصية أو بالطاعة كما قال تعالى :
" ونبلوكم بالشر والخير فتنة"
وتحدث عن عقوق الوالدين وكونه كفر فقال:
"عباد الله: أهكذا ينتهي الحال بأُمك التي حملتك كُرهاً، ووضعتك كُرهاً، ورأت الموت بعينِيها حين وِلادتِك؟، أهذا جزاء والدتك التي أرضعتك طعامها، وربتّك في حِجرِها، وأزالتْ عنك الأذى بيمينيها؟
مسكينٌ أنت أيها العاقُ ، تنامُ مِلء جفنيك وقد تركت والدينِ ضعيفِينِ يتجرعانِ من العقوقِ غُصصا، ونسيت أو تناسيت أنك مُمُهلٌ لا مُهملٌ، فعاقبةُ العُقوقِ مُعجلةٌ لصاحبِها في الدِنيا قبل الآخرة ، يقولُ صلى اللهُ عليه وسلم فيما يروى عنه عند الحاكم وصححه: " كل الذنوب يؤخر الله منها ما شاء إلا عقوق الوالدين فإنه يعجل لصاحبه العقوبة قبل الممات " ، ومِن عجِيبِ ما ذُكر في جزاءِ العاقِ ما ذكرهُ ابنُ القيمِ في كتابِ الروحِ قال: قال أبو قزعة: مررنا في بعضِ المياهِ التي بيننا وبين البصرةِ فسمعنا نهيِق حِمارٍ، فقلنا لهم: ما هذا النهيقُ؟ قالوا: هذا رجلٌ كان عندنا، كانتْ أمه تُكلِمهُ بالشيءِ فيقولُ لها: انِهقِي، فلما مات سُمِع هذا النهيقُ من قبرِه كل ليلةٍ.
عبد الله :
لأمكِ حقٌ لو علمِت كثيرُ * كثيِرُك يا هذا لدِيه يسيِر
فكم ليلةِ باتتْ بِثُقلِك تشتكِي * لها من جواها أنةٌ وزفيرُ
وفي الوضعِ لو تدري عليها مشقةٌ * فمِن غُصصٍ منها الفؤادُ يِطيرُ
وكم غسلت عنك الأذى بيمينيها * وما حِجرُها إلا لديك سرِيرُ
وتفدِيك مما تشتِكيِه بنفسِها * ومن ثديها شِربٌ لديك نميرُ
وكم مرةٍ جاعتْ وأعطتك قوتها * حناناً وإشفاقاً وأنت صغيرُ
فآهٍ لذي عقلٍ ويتبِع الهوى * وآهٍ لأعمى القلبِ وهو بصيرُ
فدُونك فارغبْ في عمِيمِ دُعائِها * فأنت لما تدعو إليه فقيرُ"
وتحدث عن حدود البر بالوالدين وهو عدم طاعتهم في أى شر فقال:
"عباد الله:
إن بر الوالدة والإحسان إليها لا يعني خرق حدود الشريعة أو تجاوزها لأجلها، فلا تطاع الأم في معصية الله تعالى، ولا يقدم قولها على قول الله ورسوله، ولا يجوز لنا أن نتشبه بأهل الكفر في طقوسهم تجاه أمهاتهم، حيث يخصصون لها يوماً في السنة للبر بها والإحسان إليها يسمونه يوم الأم ، ولا يخفى أن هذه البدع المحدثة ليست من نهج الإسلام في شيء ، وفيها تقليد لأهل الكفر الذين نهينا عن التشبه بهم وأمرنا بمخالفتهم ومن أبى فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " من تشبه بقوم فهو منهم " .
عبد اللهِ: إن من حقِ الوالدينِ البر بهما والإحسان إليهما، والإنفاق عليهما ، والتوخي لشهواتهما ، والمبالغة في خدمتهما ، واستعمال الأدب والهيبة لهما ، فلا يرفع الولد صوته عليهما، ولايحدق بنظره إليهما، ولا يدعوهما باسميهما ، ويمشي ورائهما، ويصبر على ما يكره مما يصدر منهما إذا أقبلا على الكبرِ والشيخوخةِ، وسوف تبلغُ عبد الله من الكِبرِ عند أبنائِك - إذا قدّر اللهُ لك البقاءُ - كما بلغاهُ عِندك، وسوف تحتاجُ إلى بِرِ أبنائِك كما احتاجا إلى بِرِك، والجزاءُ من جِنسِ العملِ. " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريما* واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا" ."
وتحدث عن البر بهما بعد الموت وهو ليس برا بهما وإنما برا بالأخرين الأحياء لأن صلة الميت تنقطع تماما بغيره بعد موته وفى هذا قال :
"أيها المسلمون: إن مِنْ تمامِ البرِ للوالدينِ بعد وفاتهما الترحم عليهما والصدقة عنهما وصلة الرحمِ التي كانا يصلانِها، جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلى اللهُ عليه وسلم فقال: هل بقِي عليِّ مِن بِرِ أبويّ شيءٌ أبُرُهُما به بعد وفاتِهما؟ قال صلى اللهُ عليه وسلم: نعم! الصلاةُ عليِهما، والاستغفارُ لهما، وإنفاذُ عهدِهما من بعدِهما، وصلةُ الرحمِ التي لا توصلُ إلا بهما، وإكرامُ صدِيقِهما. أخرجه أحمدُ وغيرُه."
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس