عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 03-06-2023, 07:47 AM   #2
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 6,019
إفتراضي

وتحدث عما يحدث في النفوس من أمور تجعل الناس يبتعدون عن حسن الخاتمة فقال:
"وسنبين هنا الأسباب التي تنشأ عنها سوء الخاتمة بإيجاز.
أولا: التسويف بالتوبة:
والتوبة إلى الله من جميع الذنوب واجبة على كل مكلف كل لحظة كما يدل عليه قوله تعالى: وتوبوا إلى الله جميعا أيّها المؤمنون لعلكم تفلحون . وكان ـ وهو مغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، يتوب إلى الله كل يوم مائة مرة، روى الأغر المزني قال: قال الرسول الله : { يا أيها الناس، توبوا إلى الله، فأني أتوب في اليوم مائة مرة }.
وقد بين أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له.
ومن أنجح حيل إبليس التي يحتال بها على الناس التسويف في التوبة، فيوسوس للعاصي بأن يتمهل في التوبة، فإن أمامه زمنا طويلا، ولو تاب الآن ثم رجع لا يمكن أن تقبل توبته بعد ذلك، فيكون من أصحاب النار، أو يوسوس له بأنه إذا بلغ الخمسين أو الستين مثلا عليه أن يتوب توبة نصوحا، ويلزم المسجد ويكثر القربات، أما الآن فإنه في شبابه وزهرة عمره فليمتع نفسه ولا يشق عليها بالتزام الطاعات من الآن.
هذه بعض مكائد إبليس في التسويف في التوبة.
قال بعض السلف الصالح: أنذركم سوف، فإنها أكبر جنود إبليس، ومثل المؤمن الحازم الذي يتوب إلى الله من كل ذنب وفي كل وقت خوفا من سوء الخاتمة ومحبة لله، والمفرط المسوف الذي يؤخر توبته، كمثل قوم في سفر دخلوا قرية، فاما الحازم فاشترى ما يصلح لتمام سفره وجلس متأهبا للرحيل. أما المفرط فإنه يقول كل يوم: سأتأهب غدا،حتى أعلن أمير القافلة الرحيل ولا زاد معه، وهذا مثل للناس في الدنيا، فإن المؤمن الحازم متى ما جاء الموت لم يندم، أما العاصي المفرط فإنه يقول ربي ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت ..."
والغلط في هذا الكلام هو القول بأن إبليس هو من يقول لهم وهو برىء من لك لكونه في النار يعذب من يوم طرده من الجنة ومن يقول هذا هو هوى الإنسان الضال كما قال تعالى :
" أفرأيت من اتخذ إلهه هواه "
فالإنسان هو من يمكر أى يخدع نفسه وليس غيره والكاتب هنا يرمى التهمة عن نفسه إلى غيره ولو كان هذا صحيحا ما أدخله الله النار ولكنه يدخل النار لأنه من عمل
وعاد للحديث عن التسويف متحدثا عنه بلفظ أخر وهو طول الأمل فقال :
"ثانيا: طول الأمل:
وهو سبب شقاء كثير من الناس حين يخدع الشيطان أحدهم فيصور له أن أمامه عمرا طويلا وسنين متعاقبة، يبني فيها آمالا شامخة، فيجمع همته لمواجهة هذه السنين ولبناء هذه الآمال، وينسى الآخرة ولا يتذكر الموت، وإذا ذكره يوما برم منه، لأنه ينغص عليه لذاته، ويكدر عليه صفو عيشه، وقد حذرنا منه الرسول أشد تحذير فقال: { إن أشد ما أخاف عليكم خصلتان: اتباع الهوى، وطول الأمل، فأما اتباع الهوى فإنه يصد عن الحق، وأما طول الأمل فإنه الحب للدنيا }.فإذا أحب الإنسان الدنيا أكثر من الآخرة آثرها عليها، واشتغل بزينتها وزخرفها وملذاتها عن بناء مسكنه في الآخرة في جوار الله في جنته، مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
ويظهر أثر قصر الأمل في المبادرة إلى الأعمال الصالحة واغتنام أوقات العمر، فإن الانفاس معدودة والايام مقدرة، وما فات لن يعود، وعلى الطريق عوائق كثيرة بينها حينما قال: { بادروا بالأعمال سبعاً هل تنظرون إلا إلى فقر منس، أو غنى مطغ، أو مرض مفسد، أو موت مجهز، أو الدجال فشر غائب ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر }.
وقال عبد الله بن عمر: اخذ رسول الله بمنكبي فقال: { كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل } وكان ابن عمر يقول: ( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ) وكان ابن عمر يقول: ( إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك )." والأحاديث التى استشهد بها المطلق كلها باطلة فالأول الخطأ فيه أن الذى يخافه هو اتباع الهوى وطول الأمل والحق أن اتباه الهوى هو نفسه طول الأمل ولم يذكر الله سوى سبب واحد لدخول النار بألفاظ متعددة ذات معنى واحد وهو الهوى كما قال:
"فاعلم إنما يتبعون أهواءهم"
وتحدث عما يصرف الناس عن طول الأمل فقال :
"وقد أرشد رسول الله المؤمنين إلى ما يبعد عنهم طول الأمل ويبصرهم بحقيقة الدنيا، فأمر بتذكر الموت وبزيارة القبور وبتغسيل الموتى وتشييع الجنائز وعيادة المرضى وزيارة الصالحين، فإن كل هذه الأمور توقظ القلب من غفلته، وتبصره بما سيقدم عليه فيستعد له، وسنتكلم عن ذلك بإيجاز:
أ ) أما ذكر الموت دائما فإنه يزهد في الدنيا ويرغب في الاخوة، فيحمل على الاجتهاد في العمل الصالح وعدم الركون إلى الشهوات المحرمة في الدنيا الفانية. وقد روى أبو هريرة أن النبي قال: { أكثروا من ذكر هادم اللذات }.
وعن ابن عمر قال: قال رسول الله : { أكثرهم للموت ذكرا، وأشدهم استعدادا له، أولئك هم الأكياس، ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة }."
والخطأ في الأحاديث السابقة الإكثار من ذكر الموت ويتعارض هذا مع أن الله نهى الرسول عن الحزن فقال فى أكثر من سورة "ولا تحزن "وذكر هازم اللذات جالب للحزن وهذا يعنى وجوب نسيانه
ثم قال:
"ثم يفكر الإنسان في الموتى، ألم يكونوا أقوياء الأبدان يملكون الأموال ويأمرون وينهون، واليوم قد تسلط الدود على أجسادهم فنخرها، وعلى عظامهم فبددها؟ ثم يفكر هل له أن يسلم من الموت أم أنه سيصل إلى ما وصل إليه أولئك فيستعد لتلك الدار،ويتأهب بالأعمال الصالحة، فإنها العملة النافقة في الآخرة...
ب) أما زيارة المقابر فإنها عظة بليغة للقلوب، فإذا رأى الإنسان المساكن المظلمة المحفورة، ورأى هذه النهاية التي يحثو فيها أحياء الميت عليه التراب بعد إدخاله في لحد ضيق، وإغلاقه عليه بلبنات من طين، ثم يرجعون عنه ويقتسمون أمواله، ويتملكون مخصصاته، وتزوجت نساؤه، وينسى بعد أن كان صاحب الكلمة في البيت، يأمر فيطاع، وينهى فلا يعصى، فإذا زار المؤمن المقبرة وتفكر في ذلك أدرك فائدة قول النبي : { زوروا القبور فإنها تذكركم الموت }.
ج) أما تغسيل الموتى وتشييع الجنائز فإن في تقليب الجسد على خشبة المغسلة عظة بليغة، وربما كان شديد البطش والهيبة، وقد صار بالموت جسدا خامداً لا حراك به، يقلبه الغاسل كيف يشاء.
وقد كان مكحول الدمشقي إذا رأى جنازة قال: اغدوا فإنا رائحون، موعظة بليغة وغفلة سريعة، يذهب الأول، والآخر لا عقل له، وكان عثمان إذا شيع الجنازة ووقف على القبر بكى، فقيل له: تذكر الجنة والنار فلا تبكي، وتبكي إذا وقفت على القبر؟ فقال: سمعت رسول الله يقول: { إن القبر أول منازل الآخرة، فإن نجا منه صاحبه فما بعده أيسر منه، وإن لم ينج منه فما بعده أشد }."
والخطأ في الحديث السابق أن القبر أول منازل الآخرة وهو ما يخالف كون القبر دنيوى بينما الآخرة وهى القيامة تكون في كون جديد غير الدنيا كما قال تعالى :
"يوم تبدل ألأرض غير ألأرض والسموات"

ثم قال :
" د) أما زيارة الصالحين فلأنها توقظ القلب وتبعث الهمة، فإن الزائر يرى الصالحين وقد اجتهدوا في العبادة وتنافسوا في الطاعات، لا غاية لهم إلا رضا الله، ولا هدف لهم إلا الفوز بجنته، معرضين عن التفاني على الدنيا والاشتغال بها، لأنها معوقة عن السير في ذلك الطريق الشريف. وقد أرشد الله نبيه أن يصبر نفسه مع هؤلاء: واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا .
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس