عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 08-05-2023, 06:34 AM   #4
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 6,023
إفتراضي

ولا دلالة في قول ابن جريج على المساواة؛ لأن المائة في عبارته كناية عن التكثير، وليس المراد حقيقة مفهوم العدد؛ لصحة الأحاديث في أن الحسنات في مكة بمائة ألف؛ وكذلك لا دلالة في الحديث الذي رواه صاحب ((الاختيار))؛ لجواز أن يكون قوله كذلك عائدا إلى التضعيف فقط.
وسئل الإمام أحمد: هل تكتب السيئة أكثر من واحدة؟ قال: لا، إلا بمكة؛ لتعظيمها.
قال بعض المحققين: قول مجاهد وأحمد بن حنبل، تبعا لابن عباس وابن مسعود في تضعيف السيئات، إنما أرادوا مضاعفتها في الكيفية، دون الكمية. انتهى.

وهذا القول لا نزاع فيه؛ للاتفاق عليه، بل الصواب أنهم يقولون بتضعيفها في الكمية والمقدار، على ما مر؛ وبذلك يفتي أئمتنا قال ابن جماعة وغيره: وأكثر أهل العلم على أن السيئة لا تضاعف بمكة؛ لقوله تعالى: {ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها} انتهى.
لكن القائلين بهذا يقولون: إنها تعظم ولا تتعدد فإن قيل: هل لكون السيئة الواحدة وهي مغلظة فائدة مع كونها تعظم بقدر التعدد، ويلزم منه أنهما حينئذ على حد سواء؟
قلنا: نعم! له فائدة؛ لأنه ورد أنه من زادت حسناته على سيئاته في العدد، دخل الجنة؛ ومن زادت سيئاته على حسناته في العدد، دخل النار ومن استوى حسناته وسيئاته، كان من أهل الأعراف. والله أعلم.
وبالجملة: فالقائلون بهذا يقولون إن الذنب بمكة يربو على الذنب فيما عداها من البلدان، وعلى كلا القولين؛ فهو حري بأن يورث المقت، والعياذ بالله؛ لأن المعصية في حرم السلطان وفناء بيته ليس كالمعصية فيما يبعد عن تلك المحال، لأن المنابذة لأحكام السلطان هناك أظهر، وقد جعل الله مكة حرمه، وجعل بيته فيها؛ ولله المثل الأعلى."

وكل ما سبق هو تكذيب لكتاب الله فلا مضاعفة للحسنات وللسيئات لأن قواعد ألأجر فى كتاب الله ثابتة وهى :
عشر حسنات للعمل غير المالى وفى هذا قال تعالى :
" من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها"

سبعمائة حسنة أو الضعف للعمل المالى وفى هذا قال تعالى :
"مثل الذين ينفقون أموالهم فى سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل فى كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء"
وأما السيئات فالسيئة هى سيئة واحدة فى أى مكان كما قال تعالى :
"ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها"
وما ذكره الله عن ارتكاب السبئات فى الكعبة هو أن العقاب فيها يكون على الإرادة أى تكليم النفس وتقريرها عمل ذنب وهو عقاب فورى حيث يهلم من قرر فى نفسه عمل ذنب فى الكعبة ولا يقدر مخلوق على ارتكاب ذنب فيها كما قال تعالى :
" ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم "

وبالقطع الحديث هو عن الكعبة الحقيقية
وذكر الحنبلى حكاية كاذبة عن ارتكاب ذنب فى الكعبة فقال :
"حكاية
عن علقمة بن مرثد قال: بينما رجل يطوف بالبيت؛ إذ بدت له ساعد امرأة؛ فوضع ساعده على ساعدها يتلذذ به؛ فالتصق ساعداهما، فأتيا بعض الشيوخ؛ فقال له: ارجع إلى المكان الذي فعلت فيه؛ فعاهد رب البيت أن لا تعود، ففعل فخلي عنه.
وحكى أبو بشر عن ابن أبي نجيح: أن رجلا وامرأة حجا من الشام؛ فقبلها وهما يطوفان، فمسخا حجرين، فلم يزالا في المسجد الحرام حتى جاء الله بالإسلام؛ فأخرجا.
والحكايات في هذا المعنى كثيرة لا تليق بهذه المقدمة، وفي هذا كفاية ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
وقد كان في زمن الجاهلية تعجل العقوبة لمن فعل سيئة واستحل شيئا مما حرم لينتهوا؛ فلما بعث الله محمدا (ص)توعدهم فيما انتهكوا مما حرم بالساعة؛ فقال: {بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر}فأخر العقاب إلى يوم القيامة، والله تعالى أعلم."

والحكايات السابقة كلها تتعارض مع عقاب الله على الإرادة وليس على الفعل لأنه لا يقدر أحد على ارتكاب ذنب فيها مهما كان
وأما أخر المسائل فهو تفضيل الطواف على الصلاة وذكر اختلاف الفقهاء فى المسألة فقال:
"المسألة السادسة في تفضيل الطواف على الصلاة في حق الغريب
اعلم -وفقك الله تعالى- أنه قد ورد في فضل الطواف عدة أحاديث أضربنا عنها خوف الإطالة؛ وقد ذكرناها في غير هذه المقدمة.
والحاصل:
أن الأئمة قد اختلفوا: هل الأفضل بمكة الطواف أو الصلاة؟فمنهم من قال: إن الصلاة أفضل؛ واستدل بعموم الأحاديث الصحيحة التي مرت سابقا بأن كل صلاة في المسجد الحرام بمائة ألف ومنهم من قال: إن الطواف أفضل.
والصواب: التفصيل؛ وهو الذي عليه جمهور العلماء وهو أن الطواف للغريب أفضل، والصلاة لغيره أفضل لحديث عمر بن الخطاب: (كان أحب الأعمال إلى النبي (ص)إذا قدم مكة الطواف بالبيت). أخرجه الفاكهي وأبو ذر الهروي وحديث عائشة: إن أول شيء بدأ به النبي (ص)حين قدم مكة، أنه توضأ ثم طاف. أخرجه الشيخان.
قال في ((البحر العميق)): ((أفضل الأعمال بمكة للغرباء الطواف؛ لأنه مخصوص ببقعة البيت دون غيرها من أقطار الأرض؛ فليغتنم تحصيله ولا يرجح على الاشتغال به هنالك غيره)).
وقال في ((شرح الطحاوي)): إن صلاة التطوع لأهل مكة أفضل من طواف التطوع، بخلاف الغرباء؛ لأن الغرباء يفوتهم الطواف، ولا تفوتهم الصلاة، وأهل مكة لا يفوتهم الأمران.
وعن ابن عباس أنه كان يقول: ((أما أهل مكة؛ فالصلاة لهم أفضل؛ وأما أهل الأقطار؛ فالطواف لهم أفضل)).
وتابعه على ذلك سعيد بن جبير، وعطاء، ومجاهد. أخرجه البغوي في ((شرح السنة))وأخرج الموفق -من أصحابنا- في ((المغني)) عن ابن عباس أنه قال: الطواف لكم يا أهل العراق أفضل، والصلاة لأهل مكة أفضل والأخبار الدالة على تفضيل الطواف للغرباء كثيرة، والله أعلم."

والحقيقة أن الصلاة عمل واجب والطواف عمل واجب ولا يمكن أن نقارن بينهما لاختلاف كل منهما عن الأخر ووجوب الاثنين
وأنهى الكتاب بأحاديث كاذبة فقال :
"خاتمة
ذكر بعض العلماء أن الكعبة منذ خلقها الله ما خلت عن طائف يطوف بها من جن أو إنس أو ملك.
قال بعض السلف:
((خرجت يوما في هاجرة ذات سموم؛ فقلت: إن خلت الكعبة عن طائف في حين فهذا الحين، ورأيت المطاف خاليا؛ فدنوت؛ فرأيت حية عظيمة رافعة رأسها تطوف حول الكعبة)). ذكره ابن الصلاح في ((منسكه)).
وحكى لي بعض أصحابنا أنه قال:
خرجت لأطوف في بعض الليالي وأنا مجاور بمكة وقد نامت الأعين، ظانا أنه ليس أحد يطوف حينئذ؛ وإذا بكلب أسود يطوف؛ ففزعت منه ونهرته؛ فلم ينتهر؛ فجاء ووقف عند الحجر وعيناه كشهب النار؛ ففرقت منه وتركت الطواف ومضيت متعجبا.
وعن ابن عباس قال:
((إن الله تعالى وجه السفينة إلى مكة المشرفة فدارت بالبيت أربعين يوما؛ ثم وجهها الله [إلى] الجودي؛ فاستقرت عليه)). رواه ابن الجوزي.
ويروى:
((أن سفينة نوح (ص)طافت بالأرض كلها في ستة أشهر، لا تستقر على شيء حتى أتت الحرم؛ فلم تدخله؛ ودارت بالحرم أسبوعا)). كذا ذكره الثعلبي في ((العرائس))."

الخبل فى تلك الأحاديث هو طواف ألأنواع غير الناس بالكعبة بزعم أنها لم تخلو من طائف مع أن المكلف بالحج هم الناس كما قال تعالى :
" ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا"

والكعبة خلت من الحجاج والعمار أزمانا وما زالت وفى المستقبل بدليل أن لا أحد كان يعرفها مكانها فى عصر إبراهيم(ص) حتى كشف الله مكانها له وطلب منه أن يدعو الناس إلى حجها فقال :
"وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت"
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس