فقد أريد من ذي القربي في هذه الآيات الثلاث مطلق القريب دون أقرباء النبي خاصة لما عرفت من القرائن بخلاف الآيتين التاليتين فإن المراد أقرباء النبي (ص)لنفس الدليل قوله سبحانه (ما أفاء الله علي رسوله من أهل القري فلله وللرسول ولذي القربي) وقوله سبحانه (قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربي) المراد في الآيتين قرابة الرسول (ص)لتقدم ذكره وعدم صلاحية السياق إلا لذلك وأما آية الخمس من سورة الأنفال المتقدم ذكرها فقد اتفق المفسرون علي أن المراد من ذي القربي قرابة الرسول (ص) فسدس الخمس لذي القربي و هو حكم خالد ثابت غير منسوخ إلي يوم القيامة وأما الأسداس الثلاثة الباقية فهي للأصناف الثلاثة المذكورة في الآية ـ أعني اليتامي والمساكين وابن السبيل ـ وهل المراد مطلق اليتامي والمساكين وأبناء السبيل أو يتامي آل محمد و مساكينهم وأبناء سبيلهم وبالجملة الثلاثة من ذوي القربي علي الخصوص؟ والسياق هنا وإن لم يقتض الالتزام بأحدهما إلا أن السنة الشريفة الواردة عن الرسول (ص)وأهل بيته اقتضت الأخير كما يأتي في البحث التالي "
الغريب في الفقرة السابقة هو اعتراف السبحانى بأن المصارف ستة في الاية ومع هذا تقسم على خمسة وهو كلام متناقض
وأما قرابة الرسول(ص) فالمراد بها أسرته التى يجب أن ينفق عليهم فقط وهم الزوجات والأولاد حتى العمل أو الزواج والوالدين إن وجدا ومن ثم لا تنصرف القرابة إلى غيرهم من أولاد بناته المتزوجات أو أعمامه أو أولاد اعمامه وعماته وغير هذا
وتحدث الرجل عن المصارف وتقسيمها فقال :
"مواضع الخمس في السنة
وأما السنة فهي أيضا تدعم ما هو مفاد الآية روي عن ابن عباس كان رسول الله (ص)يقسم الخمس علي ستة لله وللرسول سهمان وسهم لأقاربه حتي قبض إن السهم الوارد في قوله «وسهم لأقاربه» تعبير آخر عن ثلاثة أسهم من الخمس يدل عليه قوله «علي ستة لله وللرسول سهمان» فان معناه سهم لله وسهمان للرسول أي سهم لنفس الرسول وسهم «لذي القربي» فتبقي الأسهم الثلاثة في الخمس و من لأقاربه أعني اليتامي والمساكين وابن السبيل وهذا هو الذي عليه الإمامية في تقسيم الخمس و روي عن أبي العالية الرياحي كان رسول الله (ص) يؤتي بالغنيمة فيقسمها علي خمسة فتكون أربعة أخماس لمن شهدها ثم يأخذ الخمس فيضرب بيده فيه فيأخذ منه الذي قبض كفه فيجعله للكعبة و هو سهم الله ثم يقسم ما بقي علي خمسة أسهم فيكون سهم للرسول وسهم لذي القربي وسهم لليتامي وسهم للمساكين و سهم لابن السبيل قال والذي جعله للكعبة فهو سهم الله ولعل جعله للكعبة كان لتجسيد السهام وتفكيكها وربما خالفه كما روي عطاء بن أبي رباح قال «خمس الله وخمس رسوله واحد وكان رسول الله (ص)يحمل منه ويعطي منه و يضعه حيث شاء ويصنع به ما شاء» والمراد من كون سهمهما واحدا كون أمره بيده (ص)بخلاف الأسهم الأخر فإن مواضعها معينة وبذلك يظهر المراد مما رواه الطبري «كان نبي الله إذا اغتنم غنيمة جعلت أخماسا فكان خمس لله ولرسوله ويقسم المسلمون ما بقي (الأخماس الأربعة) وكان الخمس الذي جعل ـ كما يظهر ـ أن أمر السهمين كان بيد الرسول ولذا جعلهما سهما واحدا بخلاف السهام الأخر وإلا فالخبر مخالف لتنصيص القرآن الكريم لتصريحه بأن الخمس يقسم أسداسا وأما تخصيص بعض سهام الخمس بذي القربي ومن جاء بعدهم من اليتامي والمساكين وابن السبيل فلأجل الروايات الدالة علي أنه لا تحل لهم الصدقة فجعل لهم خمس الخمس من آل محمد (ص) روي الطبري كان آل محمد (ص)لا تحل لهم الصدقة فجعل لهم (ذوي القربي) خمس الخمس وقال قد علم الله أن في بني هاشم الفقراء فجعل لهم الخمس مكان الصدقة كما تضافرت الروايات عن أئمة أهل البيت فجعل لهم تارة خمس الخمس بلحاظ المواضع الخمسة ما سوي لله وجعل كله لهم مرة أخري كما في ذيل كلامه «فجعل لهم الخمس» باعتبار أن أمره أيضا بيده فلا منافاة بين الجعلين
أن السهام الأربعة من الخمس لآل محمد (ص) فتبين ان سدس الخمس لذي القربي والأسداس الثلاثة الباقية للطوائف الثلاث من آل محمد هذا ما يستفاد من الكتاب و السنة غير أن الاجتهاد لعب دورا كبيرا في تحويل الخمس عن أصحابه وإليك ما ذهبت إليه المذاهب الأربعة إسقاط حق ذي القربي بعد رحيل النبي (ص)اتفق أكثر فقهاء المذاهب تبعا لأسلافهم علي إسقاط سهم ذوي القربي من خمس الغنائم وغيره وإليك كلماتهم قالت الشافعية والحنابلة تقسم الغنيمة و هي الخمس إلي خمسة أسهم واحد منها سهم الرسول ويصرف علي مصالح المسلمين و واحد يعطي لذوي القربي وهم من انتسب إلي هاشم بالابوة من غير فرق بين الأغنياء والفقراء والثلاثة الباقية تنفق علي اليتامي والمساكين وأبناء السبيل سواء أ كانوا من بني هاشم أو من غيرهم وقالت الحنفية إن سهم الرسول سقط بموته أما ذوو القربي فهم كغيرهم من الفقراء يعطون لفقرهم لا لقرابتهم من الرسول وقالت المالكية يرجع أمر الخمس إلي الإمام يصرفه حسبما يراه من المصلحة ز وقالت الإمامية إن سهم الله وسهم الرسول وسهم ذوي القربي يفوض أمرها إلي الإمام أو نائبه يضعها في مصالح المسلمين والأسهم الثلاثة الباقية تعطي لأيتام بني هاشم ومساكينهم وأبناء سبيلهم ولايشاركهم فيها غيرهم وفي هامش «المغني» لابن قدامة بعد ما روي أن أبابكر وعمر قسما الخمس علي ثلاثة أسهم «و هو قول أصحاب الرأي ـ أبي حنيفة وجماعته ـ قالوا يقسم الخمس علي ثلاثة اليتامي والمساكين وابن السبيل وأسقطوا سهم رسول الله بموته وسهم قرابته أيضا وقال مالك الفيء والخمس واحد يجعلان في بيت المال وقال الثوري والخمس يضعه الإمام حيث أراه الله عز وجل وما قاله أبو حنيفة مخالف لظاهر الآية فإن الله تعالي سمي لرسوله وقرابته شيئا وجعل لهما في الخمس حقا كما سمي الأصناف الثلاثة الباقية فمن خالف ذلك فقد خالف نص الكتاب وأما جعل أبي بكر وعمر سهم ذي القربي في سبيل الله فقد ذكر لأحمد فسكت وحرك رأسه ولم يذهب إليه ورأي أن قول ابن عباس و من وافقه أولي لموافقته كتاب الله وسنة رسوله (ص) إسقاط سهم ذي القربي اجتهاد تجاه النص ثم إن الخلفاء بعد النبي الأكرم اجتهدوا تجاه النص في موارد منها إسقاط سهم ذي القربي من الخمس وذلك أن الله سبحانه وتعالي جعل لهم سهما وافترض أداءه نصا في الذكر الحكيم والفرقان العظيم يتلوه المسلمون آناء الليل وأطراف النهار وهو قوله عز من قائل (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه و للرسول ولذي القربي واليتامي والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله و ما أنزلنا علي عبدنا يوم الفرقان يوم التقي الجمعان والله علي كل شيء قدير) وقد أجمع أهل القبلة كافة علي أن رسول الله (ص)كان يختص بسهم من الخمس ويخص أقاربه بسهم آخر منه وأنه لم يعهد بتغيير ذلك إلي أحد حتي قبضه الله إليه وانتقاله إلي الرفيق الأعلي فلما ولي أبو بكر تأول الآية فأسقط سهم النبي وسهم ذي القربي بموت النبي (ص) ومنع بني هاشم من الخمس وجعلهم كغيرهم من يتامي المسلمين ومساكينهم و أبناء السبيل منهم ...وأما أبو حنيفة وأصحابه فقد أسقطوا بعد النبي (ص)سهمه وسهم ذي قرباه وقسموه بين مطلق اليتامي والمساكين وابن السبيل علي السواء لا فرق عندهم بين الهاشميين وغيرهم من المسلمين والشافعي جعله خمسة أسهم سهما لرسول الله (ص)يصرف إلي ما كان يصرف إليه من مصالح المسلمين كعدة الغزاة من الخيل والسلاح والكراع و نحو ذلك وسهما لذوي القربي من بني هاشم وبني المطلب دون بني عبد شمس وبني نوفل يقسم بينهم (للذكر مثل حظ الأنثيين) والباقي للفرق الثلاث اليتامي والمساكين وابن السبيل مطلقا إلي هنا خرجنا بالنتيجة التالية إن الخمس يقسم علي ستة أسهم الثلاثة الأولي أمرها بيد الإمام يتولاها حسب ما رأي من المصلحة والثلاثة الأخري للأيتام والمساكين وأبناء السبيل من آل النبي الأكرم لا مطلقهم
"جاهدوا بأموالكم و أنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون "
قال الإمام علي بن موسي الرضا رحم الله عبدا أحيا أمرنا يتعلم علومنا و يعلمها الناس؛ فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا (بنادر البحار – في تلخيص بحار الأنوار للعلامة فيض الاسلام عيون أخبار الرضا الشيخ الصدوق)"
وهذا الكلام الأغلاط فيه هى :
الأول أن المراد بالأقارب بنى هاشم وهو ما يخالف أن القرابة المرادة هى القرابة الواجب الانفاق عليها وهى :
الوالدين كما قال تعالى :
"يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين"
الأولاد كما قال تعالى :
"وعلى المولود رزقهن وكسوتهن بالمعروف "
ونفقة الأولاد تنتهى بمجرد عمل البنين منهم وبمجرد زواج البنات فإنها تنتقل للزوج
الزوجات كما قال تعالى :
" الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم"
ومن ثم لا علاقة لبنى هاشم ولا حتى أبناء فاطمة أو أبناء زينب أو غيرهم لأن نفقتهم على أزواجهم وعلى البنين بما أنهم يعملون
الثانى :
إلغاء سهم الرسول(ص) وذو قرباه والحقيقة أنه لا يلغى لأن مكانه الحاكم وأسرته الوالدين والأولاد والزوجات وهم من تجب نفقته عليهم
والسبحانى يناقض نفسه عندما يقول بوجوب بقاء سهم الرسول(ص) مع موته فكيف يكون لميت سهم؟ وعندما يقول بوجوب سهم ذوى قربى النبى(ص) معتبرا إياهم بنى هاشم وهم الآخرين ماتوا زوجاته وأولاده ووالديه ومن ثم
إذا الكل ملغى لموتهم أو أن النص ثابت وحل محل الرسول (ص) الحاكم وأسرته في ذلك النص والسبب هو أن الحاكم لا يعمل عملا يجلب له المال فتكون نفقته من أمور كالغنيمة والفىء وهو لا يأخذ منها لنفسه الكثير وإنما مجموع ما يخرج له من كل الأحكام يكون على قدر فرد من المسلمين
ومن ثم لا يوجد إلغاء لأى سهم من السهام الستة
|