نظرات فى كتاب المسؤولية التربوية في الإسلام
نظرات فى كتاب المسؤولية التربوية في الإسلام
المؤلف عبد القادر قسم السيد الدابي وهو يدور حول المسئولية التربوية فى المجتمع وقد استهل بحثه بالحديث عن شمولية الإسلام عند حديثه عن كل الأمور فقال :
"أما بعد،،،
فإن القرآن الكريم باعتباره منهج حياة تناول كل احتياجات الإنسان وغيره من الكائنات اعتمادا على قاعدة: {ما فرطنا في الكتاب من شيء ..... } ، ولذلك بسط حقائق الأشياء بكل دقة وإيجاز, فإذا تناول أي جانب من الجوانب، فإنه يتكلم عنه بدقة وشمول وإحاطة وواقعية ومرونة, فإن تكلم عن الكون، بهرك بعجائبه وأسراره وسننه وقوانينه التي تحكم حركته وتبين علاقات عناصره, وإذا تناول الإنسان، فصل القول من كل النواحي، وإذا تكلم عن الحياة بين نظرته إليها بكل وضوح وبكل شفافية, وإذا تكلم عن التربية بسط القول فيها وأبان وبين حقيقتها والأطراف المسؤولة عنها ودور كل طرف في المسؤولية التربوية، حيث يقرر إن التربية في الإسلام مسؤولية الجميع, مسؤولية كل من: الأسرة، والفرد، والمسجد، والمدرسة، والمجتمع، والمربي، كما أنها مسؤولية المتعلم وذلك على النحو التالي:"
وأول ما تحدث عنه مسئولية الأسرة فقال :
"[أ] مسئولية الأسرة:
إن المولود يولد على الفطرة أو يأتي إلى الدنيا صحيفة بيضاء، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه, والإسلام دين الفطرة والأسرة يمكنها تربية أبنائها وأطفالها مع التوجيه والإرشاد وتنمية الفطرة الصالحة حتى تضمن السير بهم على الطريق السوي، وربما تسلك بهم سبل الضلال والفساد
قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا ..... } ، وقال تعالى: {وامر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى} .
وقال رسول الله -: (مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر)
إن هذه النصوص الكريمة تشير إلى مسؤولية الأسرة في تربية النشء، فهي الأساس للتربية الاجتماعية السليمة، ولذلك فإن الإسلام جعل الزواج سكنا ومودة ورحمة ليهيئ البيئة المستقرة المطمئنة التي تعين على التربية الصالحة ، قال تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} وقال تعالى: {والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما}
فالإسلام يجعل حب الأبناء والعناية بتربيتهم تربية اجتماعية إسلامية سليمة، عبادة وواجبا اجتماعيا كبيرا.
والإسلام اهتم بالأم وأفرد لها مساحة كبيرة في تربية النشء خلقيا، واجتماعيا، وسلوكيا، وذلك لأن الطفل في السنوات الخمس الأولى من عمره يكون ملتصقا بالأم، فهي التي ترسم الخطوط الأساسية التي تبنى عليها شخصية الطفل في مقبل أيامه, هذا يعني أن الأم عليها أن تقوم بدور الموجهة والمربية، الأمر الذي يتطلب منها أن تفكر دائما في أحسن الطرق التي تمكنها من تربية أطفالها حتى تعدهم للمشاركة في المجتمع بأخلاقهم وأعمالهم"
والخطأ فى هذا الكلام أن الأم هى من ترسم ما تبنى عليه شخصية طفلها ذكرا أو أنثى فى سنوات التربية الخمس الأولى فالتربية لا تفرض على الطفل شىء وإنما كل مربى يقوم بدوره المطلوب منه من الله وأما النتيجة فقد تكون على غير ما يريد ألأبوان المسلمان كما قال تعالى فى الولد الذى كفر عندما كبر بعد أن ربياه على دين الله وفيه قال تعالى :"والذى قال لوالديه أف لكما أتعداننى أن أخرج وقد خلت القرون من قبلى وهما يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين"
وابن نوح(ص) مثال أخر لذلك فالتربية نتيجتها ليست مضمونة وكما أنها لم تنتج المراد فى تلك الحالات فقد أنتجت أولاد صالحين كإسماعيل (ص) وإسحاق أولاد إبراهيم(ص)
وحتى التربية الكفرية ليست مضمونة النتيجة فموسى(ص) الذى تربى فى قصر فرعون كما قال " ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنينا"لم يكن كافرا مثل من تربى فيهم ولكنه كان مسلما ويوسف (ص) الذى تربى فى بيئة كافرة عند عزيز مصر كما يقال كان مسلما رغم أنه تربى فى بيئة كافرة
واستشهد الدابى على حكاية الخمس سنوات بالحكاية التالية :
"وكمثال لتلك الأم يمكن أن نأخذ تلك المرأة الأعرابية المسلمة التي رأى أحد الناس ابنها فأعجب بمنظره فسألها عنه, فقالت: "إذا أتم خمس سنوات أسلمته إلى المؤدب، فحفظ القرآن فتلاه, فعلمه الشعر فرواه, ورغب في مفاخرة قومه, وطلب مآثر آبائه وأجداده، فإذا بلغ الحلم حملته على أعناق الخيل فتمرس وتفرس, ولبس السلاح, ومشى بين بيوت الحي وأصغى إلى صوت الصارخ"
فهذه الإجابة تمثل منهجا كاملا في التربية, وذلك لما تضمنته من قيم اجتماعية إسلامية راقية في لغة سليمة عذبة جذابة، مما يلفت الأنظار إلى دور الأم المسلمة المتعلمة الواعية التي يمكنها أن تتخذ من اللغة وسيلة لتربية أطفالها فهي تعلم أنها إذا خاطبت أطفالها بلغة هادفة، مكنها ذلك من أن تغرس فيهم خلقا عظيما. فاللغة السليمة تعين على التفكير المنظم، والمنطق الواضح، والخيال الواسع، والذوق السليم، والنظام، وحسن معاملة الآخرين، وكلها صفات يحتاج إليها المجتمع, ومن ذلك ما نقلته إلينا وسائط التربية عن مدى فصاحة وبلاغة المرأة العربية في الماضي كمثال على الذوق الجميل، والأدب الرفيع، والحكمة البالغة، والرأي السديد، الذي كانت تتمتع به المرأة من قبل, والذي تحتاجه الأم في عصرنا هذا، وتسعى من أجل أن تبلغ تلك المرتبة التي وصلت إليها المرأة العربية فيما مضى، فلنتناول وصية أسماء بنت خارجة لابنتها عند التزوج حيث قالت لها: "إنك خرجت من العش الذي فيه درجت , فصرت إلى فراش لم تعرفيه, وقرين لم تألفيه, فكوني له أرضا يكن لك سماء، وكوني له مهادا يكن لك عمادا، وكوني له أمة يكن لك عبدا، لا تلحفي به فيقلاك ، ولا تباعدي عنه فينساك، إن دنا منك فأقربي منه, واحفظي أنفه وسمعه وعينه، فلا يشمن منك إلا طيبا، ولا يسمع إلا حسنا، ولا ينظر إلا إلى جميل" .
فهذه الوصية ترينا ذكاء الأم العربية، ونظرها الصائب، وحكمتها، وتجربتها الرائعة، ولغتها العذبة.
وإلى جانب ذكاء الأم العربية، هناك أيضا إيمان المرأة المسلمة وقوة عقيدتها التي انعكست على تربية أبنائها, فلنتأمل نصيحة الخنساء لأبنائها الأربعة في الليلة التي وقعت فيها معركة القادسية حيث قالت: "يا بني إنكم أسلمتم طائعين, وهاجرتم مختارين، فاعلموا أن الدار الآخرة خير من الدار الفانية، اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون. فإذا رأيتم الحرب قد شمرت عن ساقها, فيمموا وطيسها تظفروا بالغنم والكرامة في دار الخلد والمقامة".
فلما أقبل الصباح أسرعوا إلى مراكزهم, وتقدموا واحدا بعد آخر يذكرون وصية أمهم المؤمنة الصابرة المحتسبة, حتى استشهدوا جميعا، فلما عرفت الخبر قالت: "الحمد لله الذي شرفني باستشهادهم وأرجو من ربي أن يجمعني بهم في مستقر الرحمة" .
|