"وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفو الذى بيده عقدة النكاح وأن تعفوا أقرب للتقوى"
الثانى الاختلاف المحرم وهو الخروج على شرع الله وهو ما سماه الله عصيان الله كما قال :
"ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها"
ومرد وهو سبب الاختلاف هو المشيئة كما قال تعالى :
" فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"
ومن داخل أسباب الاختلاف المباح الخطأ الذى سماته الرجل سوء الظن وهى تسمية ليست صحيحة فالخطأ هو عصيان الله نتيجة الجهل بحكمه أو نتيجة الظن الخاطىء وهذا ما سموه بالاجتهاد
وهذا الاختلاف من ضمن الاختلاف المباح الذى لا يعاقب الله عليه نتيجة الجهل كما قال تعالى :
" وليس عليكم جناح فيما اخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم"
وتحدث عن الخلاف المذموم أى المحرم فقال :
"ويتضح أن الخلاف المذموم هو ما كان مخالفا للحق ، أو نابعا عن غرض نفسي أو دفع إليه سوء الظن أو سوء الفهم ، وهنا ينبغي على المؤمن أن يتحرى الحق في كل شيء ، وأن يبحث عن الحقيقة ، وأن يحوط تفكيره وسلوكه وحياته كلها بسياج من التقوى ، ويحتاج الإنسان من أجل ذلك إلى عدة أشياء:
- العلم ، فإنه نور ، فكم من خلاف كان مبناه الجهل وليت أن من جهل شيئا لم يعاده حتى يتبين له فيه وجه الحق:
((ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا )) { سورة الإسراء - آية 36}.
- التواضع ، فإن التعالم وحسبان الإنسان نفسه عالما وصل إلى مرتبة العلماء الراسخين هو الغرور بعينه ، وهو مزلق خطير من مزالق الشيطان فإنه يؤدي إلى الإعجاب بالنفس والرأي ، وإلى التمسك بالخطأ أو الباطل حين يقع في قبضة الحق.
- الورع ، فلا يأنف الإنسان عن قول الحق إذا علم موضع الحق ، ولا الرجوع إلى الحق إن بان له ذلك.
- إخلاص النية ، فإن كثيرا من الخلاف دافعه الانتصار للنفس وتلبية رغباتها وحظوظها ، أو حب الشهرة ، ولو أخلص الإنسان نيته لم يقم أمره على النزاع:
( من تعلم العلم ليباهي به العلماء أو ليماري به السفهاء لقي الله يوم القيامة وهو خائب من الحسنات )
إن من فقد شيئا من هذه الأمور فهو أمام حفرة من حفر الشيطان التي يوقع فيها الإنسان ، يا ترى كيف من فقد كل هذه الأشياء ؟!!
أعرف أن مثل هذه العبارات ثقيلة على نفوسنا ، وذلك لأن تربية النفس هي آخر ما نعتني به في حياتنا –إلا من رحم الله- ولو أننا صدقنا مع أنفسنا في خطابها وعتابها ومحاسبتها ومعاقبتها لوجدنا أن كثيرا من خلافاتنا هي نفثة الهوى أو نفخة الشيطان ، أو انطفاء شعلة العلم ، أو غير ذلك مما يعتري العقل من ذهاب نوره ، أو يعتري الإيمان من الضعف والاضطراب.
إن من واجب المؤمن هو أن يبحث عن موضع الخلل في حياته ، في تفكيره ، في تصوراته ، في سلوكه وأخلاقه وتعامله ، في عبادته ، في كل شيء ..
ومن أوتي عقلا سليما كان أكمل في رد النفس الشرودة إلى ميدان الصواب
كيف يتأتى للمؤمن العاقل أن يعيش حياته مليئة بالأخطاء دون نظر ولا تأمل ، ولا تفكر ولا تدبر في الحال والعاقبة ؟!!
وإلام يظل الإنسان يخطئ في حق الله تبارك وتعالى ، وفي حق نفسه ، وفي حق إخوانه ، ممن ليس بينه وبينهم إلا روابط الإيمان ؟!!
من منا فحص نفسه وفتش عن عيوبه ، وأحصاها –وهي كثيرة- وأعطى لنفسه مجالا لإصلاحها ، ووضع لها برنامجا للتربية والتهذيب وتكميل النقص وسد الخلل ؟!!
نظرنا إلى أنفسنا فوجدناها تسرح في ميادين الجهل ، فهل رتعنا بها في رياض العلم ؟!! ونظرنا إلى أنفسنا فرأيناها محفوفة بأوار الهوى ، فهل أطفأناه من حياض الإيمان وبرد اليقين ؟!!
إن القوة الحقيقة هي التي تصرع نفس صاحبها قبل أن تصارع نفوس الآخرين ، ومقتضى الإيمان الصحيح أن يكبح جماح النفس عما يخالف الحق ، هنالك يبلو الإنسان نفسه ، في مواطن الشدة ، و مواقف القلق ، ولحظات النزق ، حين يطيش اللب عن الصواب !!
وإن كنت أعجب من الخلاف بين إخوة لم يفرقهم إلا سوء تفاهم ونحوه ، فإن العجب يشتد في شهر رمضان الكريم. إذا لم يكن لهذا الشهر نفحاته ، ورحماته ، وبركاته ولا لحرمته وكرامته على الله سبحانه دور في تربية النفوس وتهذيبها ، ففيم نلتقي ، وعلى أي شيء نجتمع ؟!!
تجنب قيود الحظ فالحظ مرتهن *** وأرهق جنود النفس حربا ولا تهن
وفي ظلمات الطبع بالحق فاستبن *** وعرج على باب العليم وسله من
مواهب نور العلم بحرا قليذما
أين الذين يرتقون في سلم المعالي يوما بعد يوم ، وساعة إثر ساعة ؟!
رقوا بكمالات الهدى منتهى العلا *** وأنزلهم من قربه الحق منزلا
وأوردهم من مورد الود منهلا *** وهم في الثرى قاموا وأرواحهم إلى
سما العرش والكرسي دونهما سما"
وعاد فى نهاية حديثه إلى السؤال من جديد مبينا أن نتائج الخلاف المذموم سيئة فقال :
"في الختام أعود فأقول مرة أخرى:
لماذا نختلف ؟!!
إن للاختلاف آثارا سلبية كثيرة على الفرد وعلى الأمة ، ويمكن ذكر بعض آثارها فيما يلي:
1- تنمية الطبائع الجبلية في الإنسان ، مما يصعب علاجها في مراحلها المتقدمة.
2- الاضطراب في التصرف والسلوك ، فتارة غضب وتارة سكون وهكذا.
3- ردة فعل عكسية عن كثير من أعمال الخير التي فيها صلاح للآخرين.
4- العداوات والشحناء بين أهل البيت الواحد والصف الواحد ، وذلك هزيمة وضعف:
(( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين )) { سورة الأنفال - آية 46 }
5- يطمع الأعداء في الأمة المتناحرة أكثر من طمعها في الأمة المتكاتفة ، وهنالك سيندس المندسون وسيجد المغرضون فرجا وثغورا لزيادة الجراح كيا ، وإثارة القلاقل وبث روح الفرقة والخصام وتأصيل الخلاف وتثبيته في النفوس."
وتحدث عن أحوال الأمة فى عصرنا وكونها أحوال سيئة مرجعا ذلك إلى الاختلاف فقال :
"إخوتي الكرام
نظرة سريعة في حالنا:
- قلة عدد.
- قلة مال.
- قلة علماء.
أيحتمل الأمر –مع ذلك- خلافا وفرقة ، ونحن بالأمس القريب بدأنا نلملم شتاتنا ونستعيد قوانا ونشحذ عزائمنا ؟!! أليس لنا عبرة بغيرنا وبما حل فيهم من النزاع الذي أذهب الريح وأضعف القوى ؟!!
أين العقول معشر الرجال ؟!!وإذا كان لابد من الخلاف فليكن في أضيق نطاق وأضعف حالاته وفوق كل ذلك أرشدنا القرآن الكريم إلى أحسن أسلوب وأفضل طريقة لحل الخلافات والنزاعات:
(( فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا )) { سورة النساء - آية 59}."
ومن ثم وجب على الكل العودة إلى مصدر التوحيد أى الوحدة وهو كتاب الله وهذا هو الحل الذى قاله المؤلف فى نهاية مثاله
|