عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 05-01-2023, 08:29 AM   #1
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 6,057
إفتراضي قراءة فى كتاب القراءة المحشاة

قراءة فى كتاب القراءة المحشاة
الكتاب من تأليف حمزة آل فتحي وهو يدور حول وضع حواشى للكتب المحققة أو الكتب المعاد نشرها والمؤلف فى الكتاب يبين ضرورة وضع الحواشى للكتب فيقول:
"وبعد ...
فلقد توارثنا من مشايخنا فنون العلم والقراءة والاطلاع، فكان مما علمونا وأرشدونا، التزام كتاب واحد في القراءة، تدقيقا وتحقيقا، وعدم إطلاق سراحه دون حاشية كاشفة، ودماء نازفة، تجلي مبهمه، وتكشف مغلقه، وتعرف غامضه!! بحيث تضاعف فوائده بكثرة مسائله، وتزيد من حسنه وجودته .."
وتحدث عن أنواع التحشية فقال :
"فمن ذلك النهج، واستحضارا لمقولة الإمام الأستاذ، أبي زيد اللغوي:
(لا يضئ الكتاب حتى يظلم)!!
بدا لي من الأهمية بمكان، ومن العلم بامتياز، ضرورة التحشية والتقييد على الكتاب المقروء، وهي على ضربين:
1) تحشية طبيعية شارحة، تجلي الكلام وتكشف غوامضه، وتبين معانيه.
2) تحشية نقدية ضافية، تتعقب، وتعزز المعاني بمعان أخرى ومعارف مشابهة أو فائقة."
والمعروف فى التراث أن الحواشى أى الحاشيات معظمها كان عبارة عن زيادة لحجم الكتاب وكانت تقتصر على بيان معنى كلمة فى معظمها أو تذكر رواية معارضة أو حكم مخالف فى القليل من الأحيان ومن ثم لم تكن معظم الحواشى لتضيف علما جديدا وتحدث ع فوائد الحواشى فقال
"وكلاهما مفيدتان، والعمل العلمي ماش على الأولى في غالبه، حيث البناء والتأسيس وضعف الخبرة والإبداع، فيمكن أن نسميها (الحاشية التأسيسية).
والثانية (التطويرية الإبداعية) التي تتفاعل مع المؤلف، إيجابا وسلبا، وردا وتعقيبا بالحجة والبرهان، وتضيف عليه أشياء أهملها، وعلوما نسيها، وفوائد فوتها، يرى لزاما القارئ الجيد، ضرورة ورودها ليتم الكلام، ويستقيم السياق، وينتفع بها هو يوما من الأيام، وتكفيه الرجوع إلى المصادر اللاحقة.
وإذا عاد لقراءة الكتاب بعد زمن بعيد، وجد نصوصه المزينة، ونقداته اللامعة، وتعليقاته الماتعة، فذكرته، أياما خوالي رائعات والتهبت عنده مشاعر نازفات، لايكاد ينساها أو يتجاهل حلوها ومرها ... وبات من الضروري قراءة الكتاب بطبعته المترعة والمزيدة، حيث الإبداع، والإظلام المنور،
ويمكن أن يضاف ضرب ثالث تنظيمي، هو (فهرسة القراءة) وهي لا تقل اهتماما عن سابقاتها، ويدرك القارئ أن عائدتها العلمية والفكرية الإبداعية على صاحبها ثمينة جدا، وتحدث تميزات واختراقات لا يستهان بها في الوسط العلمي النخبوي، وتفجر لديه ابتكارات علمية، وتعقبات سديدة وتأليفات جديدة."
وهذا الحديث عن الحواشى لم يكن لازما فى يوم من الأيام فالمفترض هو إما نقد الكتاب ببيان عيوبه ومحاسنه حسب أحكام الله وإما تركه على حالته بدون زيادة لأن نشر الكتب حاليا هو عملية تجارية فى المقام ألأول والقراء كانوا وما زالوا يعانون فقرا ماليا والحواشى تتسبب فى زيادة أعباءهم الحياتية من خلال زيادة سعر الكتاب
وتساءل عن السبب فى القراءة المحشاة وأجاب فقال :
"لماذا القراءة المحشاة؟!
يستثقل بعض القراء القراءة المحشاة، ويرى أنها إذهاب للوقت، وإهدار للزمن الجميل، وتعطيل للجد، بحيث يختم الزملاء، ويفرغ صغار التلاميذ!! وهو لازال في كتاب واحد، يحمله في كل مكان، ولم يأت بعد على آخره!!
وهذه شبهة خطيرة، إذا رسخت في الفؤاد، كسرت القلم، وعزفت النفس عن الكتاب نهائيا، وامتطت صهوة الإسراع الفارغ، والجرد الخاطف بلا وعي وانتباه وتدبر!!
وتختم الكتب بلا وعي وثمرة وجناء ... (فأما الزبد فيذهب جفاء)
وللإجابة نقول أولا أن العلم سهل ممتنع، ومرتع فسيح، لا يمكن هضمه في مدة سريعه، أو بكتب عزيزة، أو بقراءة شوهاء سريعة، بل لابد له من صبر وتأن...ووعي معنى القراءة المحشاة وإدراك ثمراتها، يجعل الاستبطاء هنا مفيدا لذيذا، لأنه يعني الحصد، والترسيخ، والعمق، والانتفاع.
ولذلك من فوائد التحشية هنا مايلي:
(1) تدريب الصبر، وتعليم الاحتمال ورفض للإسراع الطاغي، والاستعجال المنتاب لأكثر الطلاب.
(2) ترسيخ المقروء، وحياز فهمه وبركته واستكناه مراميه ومغاريه.
(3) فتق نصوصه، وفرزها وبيان معانيها ومشكلاتها.
(4) التعليقات المكثفة والكاشفة لكل مستبهمات النصوص، وغوامض الكلام المرسوم.
(5) الاحتراف النقدي والتعقيبي، بحيث مع استدامة التعليقات والاستدراك، يؤسس القارئ لنفسه (ملكة نقدية)، تأتيه بالعجائب والفرائد، وهذه الملكة لو وبذل لها ملايين، وقطع رحلات لما كان غريبا، لأنها عزيزة غالية!!.
(6) تحفظ ما يتيسر من الفوائد المصقولة، والمصطلحات المزيونة، والأشعار الميمونة، التي لا تتطلب جهدا كبيرا، بل بمجرد الكتابة والتمعن الزائد، ترسخ في الذهن، والناس يتفاوتون هنا في حسن التلقي والاستجابة الذهنية السريعة.
(7) تعلم فن الكتابة واستسهالها علميا، بحيث تصبح طريقا للجمع والحفظ والتأليف.
(8) صناعة اليقظة والنباهة لدى القارئ، بحيث يصبح أكثر تركيزا ووعيا لما يطالع ويعلق.
(9) تحويل الكتاب إلى جوهرة ذهبية نفيسة، مطرزة بكل النقوشات المختلفة.
(10) جمع الفوائد المعززة لمعنى واحد، وزجها في سياق معين، بحيث يسهل الرجوع إليها.
(11) تسجيل ذكريات معينة يكون لها وقعها على القارئ بعد زمان سحيق، وعلى الأبناء إذا ما شاهدوها بعد عشرات السنين ... وتذكروا بها مثابرة والدهم، وحسن صنعه، وبعض هذه الحواشي قد تتحول مع مرور الأزمان، وحسن التعليق والإجادة إلى مؤلف، ينشره الأب أو أحد أنجاله، وقد تم مفرقا، حسب الاطلاع والمناسبات المختلفة، ثم كتب الله له الخروج والنشر بعد الصقل والاعتبار والله الموفق والمعين.
(12) تجاوز مرحلة التعصب والتقديس للمؤلف، وأنه لا عصمة لأحد بعد القرآن والسنة وكل يؤخذ من قوله ويترك، وهذا من محاسن القراءة النقدية، ومن الآداب التي تصنعها الحواشي، ولا تصنعها المحاضرات والتوجيهات، ولو وجه المشايخ تلامذتهم إلى كتب المتون بعد حفظها، إلى نقدها والتعقيب عليها، لتجاوزت الأمة مأزق التعصب الأعمى، والهيام بالرموز المذهبية، وأذكر هنا قول بعض متعصبة الأحناف في مدح متن الهداية للمرغيناني الحنفي
إن الهداية كالقرآن قد نسخت ما صنفوا قبلها في الشرع من كتب
ولو امتثل متفقهة الهداية هذا الممتثل لقالوا:
إن الهداية متن طاب منظره ليست نفائسه كالنسخ في الكتب ولكن التعصب داء قاتل."
والفوائد التى قالها الفتحى هى أضرار فليس المطلوب من المسلم أن يقرأ كل هذا الكم الهائل من الكتب والتى للأسف الشديد معظمها فى المذاهب هو تكرار لموضوعات معينة
المطلوب من المسلم أن يعرف الأحكام بصورة بسيطة وأما الكتب المذهبية وحواشيها فهى سوف تقنعه بضرورة ترك الإسلام بسبب كم الاختلافات الهائل فى أفهام الفقهاء بسبب تصديقهم للروايات المتناقضة والمعانى اللغوية والنحوية
فالكتب وحواشيها المراد منها بتلك الطريقة ابعاد المسلم عن كتاب الله وجره للمسائل النظرية والاجتهادات البشرية التى لا طائل من خلفها
وتحدث عن فنون الحواشى فقال :
"فنون الحواشي:
الحاشية تتنوع وتتلون بحسب المتن أو الكتاب المقروء، وموضوعه وفكره المسطور، فحينما يكون الكتاب عقائديا، تكون الحواشي عقائدية توحيدية، وحينما يكون الكتاب حديثيا تكون التعليقات معاني للمتون النبوية، وشرحا لمصطلحات عارضة، وحينما يكون الكتاب متنا فقهيا، تكون فكا لمستغلق المتون الضيقة، وبيانا للأدلة والقواعد، وشيئا من التفريع الفقهي والخلافي.
ونرى في هذا السياق أن لا تكون الحاشية منتمية تمام الانتماء إلى العلم المقرر فيه هذا الكتاب، بل نرى جعلها متلونة، متنوعة تشمل الفقه والعقيدة والمعنى الحديثي والاصطلاحي اللغوي والشعري، بمعنى أنه كلما مر القارئ بشئ يحتاج إلى بيان أو تجلية أو تعزيز وترسيخ، علق ما يراه مناسبا له وللكتاب، بحيث يستطيع أن يجعله موسوعة معارف متنوعة، تغنيه عن الرجوع لمصادر أخرى، هي مظان لتلكم الفوائد.
بل لو تكلف القارئ الحصيف الحاشية حينئذ لكان حسنا، بحيث تكون كالتالي:
(1) بيان كل جملة غريبة، أو سياق غير واضح.
(2) كشف معنى كل آية قرآنية لا يدرك معناها.
(3) شرح كل مصطلح لغوي غير مفهوم، عبر كتب المعاجم وبيان ذلك المرجع بالرقم والصفحة.
(4) تعليق الشواهد الشعرية الماتعة المؤكدة للمعاني، والمجلية للأفكار والمرسخة للفهوم.
(5) إثبات الفوائد النادرة للأئمة، وكبار الأعلام والشيوخ، ومحاولة تحفظها وضبطها.
(6) تخريج الأحاديث غير المخرجة، وبيان أحكامها وعللها، لا سيما للمهتمين بعلوم الحديث.
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس