عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 11-12-2022, 08:56 AM   #3
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 6,032
إفتراضي

يقول الجلاجلي البصري: التوحيد موجب يوجب الإيمان، فمن لا إيمان له فلا توحيد له، والإيمان موجب يوجب الشريعة، فمن لا شريعة له فلا إيمان له ولا توحيد له، والشريعة موجب يوجب الأدب، فمن لا أدب له لا شريعة له، ولا إيمان له، ولا توحيد له!
ويقول عبد الله بن المبارك: من تهاون بالأدب عوقب بحرمان السن، ومن تهاون بالسنن عوقب بحرمان الفرائض، ومن تهاون بالفرائض عوقب بحرمان المعرفة (مدارج السالكين: 2/ 381
وقد أشرف الليث بن سعد على بعض أصحاب الحديث فرأى منهم شيئا كرهه فقال: ما هذا؟! أنتم إلى يسير من الأدب، أحوج منكم إلى كثير من العلم!)
ورحم الله الخطيب البغدادي الذي آلمه ما يقع من بعض طلاب الحديث في زمانه فأرسل هذه الزفرات: (وقد رأيت خلقا من أهل هذا الزمان ينتسبون إلى الحديث، ويعدون أنفسهم من أهله، المختصين بسماعه ونقله، وهم أبعد الناس مما يدعون، وأقلهم معرفة بما إليه ينتسبون، يرى الواحد منهم إذا كتب عددا قليلا من الأجزاء، واشتغل بالسماع برهة يسيرة من الدهر، أنه صاحب حديث على الإطلاق، ولما يجهد نفسه ويتعبها في طلابه، ولا لحقته مشقة الحفظ لصنوفه وأبوابه إلى أن قال: (وهم مع قلة كتبهم لهم وعدم معرفتهم به أعظم الناس كبرا، وأشد الخلق تيها وعجبا، لا يراعون لشيخ حرمة، ولا يوجبون لطالب ذمة، يخرقون بالراوين، ويعنفون على المتعلمين، خلاف ما يقتضيه العلم الذي سمعوه، وضد الواجب مما يلزمهم أن يفعلوه!)"
وهذا الكلام الطويل العريض عن التفرقة بين العلم والأدب ناتج من الفهم الخاطىء فالأدب هو علم لأن الإنسان يعلم حكم الاستئذان أو حكم عدم الشتم أو حكم الحلف أو احترام الأخر من حلال نصوص العلم غّا التزم بها كان مطيعا لله وإن لم يلتزم بها كفر
وتحدث أن الفائدة المطلوبة من تعلم العلم هى العمل به فى النقع والصلاح فقال :
"ثمرة العلم العمل
فالعلم بلا عمل جنون! والعمل بغير علم لا يكون، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون) ولا شك أن المقت الذي يكبر عند الله هو أكبر المقت وأشد البغض لا سيما في ضمير المؤمن الذي ينادى بإيمانه ويناديه ربه الذي آمن به! روي عن ابن عباس أنه قال: (كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون:لوددنا أن الله عز وجل دلنا على أحب الأعمال إليه فنعمل به، فأخبر الله نبيه أن أحب الأعمال إليه إيمان به لا شك فيه، وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الإيمان ولم يقروا به، فلما نزل الجهاد كره ذلك ناس من المؤمنين وشق عليهم أمره، فقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون)
وقد ضرب الله مثلا لمن يحمل كتابه ثم لا يعمل بما فيه بالحمار الذي يحمل على ظهره أسفارا لا يدري ما فيها فلا حظ له منها إلا حملها على ظهره! قال تعالى: (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين)
فحظ هذا العالم الذي لم ينفعه علمه فلم يتدبره ولم يعمل بموجبه كحظ هذا الحمار من الكتب التي يحملها على ظهره، وهذا المثل وإن كان قد ضرب لليهود فهو متناول من حيث المعنى لمن حمل القرآن أو العلم فترك العمل به، ولم يؤد حقه، ولم يرعه حق رعايته، كما يقول ابن القيم . (أعلام الموقعين 1/ 197)
وقال (ص)فيما أخرجه الترمذي وغيره: (لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه، وعن علمه ما ذا عمل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه) "
والحديث باطل فقد حدد السؤال بأربع ومع هذا الأسئلة عن خمس1- عن عمره فيما أفناه، 2-وعن علمه ما ذا عمل فيه، و3-عن ماله من أين اكتسبه 4-وفيما أنفقه، 5-وعن جسمه فيما أبلاه زد على هذا أنه لا أحد يسئل عن ذنوبه فى القيامة إن كان أذنب فى عمره أو علمه أو ماله أو جسمه وفى هذا قال تعالى :
" فيومئذ لا يسئل عن ذنبه إنس ولا جان"
ثم قال :
"وقال (ص)فيما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أسامة بن زيد (يؤتى بالرجل يوم القيامة، فيلقى في النار، فتندلق أقتاب بطنه، فيدور فيها كما يدور الحمار بالرحى! فيجتمع أهل النار عليه فيقولون: يافلان، مالك؟! ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهى عن المنكر؟! فيقول بلى! قد كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه!)"
والحديث باطل لأن أعضاء البطن لا تخرج منها ولكنها تحرق كما قال تعالى :
"إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب"
وضرب الله لنا الرجل أمثلة عن وجوب العمل للنجاة فقال :
فلو قرأ رجل العلم مائة سنة وجمع ألف كتاب فإنه لا يكون أهلا لرحمة الله إلا بالعمل، قال تعالى: (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى)، ومثاله لو كان على رجل في فلاة من الأرض عشرة أسياف ماضية مع جملة من أسلحة أخرى، ثم هاجمه أسد عظيم، فهل تدفع عنه هذه الأسلحة التي يتقلدها على عاتقه غائلة الأسد إلا باستعمالها والضرب بها؟! فكذا لو قرأ رجل مائة ألف مسألة علمية وفقهها ولم يعمل بها فإنها تكون حجة عليه وزيادة في نكاله ولا تغني عنه من الله من شيء إلا بالعمل!"
وتحدث عن أن العلم غير النافع هو الذى لا يعمل به فقال :
"وقد استعاذ النبي (ص)من العلم الذي لا ينفع، وهو الذي ينفصل عن العمل، فلا يورث صاحبه سمتا ولا هديا، ولا يزيده عبادة ولا تقى، ففي صحيح مسلم عن زيد بن أرقم أن النبي (ص)كان يقول: (اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يستجاب لها) وأمر أصحابه (ص)بذلك فقال: فيما يرويه ابن ماجة بسنده عن جابر (سلوا الله علما نافعا، وتعوذوا بالله من علم لا ينفع)، وروي عن أبي هريرة أنه قال: مثل علم لا يعمل به كمثل كنز لا ينفق منه في سبيل الله عز وجل. ويقول الحسن البصري : (العلم علمان: علم اللسان،! فذلك حجة الله على ابن آدم، وعلم في القلب فذلك العلم النافع! ثم قال: فالعلم النافع هو ما باشر القلب فأوقر فيه معرفة الله تعالى، وعظمته، وخشيته، وإجلاله، وتعظيمه، ومحبته، ومتى سكنت هذه الأشياء في القلب خشع فخشعت الجوارح تبعا له!)
ولقد فقه سلفنا الصالح هذا الأمر وقدروه حق قدره وأوصوا به تلاميذهم وخلصاءهم، فلم يكن همهم من العلم مجرد الرواية بل الرعاية والعناية، فبورك لهم في علمهم وكتب الله لهم به لسان صدق في العالمين.

رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس