عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 07-11-2022, 08:15 AM   #2
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 6,023
إفتراضي


"ثم إنّه ما صار الذي صَار إلا بضَعف الهيمنةِ العلمية الموثوقةِ والمرجعية الشرعيّة النزيهة، ولسانُ حال المرجعيّة المهمَّشَة وسطَ هذه الزّوابع والشِّعارات والمتنكِّبة يردِّد قولَ القائل:
وكان بنو عمِّي يقولون: مرحبًا فلمّا رَأوني مفلِسًا ماتَ مَرحبُ
ورحِم الله ابنَ القيم وهو يصفُ مثلَ هذه الحال بقوله: "فلو رأيتَ ما يُحرِّف إليه المحرِّفون أحسنَ الكلام وأبينَه وأفصحَه وأحقَّه بكلِّ هدًى وبيان وعلم مِن المعاني الباطلة والتأويلات الفاسِدة لكِدتَ تقضي من ذلك عجبًا وتتَّخذ في الأرض سَربًا، فتارةً تعجَب، وتارة تَغضب، وتارة تبكِي، وتارة تضحَك، وتارةً تتوجَّع بما نزل بالإسلام وحلّ بساحةِ الوحي" انتهى كلامه رحمه الله."
والتهميش هو بسبب الحكام وبسبب أن أهل الذكر صار معظمهم تحت أقدام الحكام وأما من وقف أمامهم فقد سجن أو أعدم
وطالب الرجل القوم بحماية الشرع فقال :
"وبعد: أيها المسلمون، فإنّ الواجبَ على الولاةِ والعلماء والدّعاة أن يكونوا حماةً لجناب الشريعة، وأن يتصدّوا لكلِّ غارةٍ على حِماها، وأن يقِفوا في وجوهِ العابثين بها وبأحكامها وثوابِتها، وبيان الحقّ لهم ودعوتهم إليه بالحكمة والموعظة الحسنة ومجادلتهم بالتي هي أحسَن، كما أنه لا ينبغي أن يتسلّل شيءٌ من التهوينِ مِن شأنِ أولئك، أو أن يقال: إنَّ الردَّ عليهم والتصدِّي لهم فيه نوعُ تنزُّل وإعطاءٌ للشَّخص أكثر من حقِّه؛ فإنّ الدفاعَ عن الشريعة أعمّ من أن يُحَدَّ بشخص دون آخر؛ إذِ الحقّ هو الضّالّة التي ينشدُها المؤمن، وللإمام عثمان الدارمي كلامٌ حولَ هذا يقول فيه: "وقد كان من مضَى من السَّلف يكرَهون الحوضَ في هذا وما أشبَهه، وقد كانوا رُزِقوا العافيةَ منهم، وابتُلينا بهم عند دروس الإسلام وذهابِ العلماء، فلم نجد بدًّا من أن نردّ ما أتوا به من الباطل بالحقّ"، ولأبي الحسَن الأشعريّ كلامٌ جيِّد في معرض ردّه على الجبّائي المعتزلي، يقول فيه: "ورأيتُ الجبائي ألّف في تفسيرِ القرآن كتابًا أوّلَه على خلافِ ما أنزل الله عزّ وجلّ، وما روى في كتابه حرفًا عن أحدِ المفسِّرين، ولولا أنه استغوَى بكتابه كثيرًا من العوامّ واستزلّ به عن الحقّ كثيرًا من الطّغام لم يكن للتّشاغُل به وجه". ويتحدّث ابن القيّم عن الوقوف في وجوه المحرّفين والعابثِين بنصوص الشريعة والحاطّين من هيبتها قائلاً: "فكشفُ عوراتِ هؤلاء وبيان فضائحِهم وفساد قواعدهم من أفضلِ الجهاد في سبيل الله، وقد قال النبي(ص) لحسّان بن ثابت: ((إنَّ روحَ القدُس لا يزال يؤيِّدك ما نافحتَ عن الله ورسوله))".
ألا فاتّقوا الله معاشرَ المسلمين، واحفظوا شِرعةَ الله ومنهاجه في واقعِ حياتكم، وذودوا عن حِماهما، فلا نجاةَ لسفينةِ الإسلام الماخِرة إلاّ بالتمسُّك بهما على وجهِ الانقياد والتسليم والتعظيم والطاعة، فَلا تَغُرَّنَّكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ" ، وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ"
وهذا الكلام عن خلافات الفرق لا لزوم له فهى مع أنها محرفة وموضوعة من قبل الكفار إلا أنها لا يجب ألا تذكر لأن الحق هو فى كتاب الله وليس مع رجال معينين ولذا قال تعالى :
" وما اختلفتم فيه من شىء فحكمه إلى الله"
وتحدث عن وجوب طاعة الله فى الوحى المنزل على خاتم النبيين(ص) فقال :
"فاتقوا الله أيّها المسلمون، واعلموا أنّ الدين عند الله الإسلام، وأنّ الله جلّ وعلا يقول: وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا " وقد أمرنا الله سبحانه أن نخلِصَ طاعتَنا لله ولرسوله ولورثةِ الأنبياء مِن العلماء الربانيين حيث يقول سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ""
وتحدث الرجل عن وجوب رد المور إلى أهل الذكر فقال :
"وإنّ مِن صحَّة الإيمان تعظيمَ الشريعة واحترامها لأنها من الله ورسوله ، فلا يجوز العبثُ بها ولا الاعتداء على مسلَّماتها ولا الخوضُ فيها بغير عِلم لأنّ الله جل وعلا يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ "والمعنى: لا تقولوا خلافَ قول الله وقول رسوله ، ولا تفتاتوا عليهما بشيء، ولا تقضوا أمرًا دونَ الله ورسوله من شرائعِ دينكم.
ويشتدُّ الأمرُ تأكيدًا ـ عبادَ الله ـ حينما تأتي الملمّات وتحُلّ الفِتن والبلايا كما قال تعالى: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوْ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمْ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً "
وبالقطع أهل الذكر الذين قصدهم الله ليس أحد منهم موجود حاليا إلا عدد نادر لأن المعظم إما تابع للحكام والبعض الأخر يريد أن يشتهر مخالفا والقلة النادرة تحاول أن تصلح ما أفسده علماء السلطان والكفار
وتحدث عن السلف الصالح ووجوب الاقتداء بهم فقال:
"إنه بمثلِ هذا سار السلفُ الصالح، فكُتب لهم التوفيقُ والتمكين، وما ذاك إلاّ لتعظيمهم لنصوص الوحيين والأخذ بها وعدم التقديم بينها، فقد صحَّ عن أبي حنيفةَ ومالك والشافعيّ وأحمد رحمهم الله قولُ كلِّ واحدٍ منهم ما مفادُه: إذا صحَّ الحديثُ فهو مذهبي، وقد جاء رجل للشافعيّ فسأله مسألةً فقال: قضَى رسول الله كذا وكذا، فقال الرجل للشافعيّ: ما تقول أنت؟ فقال: سبحان الله! تراني في كنيسة؟! تراني في بيعة؟! ترى على وسطي زنّارًا؟! أقول: قضى رسول الله كذا وكذا وأنت تقول لي: ما قولُك أنت؟!
فالواجبُ على كلِّ مسلم كمالُ التسليم لشريعةِ الله والانقياد لما فيها وتلقِّي ذلك بالقبولِ والتصديق دونَ معارَضتها بخيالٍ باطلٍ ولو سمّاه الناس معقولاً أو مصلحةً أو ضغطًا حضاريًّا. كما لا يجوز لأحدٍ أن يحمِّل الشريعةَ شبهةً أو شكًّا أو يقدِّم عليها آراءَ الرجال وزُبالةَ أذهانهم، فلا يصحّ إلاّ التحكيم والانقياد والتسليم والإذعان للشريعة، فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا " وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِينًا "
وبالقطع ليس المطلوب من المسلم الاقتداء بالرجال وإنما الاقتداء بالهدى المنزل على الرسل(ص) كما قال تعالى :
"قل فبهداهم اقتده"

رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس