وكلام سورة الإسراء عند الفساد فى الأرض لا يتحدث عن فساد اليهود فى عهد النبى الخاتم (ص) وإنما تحدث عن الفساد فى الأرض المباركة أرض مكة حيث استولوا عليها مرتين وقد أخرجوا منها بعد كل مرة وتكرر ذلك فيما بعد لقوله تعالى :
" وإن عدتم عدنا"
ومن ثم لا علاقة لكلام الله بالإفساد فى دولة المسلمين الأخيرة ولا علاقة لها بوجود إسرائيل الحالية حيث لا توجد فى مكة حيث المسجد الحرام
وعاد للحديث عن مرتى الإفساد فقال :
"عاقبة الإفساد في الأرض:
قلت وهو مبني على ما ذكره المفسرون في شأن العلوين المذكورين في الآيات، وأيا كان الأمر فإن وعد الله تعالى قائم لعباده المؤمنين بأن يسلط عليهم بسبب فسادهم -كلما عادوا إليه- من يسومهم سوء العذاب، وها هم اليوم قد علوا في الأرض فأهلكوا الحرث والنسل، وأفسدوا في البلاد، وإنا لنسأله تعالى أن يعجل لهم ما توعدهم به وأن يجعل ذلك على أيدي الصالحين من عباده بمنه وفضله سبحانه، فقد قال تعالى في كتابه الكريم {وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم} . قال وهذه والله بشارة ثانية لأهل الإسلام، وقد قال العلامة ابن كثير في تفسيرها بعد أن ذكر ما قيل من أن موسى (ص) ضرب عليهم الخراج، ثم قهر الملوك لهم من اليونانيين والكشدانيين وغيرهم، ثم قهر النصارى لهم وإذلالهم إياهم، ثم جاء الإسلام ومحمد (ص)فكانوا تحت قهره وذمته يؤدون الخراج والجزية، قال العوفي عن ابن عباس في تفسير هذه الآية قال: هي المسكنة وأخذ الجزية منهم، وقال علي بن أبي طلحة عنه: هي الجزية، والذي يسومهم سوء العذاب محمد رسول الله (ص)وأمته إلى يوم القيامة، وكذا قال سعيد بن جبير وابن جريج والسدي وقتادة»"
وكلام أبو الوليد هو خبل فلا علاقة لليهود ككل بالآية التى استشهد بها وهى :
"فلما عتوا عن ما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم"
فالآية تتحدث عن أصحاب السبت وهم طائفة قليلة وأما سومهم العذاب حتى القيامة فالمقصود به أنهم فى نار البرزخ يعذبون بعدما أهلكهم الله بتحويلهم لقردة ثم أماتهم فأدخلهم نار البرزخ
ولو صدقنا كلام أبو الوليد فى أنهم أحياء حتى ألآن فى الدنيا لوجب أن نكذب قوله تعالى :
"ما جعلنا لأحد من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون"
فأصحاب السبت ماتوا فى الدنيا
وتحدث عن أحاديث نصرة اليهود للدجال المزعوم فقال :
"قلت ووعد الله تعالى قائم بذلك لهذه الأمة حتى يقاتلهم المسلمون مع عيسى بن مريم عليه السلام وهم مع الدجال لعنه الله كما بشر به رسول الله (ص)كما سأذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى. وإلى نحو ذلك أشار ابن كثير في تفسيرها فقال: «ثم آخر أمرهم أنهم يخرجون أنصارا للدجال فيقتلهم المسلمون مع عيسى بن مريم عليه السلام، وذلك آخر الزمان»"
والحديث لا يصح لأن النبى (ص) لا يعلم الغيب كما قال تعالى:
" ولا أعلم الغيب"
وتحدث عن صفات اليهود وأفعالهم فقال :
"وقال تعالى: {وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون في الأرض فسادا والله لا يحب المفسدين} فبين سبحانه ما هم عليه من الكفر والإعراض عن الدين والحسد العظيم الدافع لهم إلى الكيد بالمؤمنين، ثم بين سبحانه أنه يدفع عن عباده المؤمنين ذلك ويرد كيدهم بأمرين: الأول: أنه سبحانه ألقى بينهم العداوة والبغضاء فلا تجتمع قلوبهم، بل العداوة واقعة بينهم دائما، لا يجتمعون على حق، ما داموا مخالفين مكذبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: ومثل هذه الآية قوله تعالى {تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى}
. الثاني: أنه سبحانه توعدهم بإطفاء كل نار للحرب يوقدونها فكلما عقدوا أسبابا يكيدون بها رسول الله (ص)والمسلمين، وكلما أبرموا أمرا يحاربون به دين الله تعالى، أبطله الله ورد كيدهم عليهم وحاق مكرهم السيئ بهم. ثم بين سبحانه أنه لهم بالمرصاد لما جبلوا عليه من حب الإفساد في الأرض حتى صار صفة لهم والله لا يحب من هذه صفته. الأدلة من القرآن الكريم وقال القرطبي في قوله تعالى {كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله} «كلما» ظرف، أي كلما جمعوا وأعدوا شتت الله جمعهم». ثم ذكر في الآية قولا آخر وهو أن المعنى «كلما أوقدوا نار الغضب في نفوسهم وتجمعوا بأبدانهم وقوة النفوس منهم باحتدام نار الغضب أطفأها حتى يضعفوا، وذلك بما جعله من الرعب نصرة بين يدي نبيه(ص)» قلت: والصواب إن شاء الله تعالى أن هذه الخاصية -وهي النصر بالرعب- باقية في الأمة متى استقامت على دين الله تعالى وشريعته تكرمة لنبيه (ص)ولهذه الأمة التي جعلها خير أمة أخرجت للناس، وبسط الدليل على هذا الموضع في غير هذا المحل والله أعلم. ثم -إعلم- أرشدك الله تعالى- أن الله عز وجل قد ذكر من أوصاف اليهود في كتابه ما هو من مقومات زوالهم وذلتهم وخذلانهم ما تضيق عنه هذه الورقات إلا أننا نذكر هنا بعضه: - فمن ذلك أن الله تعالى قد لعنهم وغضب عليهم، وقد اتفق أئمة التفسير على أن المراد بقوله عز وجل {غير المغضوب عليهم} هم اليهود، ويؤيد هذا قوله تعالى: {قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله، من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكانا وأضل عن سواء السبيل} "
والخطأ فى كلام أبى الوليد هو أن اليهود هم المغضوب عليهم عند المفسرين بينما القرآن قال أنهم كل الكفرة الذين انشرحت قلوبهم للكفر فقال:
"ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم"
وحكاية أن النصر بالرعب مخصوص بالمسلمين وحدهم لا تصح فالكثير من هزائم الكفار لبعضهم أيضا خاصة فى حالات الانهيار السريع للجيوش تكون بسبب الخوف وهو الرعب من قبل جيش الدولة المنهار
وتحدث عن أن الذل هو عادة اليهود فقال :
"ومن ذلك أن الله تعالى جعلهم أهل ذلة ومسكنة وصغار كما قال سبحانه {ضربت عليهم الذلة أين ما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون} وقوله تعالى هنا {أين ما ثقفوا} شرطية، وما زائدة، وثقفوا في موضع جزم، وجواب الشرط محذوف يدل عليه ما قبله، ومن أجاز تقديم جواب الشرط قال: ضربت هو الجواب، ويلزم على هذا أن يكون ضرب الذلة مستقبلا، وعلى الوجه الأول هو ماض يدل على المستقبل، أي ضربت عليهم الذلة،
وحيثما ظفر بهم ووجدوا تضرب عليهم، وهذا المعنى يؤيد قول من جعل الاستثناء في قوله {إلا بحبل من الله وحبل من الناس} منقطعا، لأن الذلة لا تفارقهم أينما كانوا، وهو معنى أين ما ثقفوا، فإنه عام في الأمكنة. ونقل ابن حبان القول بذلك -أعني بانقطاع الاستثناء عن الفراء والزجاج- قال: وهو اختيار ابن عطية الأندلسي وقيل: بل هو متصل والمعنى ضربت عليهم الذلة في عامة الأحوال إلا في حال اعتصامهم بحبل الله وحبل الناس. كذا ذكره الزمخشري وقد قال ابن عباس ورضي عنه: {إلا بحبل من الله وحبل من الناس} أي بعهد من الله وعهد من الناس. ونحوه عن مجاهد وعكرمة والضحاك وعطاء وقتادة والحسن والسدي والربيع بن أنس، كما رواه عنهم ابن جرير تعالى. قلت: والظاهر من الآية أن الخلاف في أمر الاستثناء وارد على الذلة، أما المسكنة وهي كما قال ابن عطية «...التذلل والضعة، وهي حالة الطواف للمتلمس للقمة واللقمتين المضارع المفارق لحالة التعفف والتعزز به، فليس أحد من اليهود -وإن كان غنيا- إلا وهو بهذه الحالة». فالظاهر أنها لازمة لهم في جميع الأحوال، قال ابن كثير {وضربت عليهم المسكنة} أي ألزموها قدرا وشرعا- ومنها أنهم أهل جبن وهلع وخور كما قال تعالى {لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر، بأسهم بينهم شديد} [وقال عنهم: {وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون} ومنها وهو كالسبب لما قبله حرصهم على الحياة ولو كانت حياة خسة ومهانة كما قال تعالى عنهم {ولتجدنهم أحرص الناس على حياة...}.
|